سارة فلفلة
منذ سقوط النظام وبدء مرحلة جديدة في سوريا، سجّلت الهيئة العامة للمنافذ البرية والبحرية عودة نحو 825 ألف مواطن من مختلف الدول المجاورة، من بينهم ما يقارب 540 ألف شخص من تركيا وحدها.
تُعدّ هذه الأرقام – وفق ما أكده مازن علوش، مدير العلاقات في الهيئة – مؤشراً على تصاعد الثقة التدريجية باستقرار الأوضاع داخل البلاد، وعلى تحسّن البنية التنظيمية والخدمية للمعابر الرسمية.
كما تشير بيانات وزارة الداخلية التركية إلى أن تسجيلات عبور العائدين من الجانب التركي إلى السوري تتطابق تقريباً مع هذه الأرقام، ما يعكس مدى الالتزام بالمسار الرسمي للعودة.
غير أن هذه العودة، رغم طابعها الإيجابي من حيث الأرقام، تثير تساؤلات حول مدى قدرتها على عكس واقع المعيشة داخل سوريا، ومدى استعداد الداخل لاستقبال هذا العدد المتزايد من العائدين في ظل محدودية الموارد والخدمات.
الخدمات والتسهيلات الجديدة في المعابر
بحسب ما أوضحه علوش، تعمل الهيئة على تأمين بيئة استقبال منظمة وآمنة عبر جميع المنافذ الحدودية مع تركيا، من خلال حزمة من الإجراءات الجديدة التي تهدف إلى تخفيف الأعباء عن العائدين.
تشمل هذه التسهيلات:
تسريع الإجراءات الإدارية والجمركية عبر تخصيص مسارات مبسطة للعائدين، وتقديم إعفاءات على الأمتعة الشخصية والأثاث المنزلي المصاحب لهم.
توفير كوادر إرشاد واستعلام داخل المعابر لمساعدة العائدين على إنجاز معاملاتهم بسرعة.
تقديم خدمات إنسانية مباشرة تشمل نقاطاً طبية وإسعافية ومراكز استراحة مؤقتة مجهزة بالمياه والمواد الأساسية.
تأمين وسائل النقل الداخلي ضمن المنافذ عبر حافلات مجهزة لنقل الأفراد والأسر إلى نقاط التجمع القريبة.
تخصيص فرق ميدانية مدرّبة لتقديم الدعم والمرافقة لذوي الاحتياجات الخاصة وكبار السن.
وتُبرز هذه الإجراءات – من منظور الهيئة – ملامح “الوجه الإنساني والإداري الجديد للدولة” في مرحلة ما بعد الحرب، بما يعكس سعياً رسمياً لتحسين تجربة العائدين وضمان عودة كريمة عبر المنافذ الرسمية.
الصعوبات والتحديات التي تواجه العائدين
رغم الجهود الرسمية، لا تزال رحلة العودة محفوفة بالتحديات.
فمن الناحية الإدارية، تشير الهيئة إلى أن المعابر تعمل بسلاسة دون معوقات تُذكر، إلا أن الصعوبات الأبرز تبدأ بعد تجاوز الحدود، حيث يصطدم كثير من العائدين بواقع اقتصادي وخدمي صعب من نقص المساكن المناسبة، إلى ضعف الخدمات الأساسية وندرة فرص العمل، خصوصاً في المناطق التي تضررت بنيتها التحتية بشدة.
وتؤكد الهيئة أن هذه القضايا تقع خارج نطاق مسؤولياتها المباشرة، لكنها تتابعها بالتنسيق مع الجهات الحكومية المختصة لضمان إيجاد حلول تدريجية تمكّن العائدين من الاندماج مجدداً في مجتمعاتهم المحلية.
شهادات العائدين
قال “حسان. ج” الذي عاد عبر معبر باب الهوى، إن تجربة الانتظار كانت طويلة جداً رغم وجود صالة انتظار، موضحاً أن الازدحام كبير والكوادر قليلة مقارنة بعدد العائدين.
وأضاف أن النقل من الطرف التركي إلى السوري يتم عبر باص واحد أو سيارة فقط، مما يجعل الانتقال يستغرق وقتاً أطول، مشيراً إلى أن الإجراءات في الجانب السوري كانت أسرع بكثير.
وأوضح أن من يحملون أمتعة كبيرة يضطرون للانتظار ساعات حتى يتم نقلها دون رسوم إضافية، لافتاً إلى أن النقل من المعبر إلى كراج سرمدا مجاني ويوصل إلى مختلف المناطق.
وقال “أحمد. م” الذي عبر من معبر باب السلامة، إنه لم يواجه ازدحاماً يُذكر، مشيراً إلى أن فترة الانتظار لم تتجاوز ثلاثة أرباع الساعة، بسبب انتظار الحافلة حتى تكتمل.
وأضاف أن إجراءات العبور كانت سهلة وسريعة، وتم نقلهم من الجانب التركي إلى السوري بواسطة باص مجاني، مع تعاون واضح بين فرق المعبر، ما خفف من شعوره بالقلق أثناء الرحلة.
وقالت “بتول. ف” العائدة عبر معبر جرابلس، إنها فوجئت بسهولة الإجراءات في الجانبين التركي والسوري، موضحة أن الانتقال من الجانب التركي إلى السوري يتم سيراً على الأقدام عبر ممر قصير، ومن هناك يُؤمَّن نقل مجاني بالحافلات إلى كراج جرابلس.
وأضافت أن السلطات التركية منحتها ورقة خاصة تتيح لها العودة لاحقاً إلى تركيا دون تعقيدات، بحكم زواجها من مواطن تركي، مشيرة إلى أنها دفعت مبلغ 1000 ليرة تركية لابنها الذي لا يملك إخراج قيد سوري بعد.
وقالت “ريم. هـ” التي عادت عبر معبر باب الهوى، إن تجربتها كانت مزيجاً بين التنظيم الجيد والانتظار الطويل، لكنها لاحظت تعاطفاً وتعاوناً من فرق المعبر التي ساعدت العائلات والأطفال.
وأضافت أن توفر فرق الإرشاد والنقل المجاني خفف من التوتر لدى الأسر، رغم حاجة المعبر لتحسين سرعة النقل بين الجانبين.
أما “رزان. ع” التي عادت جواً عبر مطار حلب، فقالت إن أصعب مرحلة كانت الانتقال من غازي عنتاب إلى إسطنبول ثم انتظار الترانزيت قبل العودة إلى سوريا.
وأضافت أن العائدين من الشمال اضطروا إلى النزول أولاً في دمشق أو حلب قبل متابعة طريقهم إلى مناطقهم، ما شكل تحدياً للأطفال وكبار السن.
وأوضحت أن العودة إلى تركيا ممكنة فقط عبر المطار، ما يزيد من صعوبة التنقل للذين يحتاجون السفر المتكرر، لكنها أشادت بتنظيم الإجراءات في المطار لتسهيل العبور.
آفاق تحسين الخدمات وضمان العودة الكريمة
تُظهر المعطيات أن التعاون بين الجهات الرسمية والمنظمات الدولية قد يشكّل العامل الحاسم في تحسين واقع العودة وضمان استدامتها.
فبينما تسعى الهيئة العامة للمنافذ إلى تعزيز كفاءة المعابر وإدخال تحسينات على البنية التحتية، تبقى الحاجة قائمة إلى برامج دعم اجتماعي واقتصادي تُساند العائدين بعد دخولهم البلاد، بما يضمن عودة متوازنة بين البعد الإنساني والأمني.
وتشير التوجهات الحالية إلى أن نجاح عمليات العودة لن يُقاس بعدد الداخلين عبر المعابر، بل بقدرتهم على البقاء والعيش بكرامة داخل الوطن.
“تم إنتاج هذه المادة الصحفية بدعم من “JHR” صحفيون من أجل حقوق الإنسان”