د.رفعت عامر
قدمت وسائل الإعلام المختلفة، الأجنبية والعربية،
بالإضافة إلى وسائل التواصل الاجتماعي، تنظيم الدولة الإسلامية في العراق والشام
(داعش) بصور وتقارير صحفية ومعلومات وعمليات عسكرية وخطف وقتل وانتهاك، ومشاريع تكاد
تملأ خيالنا وتعيد البعض منا إلى قصص وحكايات من أساطير الماضي، والبعض الآخر يربطه
بصور المخلوقات الفضائية التي تهبط من السماء بصحون طائرة على شكل كائنات غريبة
كبيرة الحجم وخارقة القوة.
ما حقيقة داعش: إمكانياتها ومواردها ومشروعها؟
سنتطرق هنا إلى ذكر مواردها الاقتصادية ونترك
نقاط قوتها الأخرى والفرص التي تقدمها بيئة الاستبداد العربية.
الموارد الاقتصادية لتنظيم الدولة:
–إيرادات تصدير النفط ومشتقاته،
التي بلغت قيمتها السنوية حوالي 500 مليون دولار.
–إيرادات الفدية التي تحصل عليها من أهالي المخطوفين، حيث قدر المراقبون
مجموع ما حصلت عليه في النصف الثاني من عام 2014 بـ 20 مليون دولار.
–الإتاوات والرسوم التي تحصل عليها
من التجارة العابرة بين الدول الثلاث، العراق وسوريا وتركيا.، حيث تفرض رسوماً
بنسبة 10% على التجارة والأنشطة الاقتصادية المختلفة وعلى التحويلات والمعاملات المالية.
–إيرادات بيع الآثار والوثائق التاريخية.
–بيع الأسلحة والذخائر التي لا تحتاجها، والتي تركتها وحدات الجيش العراقي والسوري
بعد انسحابهم من مناطق المعارك، والممتلكات المختلفة (الغنائم) المنهوبة من مخازن
الحبوب ومعدات زراعية ومنظومات للري وأطنان من الأسمدة في العراق، بما فيها نهب
المصارف التي وجدت في المناطق التي احتلتها.
–تبرعات الأثرياء والمراكز الإسلامية من كل العالم بما فيها العالم العربي، وعلى
الأخص المراكز التابعة لتنظيم الإخوان المسلمين العالمية.
–دعم سري من دول لم تتوفر أرقام بشأنه ..كما أشار لذلك مسؤولون أمريكيون وغربيون في تصريحات مختلفة.
وقد يكون هناك مصادر أخرى مازلنا لا نملك بيانات
وأرقام حولها، ولكن مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي صرحت مؤخراً في إحدى تقاريرها بأن
إيرادات التنظيم السنوية بلغت 1.5 مليار دولار أمريكي، مما يجعله التنظيم الأكثر
ثراءً بين كل التنظيمات الإرهابية الموجودة حول العالم.
والسؤال الذي يطرح نفسه: هل بهذه الموارد
المتاحة يمكن لداعش أن تحقق مشروعها في بناء دولة الخلافة؟ وهل تُمكنها من استمرار
القتال على المدى البعيد للحفاظ على المساحة الحالية التي بلغت ثلث مساحة العراق
وسوريا وتوسيعها في المستقبل؟ مع افتراض استمرار قدرتها على حشد المناصرين من
المهمشين والعاطلين عن العمل من كل أنحاء العالم، ليس بالحوافز الاقتصادية فقط، بل
أيضاً المنظمين إليها بدوافع الإيديولوجية والفكر السلفي الجهادي الذي تغذيه بالدرجة
الأولى نظم التربية والتعليم والمؤسسات الدينية في العالم العربي.
نعم وإن كنا نؤكد على أن داعش نبتة خُلقت في
بيئة عربية ملائمة، لها علاقة بتخلفنا وتأخرنا الحضاري وهيمنة الاستبداد والفساد
وغياب مشاريع التنمية وحقوق الإنسان وسيطرة الثقافة القروسطية المنبعثة من جوف
التاريخ الاستبدادي الظلامي. ولكنه لم يكن من الممكن أن تصبح داعش بهذا الحجم والقوة
لولا رغبة أنظمة عربية وإقليمية، وأولها النظام السوري والإيراني، وأخرى دولية، وعلى
رأسها الولايات المتحدة، لتحقيق إعادة رسم وصياغة شرق أوسط جديد بحجة الإرهاب
الداعشي ليكون مسرحاً لإعادة توزيع نفوذ الدول الكبرى.
لقد تميزت فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية بهيمنة
وسيطرة ثقافة الكاوبوي (cawboy) الأمريكي على السينما والمسرح
والثقافة الغربية. وقدمت فيها أمريكا نفسها على أنها القوة الاقتصادية والعسكرية الأولى
في العالم ومركزه الثقافي والحضاري، من خلال أبطال سينمائيين يتقمصون دور
السوبرمان للقضاء على الأشرار من دول وثقافات مختلفة، وعلى الأخص الشيوعية منها
سابقاً والإسلامية منها حاضراً.
ولكن
التحول الفارق الذي حدث في سياسات التسويق الإعلامي للثقافة والقوة الأمريكية في
العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، هو تصوير الخصم على أنه السوبرمان، وليس
الأمريكي. حتى يكاد العالم أجمعه يعيش حالة خوف على مصيره ومصير البشرية من سوبرمانات
غبية وهمجية قاتلة، كداعش، تستخدم وسائل وتقنيات الحضارة الحديثة بصراعها مع
العالم المتمدن. حتى يفهم ويدرك الجميع أنهم المستهدفون أولاً وقبل الولايات
المتحدة.
ويبدو أن هذا العرض الـ (show) ما زال مؤثراً ومطلوباً حتى تخلق أمريكا سوبرمان جديد أقوى من هذا
الداعشي. على مبدأ أن الأشياء تُعرف وتُدرك جيد بالمقارنة. ويدخل سوبرمانها
المنتظر ليحطم داعش الوهم والخيال ريثما تفرخ بيئتنا نبتة أخرى ضارة باسم آخر ما دام
البطن العربي لا ينجب إلا ثقافة السلف ويعادي ثقافة المستقبل.
نعم، لقد ترك الأمريكان داعش لتقدم نفسها على
أبشع الصور حتى يدرك العالم عظمة أمريكا وقيمها. وبعدها يأتي الحساب.
صدى الشام موقع يهتم بما وراء الحدث