أحمد العربي
حاول مرشد الثورة الإيرانية علي خامنئي، وكعادته، الظهور
بمظهر القائد القوي لدولة عظمى كما يعتقد، حيث أصدر مكتبه بياناً، تحدث فيه عن
نيته استخدام سلاح العقوبات تجاه أوروبا والعالم إذا ما فرضت تلك الدول عقوبات على
طهران، في حال فشل المفاوضات النووية مع مجموعة الـ 5+1، ملوحاً إلى إمكانية
استخدام ورقة صادراتها من الغاز إلى أوروبا كسلاح محتمل للرد على العقوبات.
ولعل تلك التصريحات لا تعدو كونها خطاباً خشبياً يائساً
اعتاد “محور المقاومة” على تصديره، فلطالما هدد حسن نصر الله بصواريخه
إسرائيل، كما مسح وليد المعلم أوروبا من الخريطة، وهاهو اليوم المرشد يود معاقبة
أوروبا.
تلك التصريحات
الموجهة لرفع معنويات الجمهور الداخلي، وإن بدت في ظاهرها نارية وتحمل معاني
التحدي، إلا أنها تكاد تكون أنيناً يعبر عن حجم الكارثة الملمة بمن يطلقها،
فالمؤشرات الاقتصادية تدل على أن الاقتصاد الإيراني في حالة حرجة جدا،ً ولم يعد
يقوى على احتمال أي عقوبات جديدة، خاصة بعد الخسارة التي مني بها جراء هبوط أسعار
النفط، والتي أثرت ليس فقط على الاقتصاد الإيراني، بل وعلى أكبر حلفائه سياسياً
وعسكرياً وهي روسيا، التي بدأ مفاوضات معها في 2014 حول اتفاق لتبادل السلع
الروسية بالنفط الإيراني تتراوح قيمته بين 15-20 مليار دولار.
فقد وضعت إيران ميزانية العام الحالي 2015 على أساس أن
سعر النفط 100 دولار للبرميل، وربما تفاءلت بعد أن وصلت أسعار النفط ذروتها في يونيو
الماضي 2014 عند 113 دولار للبرميل، مما يعني أن هذا الانخفاض الحاد في أسعار
النفط بات يشكل عبئاً اقتصادياً على ميزانيتها العامة، خاصة أن إنتاج إيران من
النفط تراجع بشكل ملحوظ وانخفضت صادراته من أربعة ملايين برميل يومياً إلى 1.1
مليون برميل فقط.
فكانارتفاع معدل التضخم المالي عن 40%، ناهيك عن انهيار قيمة
العملة الإيرانية، فقد رفعت الحكومة أسعار الخبز، الذي يشكل مصدر العيش الرئيسي
للأغلبية الساحقة للمواطنين الإيرانيين بنسبة تتراوح بين 30 و40%، الأمر الذي
يتحمله بالأساس العمال وأصحاب الدخل المحدود، الذين يشكلون أكثر من 90% من الشعب
الإيراني، وثمة توقعات بأن يحدث ارتفاع آخر متصاعد لأسعار الحاجات الضرورية
للمواطنين، مما يزيد بالتالي من معدلات التضخم المالي مرة أخرى.
يضاف إلى ذلك تفاقم أزمة البنزين، فرغم أن احتياطي إيران
من النفط يصل إلى نحو 10% من إجمالي الاحتياطي العالمي، وفيما تحتاج إيران إلى 66
مليون لتر بنزين يومياً، لم يتسن لها أن تنتج سوى 44 مليون لتر فقط، بينما تضطر
لاستيراد باقي الكمية المطلوبة، جراء قلة المصافي بسبب العقوبات الإضافية التي
فرضتها الولايات المتحدة ومن بعدها الاتحاد الأوروبي على طهران في يونيو ويوليو
2012، والتي اضطرت على إثرها أبرز شركات النفط العالمية، مثل “شل”،
و”توتال”، و”فيتول”، و”غلنكور”، إلى وقف توريد مادة
البنزين إلى إيران.
ومن جهة أخرى التأثير، فانخفاض أسعار البترول وجه ضربة
لقطاع الصناعات الهيدركربونية التي كانت طهران تنوي دعمها وتطويرها خلال الفترة
القادمة.
ثمة عامل آخر يضاعف التداعيات السلبية على الاقتصاد
الإيرانيجراء العقوبات وانخفاض أسعار النفط، وهو إصرار طهران على المضي
قدماً في الإنفاق على مشاريع إستراتيجية طموحة، كتوجيه مخصصات مالية هائلة للتصنيع
العسكري، رغم الضيق الاقتصادي، في محاولة لإثبات قدرتها على الصمود والتحدي. ما
فاقم استياء الجماهير كون هذا الإنفاق العسكري يأتي على حساب الخدمات الاجتماعية
والأنشطة التنموية، حيث يساعد على ازدياد العجز في الميزانيات، واشتداد التضخم
النقدي، وتفاقم صعوبات موازين المدفوعات، وزيادة الديون الخارجية، وتردي مستوى
المعيشة بشكل عام.
إن نظرة متمعنة في واقع الاقتصاد الإيراني كفيلة بإظهار
مدى غباء وسذاجة تهديدات خامنئي، الذي يعتقد أن بلاده هي الوحيدة التي تنتج النفط
والغاز في العالم لتعاقب بهما أعداءها، والأكثر سذاجة هو اعتقاده بأن ما أتى به من
سياسة تقشفية أسماها نظرية الاقتصاد المقاوم، والقائمة على تجويع المواطنين
وحرمانهم من أبسط الخدمات، أي تحويل إيران إلى كوبا جديدة، في سبيل الإنفاق على
التسلح ودعم المليشيات الموالية لإيران في المنطقة، ستوفر له أسباب الصمود وتحدي
محيطه الإقليمي والعالمي .
صدى الشام موقع يهتم بما وراء الحدث