مريم سريول
على الرغم من الحديث المتكرر عن “العودة الطوعية الآمنة”، لا تزال آلاف اللاجئات السوريات في تركيا يعشن بين حنين لا يهدأ إلى الوطن وخوف لا ينام من المجهول في الجانب الآخر من الحدود. بين تضاؤل الدعم الإنساني وتراجع فرص العمل، تتقاطع قصص النساء السوريات في حكاية واحدة عنوانها: العودة مؤجلة.
أسماء: “العودة مغامرة لا أقدر عليها”
في شقة صغيرة بمدينة غازي عنتاب، تجلس أسماء الخطيب (اسم مستعار)، وهي أرملة سورية تبلغ من العمر 38 عاماً، تحدّق في صور بيتها القديم في درعا. تقول بصوتٍ متعب:”من وقت الحرب وأنا بحلم أرجع، بس كل مرة بسمع خبر عن خطف أو قصف بخاف أكتر… ما بدي أرجع وأخسر ولادي بعد كل شي مرقنا فيه”.
تعيش أسماء اليوم على الدعم المالي الشهري الذي تقدمه منظمة الهلال الأحمر التركي ضمن برنامج الاتحاد الأوروبي، وهو مبلغ بالكاد يغطي نصف إيجار منزلها. وتضيف لموقع صدى الشام:”إذا رجعت، وين بدي أسكن؟ بيتي مدمر، وما في كهربا ولا مي ولا مدرسة لأولادي. رجعنا نبدأ من الصفر؟”
تصف أسماء حياتها في تركيا بأنها “غربة صعبة”، لكنها تراها أكثر أماناً من المجهول الذي ينتظرها في بلد أنهكته الحرب.
سمر: ضغط الأهل والضيق المال
في معمل خياطة صغير، تعمل سمر الحسين (اسم مستعار، 29 عاماً) لساعات طويلة لتؤمّن إيجار الغرفة التي تقيم فيها مع طفلتيها. تقول لموقع صدى الشام:”أهلي في إدلب بيقولولي ارجعي، الوضع تحسن. بس لما بشوف صور الحارة القديمة، ما بلاقي غير الركام”.
وتتابع:”العيشة هون غالية، والشغل قليل. بس حتى لو فكّرت أرجع، كيف بدي أطلع الأولاد من تركيا بدون موافقة أبوهم؟ وهو مفقود من خمس سنين”.
قصة سمر تعكس إحدى أبرز العقبات الإدارية التي تواجه اللاجئات؛ فالكثيرات لا يملكن وثائق رسمية، ولا يُسمح لهن بنقل الأطفال عبر الحدود دون توقيع الأب. وبين تعقيدات الأوراق والخوف من المناطق غير الآمنة، تبقى العودة بالنسبة لها “حلماً مستحيلاً الآن”.
الوطن هناك.. لكن العمل هنا
تعمل رهف المصري (اسم مستعار) في متجر ملابس منذ ثلاث سنوات، ووضعها المالي مستقر نسبياً، لكنها لا تفكر بالعودة حالياً. تقول لموقع صدى الشام:”أنا بشتغل وبصرف على حالي. بسوريا ما عندي بيت، ولا ضمانات شغل. كيف بدي أرجع؟”
وتضيف:”حتى الكهرباء والمي مو مضمونة. شو بدي أعمل؟”، ورغم حنينها إلى بيت العائلة في حلب، ترى أن البقاء في تركيا – رغم الصعوبات – “أكثر واقعية من انتظار معجزة الاستقرار في سوريا”.
واقع معقّد وآمال معلّقة
تتفاوت أحوال اللاجئات السوريات في تركيا بين من استطاعت بناء استقرار نسبي ومن ما زالت تبحث عن لقمة العيش.
ويقول الصحفي المهتم بشؤون اللاجئين عبدالله سليمان أوغلو لموقع “صدى الشام”: “أبرز العوامل التي تدفع للعودة الطوعية هي الوضع المادي في تركيا، قلة الدعم المقدم من المنظمات، ارتفاع الإيجارات والأسعار، وقلة فرص العمل في الفترة الأخيرة، خصوصاً بعد عودة نسبة من السوريين وإغلاق أعمالهم التجارية”.
ويضيف: “هناك الكثير من العوائق التي تمنع اللاجئات من العودة؛ منها ما هو إداري وقانوني كغياب الوثائق التركية أو غياب الزوج (وفاة، سفر، اختفاء)، فلا يمكن إخراج الأطفال دون موافقته، ومنها ما هو أمني”.
وأكمل: “لا تزال بعض المناطق غير آمنة وتحدث فيها حوادث خطف وقتل وسرقة، إضافة إلى الأسباب الاجتماعية كدمار الأحياء وتشتت العائلات وغياب الحاضنة الأسرية، فضلاً عن الأسباب الاقتصادية كقلة فرص العمل وارتفاع الأسعار في سوريا قياساً بالأجور”.
تتحدث الأرقام عن “عشرات الآلاف من العائدين”، لكنّ الأصوات القادمة من اللاجئات السوريات تروي حكاية مختلفة. بالنسبة لهن، تبقى العودة الطوعية – في غياب الضمانات الأمنية والخدمات الأساسية – خياراً محفوفاً بالمخاطر.
وبين حلم الرجوع وواقع الغربة، تبقى الحدود شاهدة على انتظارٍ طويل… قد لا ينتهي قريباً.
“تم إنتاج هذه المادة الصحفية بدعم من “JHR” صحفيون من أجل حقوق الإنسان”