الرئيسية / مجتمع واقتصاد / مجتمع / مواد مجتمعية مختارة / هل نجحت مراكز الصحة النفسية في غازي عنتاب بإعادة الأمل للنساء السوريات؟

هل نجحت مراكز الصحة النفسية في غازي عنتاب بإعادة الأمل للنساء السوريات؟

منار الجميلي
تعيش العديد من النساء السوريات في مدينة غازي عنتاب جنوب تركيا حياة غير متزنة نفسياً بسبب ظروف الحياة الصعبة واللجوء وغيرها الكثير من الأحداث. وفي وسط هذه الظروف القاسية تفتح المراكز النفسية أبوابها، لتقدم بيئة آمنة تحتضن تجارب النساء وتساعدهن على مواجهة ظروفهن واستعادة توازنهن النفسي والعودة إلى حياتهن الطبيعية.

من بين هذه المراكز هو “مركز عافيتي” أحد مشاريع مؤسسة ADA Group المرخصة في غازي عنتاب، حيث يقدم المركز الإرشاد النفسي والتربوي والأسري وتدريبات في هذه المجالات.
يقول مدير المركز الأستاذ صلاح الدين لكه، إن من أبرز أهداف المركز توفير خدمات إرشادية فردية وجماعية عالية الجودة، وملائمة ثقافياً لاحتياجات المجتمع، مشيراً إلى أهمية تقديم الدعم النفسي الاجتماعي والإرشاد النفسي لكافة الفئات، بما في ذلك السيدات اللاتي يعانين من مشاكل نفسية واجتماعية.
وأضاف لكه في حديث لموقع “صدى الشام”: “منذ إعادة إطلاق المركز في مقره الجديد بشهر شباط وحتى نهاية شهر تشرين الثاني من هذا العام، تم تقديم الدعم النفسي لـ83 سيدة من خلال 415 جلسة”.
وحول تقييم الأثر يقول لكه، إن التقييم يتم من خلال متابعة تقدم الحالات من قبل المختصين خلال الجلسات باستخدام استبيانات وتوثيق أي تحسن أو تغير في ملفات الحالات، بالإضافة إلى تشجيع المستفيدات على تقديم تقييم ذاتي لتجربتهن وأثرها على حياتهن.
وتطرق في حديثه إلى التحديات التي من أبرزها صعوبة وصول المستفيدين إلى الخدمات، لا سيما بالنسبة للسيدات بسبب العوامل الاقتصادية، مثل عدم القدرة على تحمل تكاليف الاستشارات أو البعد المكاني، فضلاً عن تحديات اجتماعية وثقافية منها الوصمة ضد الصحة النفسية وصعوبة التحدث عن مشاعرهن بسبب القيود الاجتماعية والثقافية في بعض الأحيان.

الصحة النفسية أهم من نظرة المجتمع!
بدأت سارة (اسم مستعار) رحلتها مع الإرشاد النفسي منذ ستة أشهر في المركز، لافتة إلى أنها تلقت العلاج في مراكز أخرى من قبل، ولكنها لم تتمكن من الوصول إلى نتائج مرضية، حتى وجدت مركز عافيتي وبدأت تلقي الخدمات.
تعاني سارة من الاكتئاب وبعض المشاكل النفسية الأخرى، لكنها تشير إلى تحسن ملحوظ في حالتها بعد قدومها إلى المركز.
وتقول سارة لـ “صدى الشام: “بالرغم من أنني توقفت عن تناول الأدوية واكتفيت فقط بجلسات الإرشاد النفسية إلا أنني لاحظت انخفاضاً كبيراً في مستوى القلق والأفكار السوداوية. كما أن الأعراض الجسدية المرتبطة بالحالة النفسية، مثل مشاكل القولون، قد تحسنت بشكل ملحوظ أيضاً”.
وتضيف: “أصبح المركز بالنسبة لي بمثابة بيئة آمنة، حيث يمكنني التحدث بحرية والتعبير عن مشاعري بما فيها غضبي. وتعلمت كيفية التفكير بطريقة منطقية من غير جلد ذاتي”.
وتكمل: “أنصح كل امرأة تعاني من مشكلة نفسية أن تبدأ رحلة العلاج، لا داعي للخوف أو القلق. من المهم أن تهتمي بصحتك النفسية لأنها مرتبطة بسعادتك وصحتك الجسدية”.

أما مروة (اسم مستعار) فقد بدأت رحلتها مع تلقي الإرشاد النفسي منذ ثلاثة أشهر، حيث أنها تعاني من وسواس قهري.
وتقول لـ”صدى الشام”لقد كنت مدركة للمشكلة لكنني لم أكن أعرف الحل حتى وصلت إلى المركز بناءً على توصية من أحدهم. بدأت العلاج باستخدام العلاج السلوكي المعرفي إضافة إلى العلاج الدوائي وكنت في البداية اعتقد أن العلاج سيكون صعباً، لكن بعد البدء في العلاج مع المركز بدأت أشعر بأمل كبير في التعافي التام.
وبخصوص رسالتها لكل امرأة تعاني من مشكلة نفسية، خاصة تلك المترددة في العلاج بسبب خوفها من نظرة المجتمع، تقول: “صحتك النفسية وسعادتك أهم من نظرة المجتمع. إذا كنت خائفة منهم، يمكنك البدء في العلاج بصمت. المهم أن تبدأي، ولا تهتمي للأحكام”.

سامز للصحة النفسية
منذ عام 2019 يقدم مركز سامز في مدينة غازي عنتاب خدماته للسوريين، ويضم فريقاً من المعالجين والاخصائيين والأطباء النفسيين من ذوي الكفاءة العالية .
وأكد مسؤول القسم النفسي في مركز سامز طاهر ليلى، أن هدف المركز هو تحسين الرفاه النفسي للأفراد ومساعدتهم على التغلب على مشاكلهم النفسية.
وأوضح أن المركز يقدم خدمات فردية بهدف مساعدة الأشخاص للوصول إلى التوازن النفسي إضافة إلى جلسات جماعية نفسية وتوعوية وتثقيفية بشكل أسبوعي.
ولفت ليلى إلى أن خلال العام الماضي  قدم المركز الدعم الفردي لـ871 سيدة ضمن ما يقارب 5000 جلسة وقد وصل 75 بالمئة منهن إلى مرحلة التعافي التام.

العنف الزوجي
تروي مرام (اسم مستعار) تجربتها مع الاكتئاب الذي نشأ عن مشاكل تراكمية، منها المشاكل الزوجية والتعرض للعنف، قائلة إن المشاكل العديدة على مدى سنوات جعلتها تصل إلى مرحلة شديدة من الاكتئاب، وكانت تعتقد أن العودة إلى حالتها الطبيعية واستعادة توازنها النفسي أمر مستحيل.
قررت تغيير مسار حياتها بالكامل، فاختارت التوجه إلى مركز سامز للصحة النفسية للبدء في رحلتها العلاجية،  وبعد عام من المتابعة تمكنت من استعادة توازنها النفسي بشكل تام كما أنها أكدت على أهمية العلاج المجاني في المركز.
وفي نصيحتها للنساء اللواتي يعانين من مشاكل نفسية، أكدت مرام على أهمية العناية بالصحة النفسية، “العبء النفسي يؤثر على صحتك الجسدية وسعادتك وعائلتك، لذلك يجب أن تكون صحتك النفسية من أولوياتك”.

وفيما يتعلق بالجانب الطبي للصحة النفسية للنساء كان لنا لقاء مع الطبيب النفسي عمار بيطار الذي يعمل في كلا المركزين.

يرى الدكتور بيطار أن ظروف الحياة الاقتصادية والاجتماعية الصعبة  ونقص الدعم الاجتماعي وغياب العلاقات الاجتماعية تعتبر من الأسباب الرئيسية لمعاناة النساء النفسية، حيث لا تجد الكثيرات منهن من يستمع إليهن في ظل اللجوء والغربة بعيداً عن أهاليهن وأحبائهن مما يخلق مشاعر الوحدة والعزلة.
وأضاف بيطار في حديث لـ”صدى الشام” أن الوضع العام للنزوح والحياة المعيشية الصعبة والأوضاع القانونية غير المستقرة للاجئين، أدى إلى ازدياد في نسبة الأمراض النفسية، مؤكداً أن الاكتئاب والقلق من أكثر الاضطرابات النفسية شيوعاً لدى النساء.
ولفت بيطار  أن للعلاج طرق كثيرة تعتمد على الحالة بعد تقييمها من فريق متخصص، حيث يختلف العلاج بين الحالات الخفيفة والمتوسطة والشديدة، فالحالات التي فيها تهديد بالانتحار تحتاج إلى علاج تخصصي ضمن مستشفى.
أما في الحالات الأخرى فيتم تقديم العلاج باستخدام العلاج الدوائي أو العلاج النفسي غير الدوائي عبر جلسات نفسية، وأشار أنهم يعملون في حالات الاكتئاب على عدة جوانب منها ما يسمى العلاج المعرفي السلوكي،، وهو أسلوب فعال يساعد الأشخاص على فهم المشاكل والظروف المحيطة وتأثيرها.
وفيما يخص النساء الحوامل والمرضعات يقول بيطار: “قد ترفض النساء العلاج الدوائي خوفًا من تأثير الأدوية على حملهن أو رضاعة أطفالهن، ففي هذه الحالات نحاول أن يكون العلاج عبر جلسات إرشادية نفسية فقط أو استخدام محدود للعلاج الدوائي”.
ونبه بيطار إلى قصص النجاح التي مر بها عدد من المستفيدات اللواتي كانوا يعانين من أمراض نفسية حادة كاضطرابات القلق والاكتئاب والاضطراب الوجداني ثنائي القطب، حيث تمكنوا من التعافي بفضل التزامهن بالعلاج الدوائي وجلسات الإرشاد النفسية المنتظمة.
وختم قائلاً: “نحن هنا للمساعدة دائمًا. ليس كل من يزور مراكز الإرشاد النفسي مريض فقد يكون بحاجة فقط لاستشارة أو للاطمئنان على صحته النفسية. لا تترددوا في زيارة المركز عند الشعور بأي ضغط نفسي فنحن جاهزون لتقديم المساعدة”.

 تمثل المراكز الصحية النفسية عاملاً أساسياً في دعم النساء ومساعدتهن على التغلب على صعوبات الحياة واستعادة توازنهن النفسي في ظل اللجوء والأوضاع الراهنة، حيث أن الصحة النفسية من القضايا الأساسية التي تتطلب دعماً مستمراً والاهتمام بها يعتبر استثماراً في رفاهية المجتمع.

تم إنتاج هذه المادة الصحفية بدعم من “JHR” صحفيون من أجل حقوق الإنسان

شاهد أيضاً

حرب الملصقات بين انصار اللباس الشرعي واللباس الحر

على صفحات الفيسبوك، وعلى جدران الشوارع، تدور في هذه الايام معارك ملصقات بين انصار اللباس …

كفى صمتاً: في اليوم العالمي لمناهضة العنف، نساء سوريات يروين قصصهن

مريم سريول – صدى الشام العنف ضد النساء: أزمة عالمية مستمرة على مدار عقود، كان …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *