بريد القراء/
عبد الرحمن نجار
تعتبر محافظة إدلب والتي تقع في شمال غرب سوريا ، واحدة من أهم المناطق الاستراتيجية في البلاد، ليس فقط بسبب موقعها الجغرافي، بل أيضًا لكونها تضم معبر باب الهوى، أكبر معبر حدودي مع تركيا. إدلب تُعدّ اليوم موطنًا لحوالي 3.5 مليون مدني، بما في ذلك عدد كبير من النازحين الذين فروا من مناطق أخرى بسبب التهجير القسري الذي مارسته قوات الأسد على سكان محافظات أخرى مثل حمص وحلب وحماة ودمشق وريفها ودرعا وحتى على قرى ومدن تتبع لمحافظة إدلب مثل خان شيخون ومعرة النعمان وكفرنبل وحيش وسفوهن وقرى أخرى من جبل الزاوية . تسيطر على إدلب مجموعة متنوعة من الفصائل المعارضة، أبرزها هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقًا)، إلى جانب فصائل أخرى مدعومة من تركيا.
ومما لا يمكن تخطيه هو التاريخ الطويل لإدلب في معارضة نظام الأسد. فقبيل إندلاع الثورة السورية كانت هذه المحافظة من أكثر المحافظات المغضوب عليها من قبل حافظ الأسد الذي ذاق طعم البندورة على وجهه من قبل أهلها ، ومع اندلاع الثورة السورية في عام 2011، كانت إدلب من أوائل المحافظات التي شهدت مظاهرات حاشدة ضد النظام. وعبر السنوات، تحولت إدلب إلى معقل رئيسي للمعارضة المسلحة بعد سيطرة الفصائل عليها وطرد قوات الأسد منها. لقد صمدت إدلب أمام العديد من محاولات الاقتحام البري والهجمات الجوية المكثفة من قبل النظام وحلفائه، مما جعلها رمزًا للمقاومة المستمرة ضد حكم الأسد.
نموذج الجنوب.. داخل وخارج القبضة الأمنية
في محافظة السويداء، التي تتمتع بطابعها الخاص وتاريخها العريق في مقاومة الظلم، يبرز ذكر اسم ساحة الكرامة في السويداء، هذه الساحة التي أصبحت رمزاً للمقاومة والتحدي، حيث لم تهدأ ليوم من المظاهرات، مما يعكس إصرار أهل السويداء على مطالبهم الشرعية. يقترب الحراك الشعبي في السويداء من دخول عامه الأول بشكل مستمر ويومي، حيث يطالب المتظاهرون بإسقاط النظام وتحقيق العدالة والحرية وتطبيق القانون 2245. وقد تميزت هذه الاحتجاجات بكونها سلمية، إلا أنها قد واجهت استفزازات عديدة من قبل الأجهزة الأمنية وحزب البعث. وعلى الرغم مما تم ذكره، إلا أن المحافظة وأهلها لا يزالون على عهدهم الذي قطعوه على أنفسهم، فلم يقتصر الأمر على التظاهرات، بل قام أهالي السويداء أيضًا بإغلاق مقرات وشعب حزب البعث في المحافظة. أيضًا، مما لا يمكن تخطيه هو رفضهم ومقاطعتهم لانتخابات مجلس الشعب التي تُجرى تمثيل مشاهدها منذ مدة داخل سوريا، في خطوة تعتبر رمزية لرفضهم التام لنظام الأسد.
إلى الجنوب من السويداء، تحديداً محافظة درعا التي تعتبر مهد الثورة السورية بإشعالها لفتيل الثورة ، من الجدير بالذكر أن محافظة درعا هي من المحافظات التي انضم أهلها إلى ما يسمى بالمصالحة الوطنية والتي تمت في منتصف عام 2018، بعد حملة عسكرية واسعة شنها الأسد بمساعدة حلفائه الروس والإيرانيين، وبعد أسابيع من القصف المكثف والمواجهات المسلحة، تم التوصل إلى اتفاق مصالحة بوساطة روسية. هناك أحداث لا تخفى على أحد تبشر جميع السوريين بأن درعا لا زالت م الثورة السورية فهي التي تشهد بين الحين والآخر وقفة احتجاجية أو إحياء لذكرى الثورة السورية في مؤشر يثبت بأن أهل المحافظة لا يزالون على عهدهم ، آخرها في مدينة انخل على وجه الخصوص، شهدت المدينة اشتباكات مسلحة بين المدنيين والأجهزة الأمنية في الأيام الثلاثة الماضية، مما يعكس حالة الفوضى والانفلات الأمني التي تعاني منها المناطق التي من المفترض أن تكون تحت سيطرة النظام. هذه الاشتباكات تعكس عمق الاستياء الشعبي من سياسات تعامل نظام الأسد وأجهزته القمعية مع الشعب في تلك المحافظة وغيرها من المحافظات السورية، وتعزز الفكرة بأن النظام غير قادر على فرض سيطرته بشكل فعّال حتى في المناطق التي يزعم بأنها تحت سيطرته ويتحكم بها.
الأهمية الجغرافية والاقتصادية لإدلب
إدلب تحتل موقعًا جغرافيًا واستراتيجيًا بالغ الأهمية، حيث تقع في شمال غرب سوريا وتعتبر بوابة سوريا إلى تركيا، وهي الدولة الأكثر تأثيرًا في الملف السوري. إدلب تحتوي على أكبر معبر حدودي مع تركيا، وهو معبر باب الهوى، الذي يُعد شريان الحياة للاقتصاد المحلي. هذا المعبر يلعب دورًا حيويًا في إدخال المساعدات الإنسانية والبضائع التجارية، مما يجعله نقطة استراتيجية بالغة الأهمية لكل من النظام والمعارضة.
جهات السيطرة المتعاقبة على إدلب
منذ بداية الثورة السورية، شهدت إدلب تحولات عديدة في السيطرة. في البداية، كانت تحت سيطرة النظام السوري، لكنها سرعان ما انتقلت إلى أيدي فصائل المعارضة المسلحة. في السنوات الأخيرة، أصبحت إدلب معقلًا رئيسيًا لهيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقًا) وفصائل معارضة أخرى. هذه الفصائل تمكنت من السيطرة على إدلب بعد معارك ضارية مع النظام وقواته المتحالفة.
إدارة إدلب حاليًا مقارنة بمناطق النظام
حاليًا، تدار إدلب من قبل هيئة تحرير الشام وبعض الفصائل المعارضة الأخرى. ورغم الصعوبات والتحديات، فإن الوضع الأمني في إدلب يعتبر أفضل نسبيًا مقارنة ببعض المناطق الأخرى في سوريا التي يسيطر عليها النظام. الخدمات الأساسية مثل الكهرباء والماء متوفرة بشكل متقطع، لكن المساعدات الإنسانية والدعم التركي يلعبان دورًا كبيرًا في تحسين الوضع.
على الجانب الآخر، تعاني مناطق النظام من تدهور كبير في الخدمات الأساسية. في درعا، التي تعد مثالاً واضحًا، يواجه السكان انقطاعًا مستمرًا للكهرباء ونقصًا حادًا في المياه والمواد الأساسية. الوضع الأمني في درعا غير مستقر، حيث تشهد اشتباكات مسلحة بين الحين والآخر، مما يزيد من معاناة المدنيين.
هل يمكن للأسد إدارة إدلب ؟
في ضوء هذه المعطيات، يثار التساؤل حول قدرة الأسد على إدارة محافظة إدلب. إدلب، التي تعتبر معقل المعارضة السورية والمحافظة الأكثر صمودًا أمام حملات الاقتحام والقصف الممنهج الذي يمارسه نظام الأسد، شهدت غضباً شعبياً وغلياناً كبيراً تجاه نظام الأسد منذ بداية الثورة السورية عام 2011 وحتى يومنا هذا. وعلى الرغم من المحاولات المستمرة للنظام لاستعادة السيطرة على إدلب، إلا أن المحافظة ما زالت تعتبر خارج نطاق سيطرته الفعلية.
عدم قدرة الأسد على إدارة المناطق التي يسيطر عليها، كما هو الحال في السويداء ودرعا، يعزز الشكوك حول قدرته على إدارة إدلب. النظام يواجه تحديات أمنية واقتصادية واجتماعية عميقة في المناطق التي يحكمها، وهذا يشير إلى ضعف بنيته الإدارية وعدم فعاليته في معالجة الأزمات. يمكن القول بأن إدلب، بموقعها الاستراتيجي وأهميتها السياسية، تحتاج إلى إدارة فعّالة ومستقرة، وهو ما يبدو بعيد المنال في ظل الأوضاع الراهنة. الغضب الشعبي المستمر والمعارضة الصلبة لنظام الأسد تجعل من الصعب تصور قدرة النظام على فرض سيطرته على إدلب بشكل مستدام.
يمكن القول بأن الأسد يواجه تحديات جسيمة في إدارة المناطق التي تقع تحت سيطرته، وبالتالي، فإن قدرته على إدارة محافظة لها تاريخ صلب في مواجهته ورفضه مثل إدلب تبدو ضئيلة بل حتى مستحيلة أيضاً فهذه المحافظة. إدلب، بموقعها الجغرافي الاستراتيجي وأهميتها الاقتصادية، تحتاج إلى إدارة فعّالة ومستقرة، وهو ما يبدو بعيد المنال في ظل إستمرار وجود نظام الأسد على سدة الحكم في سوريا. فالمؤكد بأن عودة إدلب إلى سيطرة الأجهزة الأمنية يعني حدوث ثورة في كل يوم ، فالأوضاع في السويداء ودرعا تعكس ضعف بنية النظام الإدارية وعدم فعاليته في معالجة الأزمات، مما يجعل من الصعب تصور نجاح الأسد في إدارة إدلب.