محمد الصالح
يعد محصول الزيتون في سوريا من المحاصيل الاستراتيجية، كونه من محاصيل الأمن الغذائي بالنسبة للسكان المحليين من ناحية، وباعتباره قيمة مضافة في ناتج الدخل الوطني من ناحية أخرى.
وكباقي القطاعات في سوريا، تأثر هذا المنتج بشكل سلبي للغاية خلال الحرب المشتعلة منذ 5 أعوام. لكن، ربما يكون لقرار وزارة التجارة والجمارك التركية الصادر في 19 من شهر آب الماضي، والذي سمح للتجار والمصدرين السوريين بإدخال زيت الزيتون، أثر كبير في تنشيط سلسة الفعاليات الاقتصادية المرتبطة بزراعة وإنتاج زيت الزيتون، من خلال تصديره من سوريا إلى تركيا.
تعد شجرة الزيتون مصدر رزق لأهالي الأرياف في العديد من المحافظات السورية، حيث يقدر عدد الأسر التي تعتمد بشكل مباشر أو غير مباشر، على زراعة الزيتون كدخل لها، بنحو 600 ألف أسرة.
وعلاقة السوريين مع شجرة الزيتون عمرها ثمانية آلاف عام، بدأت عندما هجن الإنسان السوري القديم هذا النوع من الشجر، وتمت زراعتها ضمن مملكة إيبلا، وقد أثبتت ذلك الاكتشافات الأثرية في المملكة المذكورة.
وتعد سوريا الموطن الأصلي للزيتون، حيث صدرت هذه الشجرة إلى معظم بقاع الأرض. ووفق الإحصائيات العلميّة، هناك حوالي 100 صنف من الزيتون السوري، 16 صنفاً منه يعود إلى تدمر.
تعد سوريا الموطن الأصلي لشجرة الزيتون، وهي تشكّل ما يقارب 66% من إجمالي الأشجار المثمرة في سورية، وتغطي نحو 11.5% من المساحة المزروعة فيها
وتشكل شجرة الزيتون ما يقارب 66% من إجمالي الأشجار المثمرة في سورية، حيث وصل عدد أشجار الزيتون إلى 90 مليون شجرة، وهي تغطي نحو 11.5% من المساحة المزروعة فيها.
بلغ مجموع مزارع الزيتون في سوريا حوالي 650 هكتار ألف، في حين وصل عدد الأشجار إلى نحو 90 مليون، أغلبها منتشر في المناطق الشمالية والغربية، ومنها حلب، إدلب، اللاذقية، طرطوس، وحمص. كما تنتشر على نطاق واسع في المنطقة الجنوبية، لا سيما في درعا والسويداء والقنيطرة.
ثروة وطنية
احتلت سوريا المركز الثالث عربياً بعد تونس والمغرب في إنتاج الزيتون بنسبة 16% من إجمالي المساحة المزروعة، كما يشكّل الزيتون مصدرا غذائيا مهما للفرد السوري، حيث يقدر استهلاك الشخص من زيت الزيتون من 5-6 كغ سنويا، وهو معدل منخفض مقارنة بباقي الدول المنتجة.
أما الأهمية الاقتصادية لزيت الزيتون فتكمن في القيمة المضافة التي يحققها، ومساهمته في الدخل الوطني، والتي تتراوح بين 1.5-3.5% من إجمالي الدخل الوطني، و8% من إجمالي الدخل الزراعي.
أنواع الزيتون السوري
يتميز محصول الزيتون السوري، بوجود عدد كبير من الأصناف، بعضها يستخدم لاستخلاص الزيت وبعضها الآخر للتخليل وتحضير زيتون المائدة. ومن أهمها، الصوراني والزيتي والخضيري والدعيبلي، والدان والقيسي والجلط، ومحزم أبو سطل والمصعبي.
كلفة الحرب
كان لحرب النظام على الشعب السوري، أثر كبير على “الذهب الأخضر”، إضافة إلى تأثير العوامل المناخية الأخرى، ومنها قلة الأمطار والصقيع، حيث انخفض الإنتاج عن ذروته بنسبة 23% في 2010.
وتوقعت مصادر في حكومة النظام، أن يبلغ إنتاج الزيتون خلال 2015 نحو مليون طن، إضافة إلى إنتاج 180 ألف طن من الزيت، في حين أن عام 2014 سجل انخفاضاً في إنتاج زيت الزيتون إلى 80 ألف طن بعد أن كان في 2013 نحو 160 ألف طن.
ويقدر متوسط الإنتاج السنوي بحوالي 1.2 مليون طن، ينتج عنها حوالي 150 ألف طن من الزيت و300 ألف طن من زيتون المائدة.
أرقام وحقائق
أظهرت بيانات المجلس الدولي لزيت الزيتون أن إنتاج سوريا وصل خلال موسم 2013 – 2014 إلى 180 ألف طن، وفي حال قارنا هذه الإحصائيات في سوريا مع مثيلتها في تركيا والصادرة عن نفس المجلس، لمعرفة النتائج المتوقعة من تطبيق قرار الحكومة التركية السماح باستيراد الزيت السوري، نجد أن سوريا تفوقت بالإنتاج والاستهلاك، بينما تفوقت تركيا بكمية فائض التصدير.
أما بالنسبة لبيانات موسم 2014 – 2015، فيلاحظ تندي كمية الإنتاج في سوريا بنسبة 42%، حيث انخفض الإنتاج إلى 105 آلاف طن، بسبب احتدام الصراع وتردي الأوضاع، فيما كان يتوقع المجلس الدولي لزيت الزيتون تراجع الإنتاج إلى 50 ألف طن، أي بنسبة 69.7%.
وبعد أن كانت حصة سوريا من الإنتاج العالمي لزيت الزيتون لموسم 2009- 2010 حوالي 5%، ارتفعت لتصل 6.4% لموسم 2011- 2012، لتنخفض إلى 5.6% في موسم 2012 – 2013، ولتكون في ذلك الموسم الأولى عربياً والرابعة عالمياً.
وبلغت حصة سوريا من إنتاج زيتون المائدة ما نسبته 6.4% من الإنتاج العالمي لموسم 2013، لتحتل المرتبة الثانية عربياً بعد مصر، والرابعة عالمياً. وبلغت الصادرات السورية من زيتون المائدة 4.2% بالمتوسط سنوياَ خلال الأعوام 2006 – 2012، ليبلغ حجمها في عام 2012- 2013 نحو 35 ألف طن من زيتون المائدة، فتحتل بذلك المرتبة الثالثة عربياً بعد مصر والمغرب والسابعة عالمياً.
ويستحوذ الاتحاد الأوروبي على الحصة الأكبر من زيت الزيتون، حيث تأتي إسبانيا في المرتبة الأولى، تليها إيطاليا التي تسيطر على خمس الصادرات العالمية، في حين تحتل سوريا المرتبة السادسة بحصتها من الصادرات العالمية لزيت الزيتون (مع الأخذ بالحسبان انخفاض الإنتاج بشكل ملحوظ في السنوات الأخيرة بسبب الحرب)، وبعدها تركيا التي تتقارب في الإنتاج مع سوريا.
رغم تزايد الصادرات في العام 2013، إلا أنها تراجعت في العام 2014 حوالي 38%، كما انخفض الاستهلاك المحلي بنسبة 26% بسبب حركات النزوح المستمرة، عن زيت الزيتون بزيوت نباتية أخرى.
ومن المتوقع أن يزداد الإنتاج الكلي من الزيتون ومنتجاته خلال السنوات القادمة بحكم استمرار التوسع في الأراضي المزروعة بأشجار الزيتون، ودخول 10% بالمتوسط من الأشجار غير المثمرة في طور الإنتاج سنوياً، ليكون فائض التصدير المتوقع مع نهاية 2020 حوالي 125 مليون طن.
ورغم تزايد الصادرات في العام 2013 لتسجل ما قيمته 38.489 مليون دولار، إلا أنها تراجعت في العام 2014 حوالي 38%، حيث احتلت لبنان حسب بيانات مركز التجارة العالمي لعام 2014، المرتبة الأولى في قائمة البلدان العشر الأولى المستوردة للزيتون السوري ومنتجاته، تليها الكويت، تايلاند، إسبانيا، استراليا، البحرين، قطر، أميركا، ماليزيا، الصين.
وانخفض الاستهلاك بنسبة 26% بسبب حركات النزوح المستمرة، واستعاضة الأسرة السورية عن زيت الزيتون بزيوت نباتية أخرى لرخص أسعارها.
لم يسجل أي تصدير رسمي لزيت الزيتون في سوريا خلال الموسم الماضي، لكن السلطات الإيطالية ضبطت كميات من زيت الزيتون تباع على إنها منتج إيطالي، فيما هي أصلاً منتج سوري أو تركي.
هذا ولم يسجل أي تصدير رسمي لزيت الزيتون في سوريا خلال الموسم الماضي. ويعتقد أنه الكمية الفائضة إما تم تخزينها أو احتكارها من قبل التجار لتهريبها خارج الحدود، والدليل على ذلك ضبط السلطات الإيطالية كميات من زيت الزيتون تباع على إنها منتج إيطالي فيما هي أصلاً منتج سوري أو تركي.
وتصل الكلفة الوسطية للدونم حالياً ووفق الأسعار الرائجة نحو 22.5 ألف ليرة، والمتتبع يجد أن التكلفة ترتفع مع كل عام وخاصة خلال سنوات الحرب.
حرب الأسعار
يفتقر زيت الزيتون السوري إلى وجود نوعيات مختلفة للزيت، إذ لا يعرف السوق المحلي إلا نوعاً واحداً من زيت الزيتون دون تصنيف لأنواع أخرى، وغالباً يباع بسعر واحد. وذلك بسبب بدائية طرق الاستخلاص وعدم اعتماد طرائق حديثة لاستخراج أنواع متمايزة من الزيت.
سجل سعر الكيلو غرام الواحد من زيت الزيتون داخل سورية، حوالي 90 ليرة في العام 1995، ليرتفع إلى 150 ليرة في العام 2001، ليباع بمبلغ يزيد عن 1400 ليرة خلال 2016.
وكان سعر الكيلو غرام الواحد من زيت الزيتون داخل سورية، حوالي 90 ليرة في العام 1995، ليرتفع إلى 150 ليرة في العام 2001، ثم 250 ليرة في عام 2006. لكنه سجل خلال العام الحالي أكثر من 1400 ليرة.
جملة صعوبات
أدى الانهيار والفساد في مؤسسات حكومة النظام خلال السنوات الخمس السابقة، إلى إصابة الزيتون بأمراض عدة أشهرها “عين الطاووس” و”سل الزيتون”، وذلك بسبب عدم التدقيق والخلط بالأصناف، وإدخالها في مراكز إنتاج الغراس سابقاً، وعدم دراسة أصناف الزيتون التي تم توزيعها من قبل مشاتل وزارة الزراعة من ناحية النوعية وكمية الإنتاج، ومدى مقاومتها للأمراض ومدى تأقلمها مع مناخ المناطق التي ستزرع بها، وبالتالي انخفض المردود الاقتصادي، ما أبعد الفلاح بسبب الخسائر المادية، عن الشجرة، وأدى إلى إهمالها.
كذلك فإن ارتفاع أسعار مستلزمات الإنتاج وارتفاع أسعار المحروقات، وعدم توافر اليد العاملة وارتفاع الأجور وتكاليف الخدمات الزراعية الأخرى، من الفلاحة والتسميد والتقليم وغيرها، أدى إلى تراجع قدرة الفلاحين على متابعة بساتينهم والاهتمام بها، وهو ما أدى بالتالي إلى انخفاض كمية وجودة الإنتاج في بعض المناطق.
كما أن معظم منتجي زيت الزيتون اعتادوا سابقا استخدام عبوات الصفيح في تعبئة وتخزين زيت الزيتون، وهي تعد من الوسائل المقبولة، لكن توقف أغلب معامل الصفيح عن الإنتاج بسبب فقدان المادة الأولية للتصنيع جراء الحرب، دفع المنتجين للاستعانة بالعبوات البلاستيكية وغيرها، والتي لا تصلح لتعبئة الزيت، الأمر الذي أثر سلباً على جودة الزيت وقيمته الغذائية.
ويعاني الفلاحون أيضاً من مشكلة قطف الثمار من الأشجار بسبب الظروف الأمنية المحيطة في أماكن حقولهم، مما جعل من الثمار تذبل على الشجرة دون قطافها، كما أن عامل إنتاج الشجرة في عام وتوقفها عن الإنتاج في العام الذي يليه (المعاومة) يعتبر من المعوقات الإضافية.
يضاف إلى مجموعة العوامل السابقة المؤثرة سلبا على الإنتاج، ظاهرة قطع أشجار الزيتون في بعض المناطق بهدف استخدام أخشابها في التدفئة، بعد الارتفاع الحاد في أسعار الوقود في سوريا.
التصدير والبريق التركي
يبلغ عدد الدول التي تستورد زيت الزيتون من سوريا 26 دولة، في حين تشير أرقام صادرات زيت الزيتون العالمية، إلى أن سوريا استمرت بتصدير الزيت خلال الأزمة وبكميات متزايدة نسبياً، حيث صدرت في عام 2011 نحو 22 ألف طن، وفي 2012 حوالي 27 ألف طن، وخلال 2013 أكثر من 30 ألف طن، وفي العام 2014 نحو 30 ألف طن.
الخبير الاقتصادي محمود العلي، وفي تصريح خاص لـ”صدى الشام”، قال إن “القرار التركي سيفتح باب التصدير بشكل كبير، وسيكون ذلك على حساب السوق المحلي”. مضيفاً أن “الأسعار المرتفعة أصلاً، ستتضاعف مرة أخرى”.
خبير اقتصادي: القرار التركي سيفتح باب التصدير بشكل كبير، وسيكون ذلك على حساب السوق المحلي. وقد تصل صادرات زيت الزيتون السوري إلى تركيا نحو 25 مليون يورو.
كما أيد العلي خيارات طرحتها دراسة للمنتدى الاقتصادي السوري، بتصريف الفائض من إنتاج الزيت عن التجارة الداخلية، من خلال بيع المنتج لمناطق سيطرة النظام، أو التجارة عبر مناطق داعش. ويبقى الخيار الأمثل هو التصدير إلى تركيا رغم بعض مخاطره، بحسب قوله.
وقال العلي، إنه “من المتوقع أن تصل صادرات زيت الزيتون السوري إلى تركيا نحو 25 مليون يورو، الأمر الذي يساهم في تحسين مستوى معيشة الفرد، ودفع عجلة الاقتصاد بشكل عام”. كما طالب “أن تكون الحكومة المؤقتة صمام الأمان في عملية تصدير هذه المادة إلى تركيا، عبر التواصل مع المجالس المحلية”.