الرئيسية / رأي / علمانجية وإسلامجية

علمانجية وإسلامجية

عبدالقادر عبد اللي

استوردت لغة الصحافة العربية مقطعجيمن لغة جار العرب الشمالي تركيا، وهو يفيد معنى المهنة من أجل التمييز بين الإسلاميين والإسلامجيين، والقصد من هذا التمييز هو عدم جرح شعور المسلمين، ولإيجاد فصل بينهم وبين المتاجرين بالدين في عالم السياسة بحسب التوصيف. فعندما يكون المسلم صائماً مصلياً ويدعو في الصباح والعشاء وما بينهما للسلطان فهو إسلامي، ورجل صالح، وعندما يحاول دخول معترك الحياة السياسية يصبح إسلامجياً.

اشتَقتْ هذا الاصطلاح أجهزة مخابرات الأنظمة الديكتاتورية التي تعتبر أي تجمع مهما كان صغيراً، وحتى لو كان عرساً أو طهوراً هو خطر على جدارها الصلب الذي تتحطم عليه كل المؤامرات، والمقاوم لزلازل الاستعمار والإمبريالية، ثم دمجت كلمتي الاستعمار والإمبريالية في كلمة واحدة باشتقاق جاء هذه المرة من إيران الجار الشرقي للعرب وهوالاستكبار“.المشكلة أن الإسلامجية محصورة في قسم معين من المسلمين، فليس هناك إسلامجي شيعي على سبيل المثال، وهذا يطلق عليه أسماء أخرى مثل صفوي وغيرها من الصفات القذرة. فأولئك لا يتاجرون بالدين، وعملهم سياسي مقبول من الاستكبار.

* * *

بحسب الدستور التركي فإن تركيا دولة علمانية. وبمقتضى أي تعريف بسيط للعلمانية فإن الشؤون الدينية يجب أن تكون من اختصاص الأفراد والجماعات، وواجب الدولة حماية هذه الجماعات طالما أنها لا تتدخل بشؤون الجماعات الدينية الأخرى. ولكن هل هذا الأمر يُطبّق في تركيا؟

بموجب ما ذكرناه أعلاه، فإن تركيا لم تكن في أي يوم من الأيام علمانية بالمعنى الكامل للكلمة حتى في عهد مؤسسها مصطفى كمال أتاتورك. لأنه هناك في تركيا مؤسسة رئاسة الشؤون الدينية، وتتبع هذه المؤسسة رئاسة الحكومة، وموظفوها من مفتيين وأئمة وخطباء مساجد جميعاً يتقاضون رواتبهم من الدولة أي من دافعي الضرائب، ولعل كثيرين سيستغربون بأن هذه المؤسسة الدينية تأسست بأمر من مؤسس الجمهورية التركية مصطفى كمال أتاتورك، وقد حلت محلوزارة الشريعة والأوقافالعثمانية، وهي امتداد لها، ومن أجل أن يقال إنها علمانية اشترط عليها ألا تبدي وجهة نظر سياسية لصالح أي تيار سياسي، وفي الحقيقة أنه لم يكن في تلك الأيام سوى حزب سياسي واحد، وقوائم انتخابية، يتقبل التهاني من يرد اسمه في تلك القوائم قبل إجراء الانتخابات.

الطريف بالأمر أن خطباء وأئمة المساجد كانوا يذهبون إلى مساجدهم بالطقم الرسمي وربطة العنق حليقي اللحى كما يفرض قانون اللباس للموظفين، وبعد دخولهم المسجد يضعون على أكتافهم العباءة، والطربوش أو الطربوش الملفوف باللفة على رؤوسهم ويعتلون المنابر، ويلقون خطبهم أو يؤمون بالمصلين، وكأن هذه الأشياء لباس العمل.

بقيت هذه المؤسسة غير متناقضة مع العلمانية بنظر من يسمون أنفسهم علمانيين إلى أن ابتعدوا عن الحكم. حينئذ بدأت توجه الانتقادات لهذه المؤسسة. المشكلة أن أحداً لا يجرؤ على طلب إلغائها لأنها من تأسيس أتاتورك. ولكن الانتقادات الموجهة إليها تذهب في منحى آخر، وهي أن هذه المؤسسة ترعى المساجد، ولا ترىبيوت الجمعالعلوية، ومن المفروض أن تقف على مسافة واحدة من المذاهب الإسلامية كلها، وبعد نشوء تيار شيعي يتبع ولاية الفقيه الإيرانية نتيجة نشر التشيّع بات هناك من يطالب بأن ترعى هذه المؤسسة الحوزات الدينية أيضاً

الفتوى بموجب قانون تأسيس رئاسة الشؤون الدينية في تركيا لا تلزم أحداً، وتحمل طابعاً توجيهياً فقط، وخاصة بالنسبة إلى الدولة، إذ لا يجوز أن تلتزم الدولة بأي فتوى وإن كانت صادرة عن رئاسة الشؤون الدينية، وهذا الأمر أقرب إلى أهل السنة والجماعة، فليس لدى هؤلاء تراتبية تلزم الأدنى بقرار الأعلى، والمريد هو الذي يلزم نفسه بفتوى من اختاره ليكون معلمه (شيخه)، ولكن الفتوى لدى الإمامية الإيرانية هي جزء من العقيدة وملزمة، ولا يجوز الخروج عنها

الأمر المحيّر في تركيا أن أدعياء العلمانية يطالبون بأن تساوي رئاسة الشؤون الدينية بين مذهب الإمام الفقيه وأهل السنة والجماعة، وهنا يخطر هذا السؤال على البال: هل ستصبح الفتوى ملزمة للعلمانيين عفواً لأتباع الولي الفقيه؟

بما أن المقصود بكلمة إسلامجي من يستخدم الإسلام في التجارة السياسية، ويقصد بإسلامجية التيار الذي يستخدم الإسلام في السياسة، فلابد أن يكون استخدام العلمانية في تجارة الدين والمذهب أيضاً علمانجية

شاهد أيضاً

هذه أنا..بلا أقنعة

ميساء شقير/ غالية شاهين – خاص لصدى الشام   لطالما أجبر الخوف السوريين على الاختباء …

المساواة أم العدالة.. أيهما يحقق التوازن الحقيقي بين الجنسين؟

ميسون محمد في عصرنا الحديث، أصبحت المساواة بين الجنسين شعاراً يتردد كثيراً في كل مكان، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *