دمشق – ريان محمد
أعلنت وزارة الداخلية التابعة للنظام السوري مؤخراً أن “عدد الأطفال الذين ولدوا في سوريا عام 2014 الماضي بلغ نحو 400 ألف طفل، بزيادة قدرها نحو 50 ألف طفل عن العام 2013”، الأمر الذي دفع “صدى الشام” لإجراء استطلاع رأي لشباب من الداخل السوري، تعقيباً على الإحصائية
الأخيرة، وصحة إنجاب أطفال في ظل الأوضاع الراهنة.
“أستغرب من المرأة الحامل اليوم، إنها ترتكب جريمة بحق طفلها”، تقول
جمانة، متزوجة منذ سنتين،
مقيمة في دمشق ولم تنجب أطفالاً بعد”، مضيفة “لا أفكر أبداً في إنجاب طفل اليوم في ظل الأحداث التي تشهدها البلاد، أنا وزوجي نجد صعوبة في تأمين أساسيات المعيشة اليومية، فكيف لنا أن نؤمن احتياجات طفلنا، هذا عدا عن أننا لا نعرف أيّ يوم نضطر فيه للنزوح فجأة”.
من جانبها، قالت وداد، أم لثلاثة أطفال نازحة في دمشق، إن “الطفل هو نعمة من الله، ويأتي رحمة لوالديه، وحرام أن نقول أننا نريد أو لا نريد، فالله يعطي عباده، والمال والبنون زينة الحياة الدنيا، صحيح أن المعيشة صعبة والغلاء يزداد كل يوم، لكن الطفل يأتي والله يرسل له رزقه من حيث لا ندري“.
وأمّا رضوان،أحد سكّان ريف دمشق، في الثلاثين من عمره ومتزوج منذ سنة تقريباً، فقال لـ“صدى الشام“، ” في بداية زواجي كنت أقول لزوجتي أنه من الأفضل أن نؤجل موضوع إنجاب الأطفال، لكني اليوم مقتنع بأن ننجب طفلاً بأسرع وقت، وأن نجابه الموت الذي أصبح كالوباء لا يميز بين كبير وصغير، أو بين نازح ومستقر، بالحياة“.
ميس، زوجة رضوان، قاطعت زوجها متحدثة لـ“صدى الشام“، “بقدر ما أخاف من الموت أرغب أن يكون لدينا طفل. كل يوم نودع بعضنا البعض أنا وزوجي، فلا أحد منا يدري إن كان سيعود إلى المنزل أم لا، لذلك ننوي أن نترك طفلاً لمن يتبقى
منّا على قيد الحياة“.
بدوره، قال مهند، باحث اقتصادي مهتم بملف السكان، لـ“صدى الشام“، إن “عدد الولادات في عام 2010، وصل إلى 670 ألف ولادة، في وقت كان يبلغ عدد سكان سوريا نحو 23 مليوناً،وفق المكتب المركزي للإحصاء، أي بفارق نحو 270 ألف ولادة عن المسجلين في العام 2014”، موضحاً أنّ “الأرقام التي أعلنت عنها الداخلية تشمل فقط المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، والتي تقدر بعض المصادر مساحتها بـ35% من مساحة سوريا عامة، ما يعني أن هناك جزء كبير من سوريا والسوريين، لم تشملهم الإحصائية“.
ووفقاً للباحث، فإنّ”الإحصاءات الدقيقة والمسوح الموثوقة تغيب عن سوريا منذ ثلاث سنوات تقريباً من جراء الحرب الدائرة، حيث تفيد الأمم المتحدة بأن نحو 3.5 مليون سوري لجؤوا لدول الجوار، في وقت نزح فيه ملايين السوريين من مناطقهم، وأحرقت العديد من السجلات المدنية، وتوقف تسجيل المواليد في بعض المناطق بشكل كامل، كما أن هناك من لا يسجل أطفاله تخفيفاً من التكلفة المالية، أو لأسباب أمنية فقد يكون أحد والدي الطفل مطلوب من قبل النظام”.
“الواقع الاقتصادي يلعب دوراً في إنجاب الأطفال، لكن حجم هذا الدور يعود إلى المستوى الثقافي والاجتماعي للزوجين، فمن الملاحظ أنه كلما زاد الفقر وتدنى المستوى الثقافي، زاد عدد أفراد الأسرة لأسباب تتعلق بالمحرمات الدينية وعدم امتلاك ثقافة تحديد النسل“، تقول مريم، معلّمة في أحد مدارس دمشق، لـ”صدى الشام”، وتتابع “الصراع الدائر حالياً، يلعب دوراً في زيادة عدد الولادات، كرد فعل على زيادة عدد القتلى، فهناك جزء من المجتمع السوري يعتقد أنه يتعرض لحرب إبادة، وإحدى طرق المواجهة هي إنجاب الأطفال، وجزء آخر يرى أن الصراع يجعله يخسر معظم شبابه، وأن هناك خطر يهدد وجوده فيجب أن ينجب أطفالاً يضمنون استمراريته“.
من جهتها، أرجعت منال، طالبة علم اجتماع، ارتفاع أعداد الولادات في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، إلى عدة أسباب، “أولها ازدياد الكثافة السكنية في تلك المناطق، جراء موجات النزوح الكبيرة إليها، إضافة إلى أن الناس اعتادوا الحرب ومع تدهور الأوضاع المعيشية قلّت تكاليف الزواج وخاصة المتعلقة بحفل العرس والمسكن بشكل كبير، وزادت نسبة زواج القاصرات، واعتُبر جلب الأطفال ضرورة لمواجهة الموت الذي يحصد السوريين“.
وأشارت منال إلى أنّ“ازدياد عدد المواليد في ظل التدهور الذي تعيشه سوريا على مختلف الأصعدة، هو أزمة بحد ذاتها فهذا الجيل يأتي الى بلاد دمرت، ويموت فيها المئات
شهرياً، لذلك تتطلب سوريا اليوم ثورة حقيقة يجتمع على إنجاحها كل السوريين على مختلف مكوناتهم لإنقاذ مستقبل أبنائهم“.
وكانت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين “”UNHCR، قد دقّت ناقوس الخطر مع بداية العام الماضي، معلنة أنّه وبحسب إحصائياتها،
يولد طفل سوري كل ساعة، في مخيّمات اللاجئين، ولد معظمهم في لبنان، ونسبة كبيرة منهم
لا تحمل شهادات ميلاد، محذّرة مما قد يؤول إليه مصير جيل جديد من السوريين في ظل الأوضاع
الإنسانية المريرة التي يعيشوها.
صدى الشام موقع يهتم بما وراء الحدث