مريم سريول – صدى الشام
العنف ضد النساء: أزمة عالمية مستمرة
على مدار عقود، كان العنف ضد النساء أحد أكثر انتهاكات حقوق الإنسان شيوعاً واستمراراً، تُشير الإحصاءات العالمية إلى أن واحدة من كل ثلاث نساء تتعرض لشكل من أشكال العنف الجسدي أو الجنسي خلال حياتها. في كل 11 دقيقة، تُقتل امرأة أو فتاة على يد شريك أو أحد أفراد الأسرة، وفقاً للأمم المتحدة.
ومع ظهور الأزمات الإنسانية، بما في ذلك النزاعات المسلحة والهجرة القسرية، تتفاقم معاناة النساء، لا سيما اللاجئات، حيث يجبرن على مواجهة أشكال متزايدة من العنف الجسدي والنفسي والاقتصادي. اللاجئات السوريات في تركيا، واللواتي يُشكلن جزءاً مما يقارب 3 مليون لاجئ سوري في البلاد حسب أخر إحصائية لوزارة الداخلية التركية، يعشن في ظل تحديات مضاعفة تفرضها الغربة والأعراف المجتمعية التي تضغط على النساء لالتزام الصمت.
العنف ضد اللاجئات: تحديات مضاعفة
بين جدران المنازل وفي شوارع الغربة، تحمل اللاجئات السوريات في تركيا أثقال العنف بأشكاله المتعددة. العنف الذي يبدأ من العلاقات الزوجية ويمتد ليصل إلى أشكال من الابتزاز والتهميش الاجتماعي، يضع هؤلاء النساء في مواجهة مباشرة مع نظام قانوني ومجتمع جديد قد لا يفهم تفاصيل معاناتهن.
في هذا التقرير، نفتح نافذة على قصص حقيقية لمعنفات، نروي شهاداتهن ونتناول جذور المشكلة وآفاق الحلول.
وفقاً لاستبيان سابق أجرته صحيفة “صدى الشام” عام 2023 ، فإن 71% من عينة من النساء اللاجئات في تركيا تعرضن للعنف الأسري، بينما يعتقد 69% من المشاركين أن العنف ازداد بعد اللجوء نتيجة غياب السند العائلي. يُظهر الاستبيان أن 62% من النساء لا يلجأن للشكوى بسبب الحواجز الاجتماعية والخوف من العار، بينما يعتقد 58% أن القانون التركي لا يحمي اللاجئات بالشكل الكافي.
ريم والصمت المفروض
ريم، امرأة سورية في الثانية والثلاثين من عمرها، لجأت إلى مدينة عينتاب مع زوجها وثلاثة أطفال، ورغم مظهرهم العادي أمام الجيران، كانت حياتها داخل المنزل مليئة بالعنف النفسي والجسدي.
وتقول ريم لصحيفة “صدى الشام”: “كان زوجي يتحكم بكل شيء. لا يسمح لي بالخروج إلا برفقته، ولا يعطيني المال حتى لشراء حاجيات الأطفال”.
وتضيف ريم أنها حاولت التحدث مع والدتها عبر الهاتف، لكنها تلقت نصيحة بالصبر والاحتساب، حيث قالوا لها إن الطلاق سيجلب العار، وأن الأطفال بحاجة إلى والدهم.
ورغم الألم، قررت ريم الصمت، ولم تجد الدعم الكافي، لا من عائلتها ولا من المجتمع قائلة إنها تشعر أنها محاصرة، ولا ترى أي طريق للخروج، وكل ما تريده هو أن ينتهي هذا الألم.
العنف من الداخل: قصص معاناة تتكرر
في شهادة أخرى تحكي هبة، وهي لاجئة سورية، عن معاناتها مع العنف الذي تعرضت له من قبل زوجها قائلة: “عندما بدأت مشكلتي مع زوجي، كنت أتحمل الضرب والإهانة بصمت، ظناً مني أنني لا أملك خياراً آخر”.
بعد محاولات للانفصال، وجدت هبة نفسها مضطرة للعودة إلى زوجها بسبب ضغوط مادية واجتماعية، بعد أن وعدها بالتغيير، لكنه استغلها أكثر حسب قولها، حيث استخدم صورة هويتها لتحويل رقم هاتفي إلى اسمه، وبدأ يرسل رسائل تهديد لأصدقائها وعائلتها.
رغم الخوف، قررت هبة التصدي له قانونياً، وقدمت شكوى رسمية إلى الشرطة، وتمكنت من وقف الخط ومنعه من الوصول إلى حساباتي. ورغم أن العملية استغرقت وقتاً طويلاً، شعرت بأنني بدأت أستعيد حياتي.”
هبة اختتمت شهادتها برسالة مؤثرة للنساء المعنفات: “لا تخفن أبداً. تحدثن بصراحة، قدمن شكاوى، فتركيا بلد قانون ولن يضيع حقكن.”
رأي الخبراء
رغم أن القانون التركي يحمي النساء من العنف الأسري، إلا أن الحواجز الثقافية واللغوية تمنع العديد من النساء اللاجئات من الاستفادة من هذه الحماية.
وقال مدير قسم الأجانب في شركة “إتشار” التي تقدم الدعم القانوني للأجانب وخاصة السوريين الدكتور حسام الدين آغا أوغلو:
“يمكن للنساء اللاجئات الاستفادة من آليات الحماية المختلفة على المستويين الوطني والدولي إذا تعرضن للعنف. وفي تركيا، يتم تنفيذ تدابير حماية المرأة في إطار القانون رقم 6284 بشأن حماية الأسرة ومنع العنف ضد المرأة”.
وأضاق: آغا أوغلو: ” يمكن للنساء اللاجئات طلب المأوى والدعم النفسي والاجتماعي والمساعدة القانونية من خلال التقدم بطلب إلى قوات إنفاذ القانون (الشرطة والدرك) ومراكز منع ورصد العنف (ŞÖNİM) التابعة للمديريات الإقليمية للخدمات الأسرية والاجتماعية.”
وعند سؤاله عن النساء اللواتي يحملن بطاقة الحماية المؤقتة أجاب: “يمكن لأولئك الذين يتمتعون بوضع الحماية المؤقتة التقدم بطلب للحصول على الحماية الدولية من خلال مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين (UNHCR) ومديرية إدارة الهجرة. وتقدم ملاجئ النساء، وخط الدعم الاجتماعي 183 لحالات الطوارئ، ومركز اتصالات الطوارئ 112، ومراكز حقوق المرأة التابعة لنقابات المحامين، الدعم المجاني للنساء اللاجئات. وتهدف هذه الآليات إلى ضمان سلامة النساء وإنهاء العنف الذي يتعرضن له”.
دور التوعية: الكتابة كأداة للتحرر
تؤمن شبكة المرأة السورية بأن الكتابة وسيلة فعالة لتمكين النساء من مواجهة العنف، حيث تقول عضو لجنة المتابعة في شبكة المرأة السورية (لجنة الإعلام والنوادي) براء صليبي: “إذا كان هدفنا فعلاً هو زيادة الوعي وإبراز اثر العنف على الناجيات فلا بد أن يكنَّ شركاء في كتابة قصصهنَّ “.
وتتابع حديثها بالقول “السيدات على اختلاف بيئاتهنّ الاجتماعية والثقافية فإن اجتماعهنّ مع بعضهن وتعلمهنّ من تجاربهنّ أهم بكثير من تعلم المصطلحات التي قد تكون مترجمة من بعض المراجع وأحياناً غير مفهومة”.
وهذا ما سعت إليه الشبكة هذا العام وجعلته موضوعها الأساسي في حملة 16 يوم لمناهضة العنف ضد النساء.
أصوات النساء قادرة على إحداث التغيير
إن تغيير حياة النساء هو إنقاذ للأجيال القادمة، حيث أن نشر هذه القصص يمكن أن يرفع مستوى الوعي المجتمعي ويشجع النساء الأخريات على كسر حاجز الصمت. التأثير الإيجابي لا يتوقف عند الناجيات فقط، بل يمتد ليشمل الأطفال الذين يكبرون في بيئة أكثر أماناً واستقراراً.
تختتم هبة غازي قصتها برسالة للنساء المعنفات: “لا تصمتن. التحدث هو البداية. قد يكون الطريق طويلاً، لكنه يستحق العناء”.
في اليوم العالمي لمناهضة العنف ضد المرأة، نتذكر أن لكل امرأة صوتاً يجب أن يُسمع، وأن لكل قصة قوة قادرة على تغيير الواقع. بتكاتف النساء والمجتمع، يمكننا بناء مستقبل أكثر أماناً وكرامة للجميع.
“تم إنتاج هذه المادة الصحفية بدعم من “JHR” صحفيون من أجل حقوق الإنسان”