دمشق-ريان
محمد
قد
يستغرق علماء الاجتماع والنفس سنوات طويلة ليدرسوا تجربة نحو 600 ألف إنسان،
معظمهم من الأطفال والنساء، يعيشون حصارا خانقا لعامهم الثالث على التوالي في
الغوطة الشرقية بريف دمشق، خبروا خلاله شتى أنواع الأسلحة، التي خطفت حياة ألاف
الأشخاص منهم.
وقال
أبو محمد، من دوما في الغوطة الشرقية، لـ”صدى الشام”: “لا أستطيع
أن أشرح لك كيف نستمر بالحياة في الغوطة، فمعظم العائلات لم ترَ الكهرباء منذ
سنوات، حيث تعتبر مولدات الكهرباء الخاصة المصدر الوحيد للكهرباء، ما يرتب على
العائلة مبلغا ماليا يتراوح بين 300-500 ليرة سورية، بحسب قوة الأمبير، وهو ما
يفوق إمكاناتهم المادية. أضف إليها صعوبة الحصول على المياه الصالحة للشرب؛ فالقصف
دمر البنية التحتية، وانقطاع الكهرباء يحول دون ضخ المياه من الآبار، ما يجبر
الأهالي على شراء المياه أو المشي لمسافات طويلة للحصول على المياه من أحد
الآبار”.
يوميات حصار سورية تحمل الكثير
من الجوع والأزمات النفسية
أضاف
أبو محمد: “أما الطعام فهو هم يومي نحار في تأمينه. فهناك عائلات تعتمد على
المساعدات التي تأتيهم من ذويهم خارج الغوطة، إضافة إلى مدخراتهم، لكن نسبتهم أصبحت
قليلة جدا مؤخرا، في حين تعتمد معظم العائلات على المساعدات ومطابخ الخير، حيث تجد
طوابير من الأطفال والنساء والمسنين تقف لساعات للحصول على وجبة عمادها الرز والبرغل”.
وأوضح
أن “الغالبية الساحقة في الغوطة يكتفون بتناول وجبة واحدة في اليوم إن توفرت،
وهي تكلف العائلة المكونة من خمسة أفراد قرابة الأربعة ألاف ليرة. في حين ترتفع
نسبة البطالة بين أهالي الغوطة بشكل كبير. أما القلة القليلة ممن يعمل، فلا يتجاوز
متوسط دخلهم في الغوطة العشرة آلاف ليرة”.
من
جانبه، قال إبراهيم الغوطاني، ناشط معارض في الغوطة الشرقية، لـ”صدى
الشام”: “ينعكس سوء الوضع الاقتصادي وكثرة الموت على الحياة الاجتماعية لأهالي
الغوطة، فأعداد الأيتام والأرامل ترتفع بشكل يومي. ورغم جهود المؤسسات الخيرية في
رعايتهم، إلا أن الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في الغوطة تجعلهم أمام مستقبل
مجهول، خاصة في حال زواج الأم”. لافتا إلى أن “نسبة زواج القاصرات
ارتفعت خلال الأزمة لأسباب عديدة، منها توقف العملية التعليمية ورغبة العائلات في
تزويج بناتهم للتخفيف من أعبائها المعيشية. في حين يرغب أهالي الشباب برؤية
أحفادهم في ظل كثرة الموت. وفي المقابل تكثر حالات الطلاق لذات الأسباب
تقريبا”.
أما
مازن، شاب في العشرين من عمره من غوطة دمشق، فما زال يتحدث عن حلمه الذي أضاعه
الحصار المستمر منذ أكثر من عامين ونصف، متحدثا لـ”صدى الشام”، عن
تنافسه مع زملائه على مقاعد الدراسة للحصول على علامات عالية في امتحان الشهادة
الثانوية؛ مازن الذي كان يحلم بأن يصبح مهندس كهرباء، يعمل اليوم في محل لتجارة
الوقود. أما زملاؤه فمنهم من يقاتل ومنهم من قتل في المعارك أو القصف ومنهم من
غادر البلاد، وقلة قليلة بقيت تنتظر أن تستعيد حلمها.
الحكومة المؤقتة لم تستطع أن
تحقق أحلام الشباب بالتعليم لصعوبة وضع الغوطة وعدم الاعتراف بشهاداتها، ومشاكل أهلها
التي لا تنتهي، بدءا من الفساد وانتهاء بالانتساب لداعش
وتسبب
الحصار في خسارة عشرات ألاف الطلاب لحياتهم الدراسية. فرغم العديد من المبادرات
التعليمية إلا أنها لا تعلم المناهج المعتمدة من قبل المؤسسات التابعة للنظام، وهي
صاحبة الاعتراف الإقليمي والدولي. ولا يتاح للطلاب التقدم للامتحانات، ما يفقدهم
فرصة متابعة تعليمهم الجامعي، فيبقون في الغوطة أمام خيارات ضيقة تنحصر في حمل
السلاح والقتال أو العمل بتجارة المواد الغذائية والمحروقات. وقد يكون الخيار
الأول هو الأكثر إتاحة، خاصة وأن العاملين في التجارة قلة قليلة من الشباب.
ويرى
الغوطاني أن “هناك جيل كامل من أبناء الغوطة لا أحد يعلم ما سيكون مستقبلهم.
جزء كبير منهم رأى أبشع مناظر الدم والأشلاء وضاعت أحلامهم وأضناهم الجوع، وتربوا
على أن معركتهم هي معركة وجود. لا أحد يعلم ما ستكون ردود أفعالهم إذا فك هذا
الحصار. كيف سيتعاملون مع باقي مكونات المجتمع؟”. معتبرا أن “الغوطة
الشرقية وسوريا بالمجمل، تنام اليوم على قنبلة موقوتة ستكون أكثر دموية، إذ سيكون
قوامها أشخاص ألفوا ذبح الإنسان وحرقة وصلبه وغيرها من فنون القتل والتعذيب. وهذا
الخطر محدق بجانبي الصراع المسلح”.
وأفادت
مصادر مطلعة من داخل الغوطة، لـ”صدى الشام”، أن “جزءا كبيرا من
العملية التعليمية غير منظم من ناحية المناهج وطرق التدريس، حيث تم حذف كل ما
يتعلق بالنظام. إضافة إلى الانقطاعات عن المدارس بسبب القصف والنزح”. لافتة
إلى أنه “تم التواصل مع وزارة التربية في الحكومة المؤقتة لتأمين المناهج
المعتمدة من قبلها، إلا أن الحصار وصعوبة التواصل إضافة إلى عدم الاعتراف
بالشهادات التي تمنحها من قبل معظم الدول، لا يجعلها على مستوى الطموحات”.
ويزيد
أعباء أهالي الغوطة الاعتقالات التي تنفذها الفصائل المسلحة بحق أعداد كبيرة من
أبنائهم بتهم مختلفة، تبدأ بالفساد والتعاون مع النظام إلى الانتماء إلى داعش.
منهم من مضى أكثر من عام على اعتقالهم، دون أن يحولوا إلى المحاكم، ما دفع الأهالي
للخروج بمظاهرات تطالب بإطلاق سراح المعتقلين وتخفيض أسعار المواد الغذائية،
والعمل على كسر الحصار، ومتابعة الثورة ضد النظام حتى إسقاطه. وسرعان ما تطور
الأمر إلى مواجهات بين عناصر “فيلق الرحمن” والمتظاهرين، ما أدى إلى
سقوط قتلى وجرحى من الطرفين.
بدوره،
أكد “جيش الإسلام” احترامه لحق المواطنين بالخروج بمظاهرات تعبر عن
مطالبهم، في حديث للناطق الرسمي باسمه النقيب إسلام علوش، لـ”صدى الشام”.
موضحا أن القضاء الموحد هو الجهة الوحيدة المخولة بملف المعتقلين، ومتحدثا عن
الجهود التي يبذلونها من أجل حماية الأهالي وتأمين المواد الغذائية لهم، قائلا أن من
يقدم خيرة شبابه يوميا لا يصح اتهامه بمثل هذه التهم.