الرئيسية / منوعات / منوع / الحرية تدخل الجامعات السورية والطلبة يتطلعون لمستقبل مختلف
طلاب سوريون في جامعة دمشق يقفون فوق تمثال محطّم لحافظ الأسد – زينة شهلا

الحرية تدخل الجامعات السورية والطلبة يتطلعون لمستقبل مختلف

تمارا عبود – دمشق

في الخامس عشر من كانون الأول 2024، فتحت الجامعات السورية بواباتها لاستقبال الطلبة في أول يوم دوام رسميّ لها بعد سقوط نظام بشار الأسد، وعقب 53 عاماً و290 يوماً من حكم عائلة الأسد في سوريا.

طوال هذه السنوات، عانى المجتمع الجامعيّ السوري، بمن فيه من أساتذة شرفاء وطلاب، من آلة الأسد القمعية، التي كانت تبدأ بالفساد وبالمراقبة الأمنية المشددة للجامعات وتنتهي بمستقبل البطالة الذي ينتظر الخريجين عند عتبة كُلِّياتهم.

لم يكن هذا اليوم عادياً على الإطلاق بالنسبة لهم، فقد كانوا يجلسون منذ أسبوعين فقط، في قاعات ومدرّجات تمتلئ بصور عائلة الأسد، أو “الأبد” الذي بدا وكأنه يسيطر على حاضرهم ومستقبلهم وماضيهم، كأن لا أفق بعده ولا تاريخ قبله.

كانت المشاهد التي جاءت من الجامعات السورية بمثابة صرخة الخلاص، إذ شاهدنا طلبة جامعة دمشق وهم يُسقطون تمثال “الأبد” داخل الحرم الجامعي ويسحلونه بشكل جماعي، ورأينا طلبة جامعة حلب يستبدلون علم الأسد بعلم الثورة السورية، في حين طالب طلبة جامعة البعث بتغيير اسم الجامعة المرتبط بـ “حزب البعث”، الحزب الأوحد في نظام الأسد، والذي كان يُعتبر هو نفسه الأمين العام له.

قابلنا بعض الطلبة الذين حضروا اليوم الأول لجامعاتهم بعد تحررها ونعرض في هذا التقرير تطلعاتهم نحو المستقبل ومشاهداتهم في هذا اليوم.

شهادات من اليوم الأول

يقول عامر، طالب في كلية الهندسة الزراعية بجامعة دمشق:

“في اللحظة الأولى لدخولي الجامعة، شعرت بمزيج من الدهشة والأمل، بين تحرر المكان وتغييره وبين أنني أصبحت لأول مرة قادر على إيصال صوتي والوقوف بوجه الظلم مهما كان، تعليمياً أو غير تعليمياً. وحين دخلت إلى مبنى الكلية، تأكدت أولاً من أن كل تماثيل حافظ الأسد قد تحطمت، ثم ذهبت بعدها لألتقي أساتذتي وزملائي.”

وحول شعوره بالتغيير، يقول: “لم أشعر بالخوف أبداً في الجامعة، لكن بالتأكيد كان اليوم الأول بعد سقوط النظام مفاجئاً لأنه جاء بعد ظروف خانقة من كل النواحي. ”

ويصف شعوره في اليوم الأول لسقوط الأسد “بالصادم” لأنه غير معتاد على هذه “الكمية الهائلة” من الحرية.

من احتفالات جامعة دمشق-زينة شهلا

 

وفي الحديث حول تطلعاته للمستقبل، يقول عامر: ” لطالما حلمت بالسفر، لكنه لم يعد حلماً بعد الآن. وبينما كنت أعمل على التقدم للماجستير بعد تخرجي خلال هذا الشهر لأتمكن من تأجيل الخدمة العسكرية الإلزامية، أصبح الماجستير هدفاً شخصياً، لا يتعلق بالهروب من الجيش، بل بالسعي لأكون جزءاً من مشاريع عمل جديدة في وطني. ”

ويختتم حديثه بالقول، إنّ من وصفهم بالطلاب الفاسدين من الهيئات الإدارية التابعة “للاتحاد الوطني لطلبة سوريا” لم يكونوا موجودين في اليوم التاريخي هذا.

وكان قد صدر في حزيران الماضي تقرير عن المجلس السوري البريطاني بعنوان “ميليشيا في الحرم الجامعي” يؤكد تورط “الاتحاد الوطني لطلبة سوريا” التابع لنظام الأسد المخلوع، بانتهاكات مروعة ضد طلبة جامعة دمشق خلال الفترة الممتدة بين ربيع 2011 ونهاية 2013.

“كل شيء في الجامعة قد اختلف، حتى لون السماء ولون الشجر”

من احتفالات جامعة دمشق-زينة شهلا

أما صفد، وهي طالبة تعويضات سنية في جامعة دمشق، عبّرت عن فرحتها الكبيرة في هذا اليوم، حيث شعرت بتغيير جذري يحدث في الوطن.

وفي هذا السياق تقول: “كنت متلهفة للغاية للعودة إلى الجامعة والذهاب إلى دمشق، وحين جاء اليوم شعرت برغبة في البكاء والضحك في نفس الوقت وأنّ كل شيء في جامعتنا قد اختلف، حتى لون السماء والشجر. كما كان مشهد صلاة الجماعة في الجامعة مشهداً عظيماً من مشاهد هذا اليوم.”

وتصف فرحة زملائها قائلة: “لم أر هذه الفرحة على وجوههم من قبل أبداً، ولطالما سمعت الزملاء يتحدثون عن خططهم للهجرة بهدف التهرب من الخدمة الإلزامية في الجيش، وكان خوفهم من المستقبل كبير، لكن اليوم كانت نظراتهم مختلفة وضحكاتهم عالية ويريدون البقاء في الوطن. ”

كما تحدثت عن تطلعاتها المستقبلية لبناء فرق طلابية متعاونة في جميع الكليات، مشيرة إلى أن بعض الفرق الجامعية الموجودة مثل “الكريات الحمراء” في كلية الطب البشري و “DNA” في كلية طب الأسنان كانت قد أظهرت تميزاً في عملها خلال السنوات الماضية.

بينما انتقدت صفد الهيئات التابعة “للاتحاد الوطني لطلبة سوريا” التي لم تكن تقدم أي دعماً للطلبة، وعبرت عن سعادتها لما سمعت من وجود جهود لإعادة تنظيم الهيئات الإدارية في الاتحاد ككل.

أما بالنسبة للمناهج الجامعية، فقد أبدت رضاها عن المحتوى العلمي بشكل عام، لكنها أكدت على ضرورة تحديث المناهج بانتظام لتواكب تطورات المناهج في الدول المتقدمة. وأشارت إلى أن بعض الأساتذة في كلّيتها كانوا قد بدأوا بالفعل بتطوير المنهج الذي يقدمونه.

وتأتي هذه الشهادة على جهد العديد من أساتذة جامعة دمشق في ظل ظروف اقتصادية خانقة لا يتجاوز فيها راتب الأستاذ الجامعي في الجامعات الحكومية ال 100$ أي مليون و300 ألف ليرة سورية في أفضل الأحوال، وقد يكون أقل، بينما وصل راتب أساتذة الجامعات السورية الخاصة إلى 14 مليون ليرة سورية.

حملات تنظيف من آثار قصف النظام وتطلعات نحو المستقبل في جامعة حلب

من احتفالات جامعة حلب- شهد القاضي

استهدفت طائرات الأسد السكن الجامعي لجامعة حلب يوم 29 تشرين الثاني عقب سيطرة فصائل المعارضة على مدينة حلب خلال معركة “ردع العدوان” وقبل سقوط النظام بأيام قليلة مما أدى لمقتل 4 طلاب آنذاك حسب ما نقلته وكالة الأناضول.

يقول عبد الرحمن وهو طالب هندسة في جامعة حلب: عندما دخلت الجامعة، شاهدت طلاباً وموظفين يقومون بحملة تنظيف واسعة بعد القصف الذي طال ساحة الجامعة. وشعرت أن الكلّية أصبحت أكثر حرية، حيث تمت إزالة كل صور بشار الأسد التي كانت معلّقة على الجدران، مما جعلني أشعر بأنني أدخل إلى مؤسسة تعليمية حقيقية بدلاً من مكان يملكه ‘سيادته’.”

كما أشار إلى شعوره بالراحة لعدم تواجد طلبة الهيئات الإدارية التابعة “للاتحاد الوطني لطلبة سوريا” ووصفهم، باستثناء البعض منهم ب “بالعصابة التي كانت تظن أنها صاحبة سلطة، فأصبحوا أعضاءها الآن مجرد طلاب عاديين بلا نفوذ أو تأثير.”

وبالنسبة للمستقبل، يقول عبد الرحمن: ” أعتقد أن الأمور قد تتغير، خاصة بعد تحرر الأساتذة الشرفاء من الضغوط الحزبية. فقد كان لهم سابقاً دور محدود جداً تحت رقابة مشددة، وكانوا عرضة للإقالة لأتفه الأسباب، بينما كان هناك أساتذة آخرين يملكون سلطة كبيرة ويتحكمون بالطلاب”.

وحول ما يتمناه كطالب في الجامعة، يقول: “أتمنى أن يتم تحقيق مزيد من الشفافية في جميع الأمور، مثل تمكيني من الاطلاع على أوراق الامتحان في حال الرسوب لمعرفة أخطائي. كما آمل أن يولي المسؤولون مزيداً من الاهتمام بالكليات العلمية، بحيث تصبح المختبرات العملية أكثر فاعلية بدلاً من اقتصارها على دروس نظرية.”

قصف إسرائيلي على منطقة القلمون يمنع الطلبة من المشاركة في الاحتفال بهذا اليوم

في ظل تواصل القصف الإسرائيلي على ترسانة الجيش السوري العسكرية منذ سقوط النظام السابق، استهدفت إسرائيل مستودعات الأسلحة في 13 محافظة سورية بحسب “المرصد السوري لحقوق الإنسان” ومن بين الاستهداف كان مستودعات في منطقة القلمون في ريف دمشق، مساء السبت 14 كانون الأول واستمر القصف حتى فجر الأحد مما خلق حالة من الرعب عند أبناء المنطقة ومنعهم من مواصلة حياتهم العادية في اليوم التالي.

تقول سندس وهي من سكان القلمون: “كانت أصوات القصف قوية جداً واهتزت بسببها الشقق والأبنية السكنية مما حرمني مع مجموعة من صديقاتي من الذهاب إلى الجامعة وحضور هذا اليوم التاريخي.

وتضيف: “كان بإمكاننا استئناف خطتنا في صباح الأحد إلا أننا لم نستطع النوم طوال الليل لشدة القصف، وتشير إلى أنها ظنت أنه لن يأتي الصباح وهي على قيد الحياة. ”

ما هي أبرز الأشياء التي عانى منها الطلبة السوريين؟

تتباين أشكال المعاناة بين الطلبة أحياناً، إلا أنها تكون مشتركة في أحيان كثيرة أخرى ومن أشكال تلك المعاناة، الفساد الذي يسمح بالرشوة والابتزاز من أجل إنجاح المواد الجامعية، “الواسطة” التي تسمح بنجاح أي طالب وحتى تخرّجه، وجود “الاتحاد الوطني لطلبة سوريا” وترجمته: ذراع الأسد الأمني في الجامعات السورية.

كما كان يُطلب من الطلاب الحصول على موافقات أمنية لأي نشاط تطوعي، رغم أن الطالب يعرف مسبقاً أنّ أي نشاط لا يخدم حزب البعث ولا يبدأ بشكر السيد الرئيس وحزبه هو نشاط لا يمكن حدوثه، كما كان يتم إلغاء أي تجمع طلابي لا ينضوي تحت إشراف الحزب.

تقول نورا، إحدى طالبات جامعة دمشق قبل الثورة: “أصعب ما واجهته في حياتي الجامعية كانت وجود الرشوة والواسطة لطلبة معينين، عدا عن مشاكل تصحيح أوراق الامتحانات التي ظلمونا فيه بشكل كبير ولطالما حصلنا على علامات أقل بكثير من تلك التي نستحقها. كما أنه في معظم الأوقات كان يستلم طلبة الدراسات العليا مهمة تصحيح أوراقنا بدلاً من الأساتذة الذين من المفترض أنهم المخولين الوحيدين للقيام بهذا. ”

أما بعد الثورة، فقد تفاقمت معاناة المجتمع الجامعيّ، فقد فصل النظام الأساتذة المنحازين للثورة وهجّرهم قسراً إلى المنافي وحذف أسماؤهم من أي كتاب منهجي ساهموا في تأليفه، كما اعتقل الطلبة وعذبهم وقتلهم، وكان ختام العذابات وأبسطها ضوء الشمعة الذي بات الضوء الوحيد لآلاف الطلاب السوريين ليستمروا في دراستهم.

شاهد أيضاً

تصنيف الجواز السوري لعام ٢٠٢٥

نزيه حيدر – دمشق يعتبر تصنيف الجوازات في العالم مؤشر لمدى قدرة حاملي هذا الجواز …

لأمعاء صحية وجسم مرتاح.. إليك هذه النصائح

لا شك في أن أمراض المعدة الحساسة باتت الأبرز في عصرنا هذا، لذلك قدم أحد …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *