ثائر
الزعزوع
في سيارة تاكسي، في
مساء قاهري “دافئ” فاجأني السائق بسؤال غريب، وبلهجة مصرية محببة، (هوه
إنتوا ليه عايزين تشيلوا بشار، دا بشار راجل كويس، أبوه كان كلب بس هوا كويس؟).
وقد يختصر هذا
التساؤل الكثير من حالتنا السورية الراهنة، فالحقيقة أن القليلين فقط مكترثون بما
يعانيه السوريون، وخاصة في ظل غياب “لوبي” سوري حقيقي يعمل على نقل
حقيقة ما يحدث في سوريا للعالم، ويبتعد عن التباكي والنواح، وهذا اللوبي السوري،
ينبغي أن يمتلك منظومة إعلامية قادرة على التأثير في المتلقي العربي والعالمي، لا
أن يكون خطابه الإعلامي موجهاً للسوريين، ولا أن يكتفي بتوصيل رسالته للداخل
السوري، كي يجني من خلالها استحساناً من أهالي مدينته، أو ربما قريته في أحسن
الأحوال، وقد علمتنا التجربة النضالية الفلسطينية الطويلة دروساً لا ينبغي
إغفالها، أو غض النظر عنها، فما يحدث في سوريا من تصرفات لقوات الاحتلال الأسدي
الإيراني المالكي، المدعوم من قبل روسيا والصين لا يقل عما حدث ويحدث في فلسطين
المحتلة، من تجريف للأراضي الزراعية، وتهديم للبيوت السكنية، وإحراق لدور العبادة،
وتهجير منظم وليس عشوائياً، الغرض منه هو العبث الديمغرافي الذي سيترك نتائج
كارثية على بنية المجتمع السوري لاحقاً وليس الآن، طبعاً بعيداً عن الحديث
الانتقامي الذي يميز بعض الخطاب الإعلامي السوري، والذي يجعلني أنا شخصياً، وربما
الكثيرون يتبرؤون من تلك الوسائل الإعلامية الحاملة لهذا النوع من الفكر
“الترويعي” الذي يخدم بالدرجة الأولى مصلحة الأسد ويقدم له أدلة على
أننا “شعب قاصر” لا نستطيع تدبر أنفسنا في حال سقوط نظامه، وهو ساقط لا
محالة.
ولعلي أبادر للسؤال
هنا، والسؤال موجه لكافة المسؤولين عن وسائل الإعلام الخارجة على النظام، حول
الآلية المتبعة في الدفاع عن سوريا، وأشدد على مفردة “الدفاع” لأني لا
أريد استخدام مفردة الهجوم على الأسد، فوسائل الهجوم فاشلة بجدارة، وقد أثبتت
فشلها مراراً وتكراراً، والأمثلة كثيرة، وأما الدفاع عن سوريا فهو السؤال الملح
الذي ينبغي علينا البحث في تفاصيله، خاصة في زحام اللبس الكبير الذي لحق بسوريا من
اجتهادات المجتهدين وأحلام الحالمين بتحويل سوريا، مرة إلى دولة إسلامية، ومرة إلى
دويلات، ومرة أخرى إلى لا شيء، وأما سوريا بشكلها الاستثنائي الذي كان يميزها، قبل
خمسين سنة، فلا أحد مهتم بالبحث عنها، ولا بالتفكير بها أصلاً، إذ أن ما يميز
الخطاب الإعلامي هو “إعلاء” كلمة “الله أكبر” وكأننا لم نكن
دولة مسلمة، أو كأننا لم نكن شعباً مسلماً، بل كأن إسقاط النظام هو الغاية المرجوة
من الثورة بأسرها، والحقيقة أن الثورة لم تقم لإسقاط النظام، بل إن إسقاط الثورة
كانت وسيلة لأجل الوصول إلى سوريا حرة كريمة، تسودها العدالة، والديمقراطية، وكان
إسقاط النظام هو الوسيلة لذلك ولم يكن الغاية أو الهدف، ولعل من المؤلم في حال
ثورتنا أن تتحول الوسيلة إلى غاية بحد ذاتها، و أن ننسى الغاية، ولا نتذكرها.
ثم إن من واجبات ذلك “اللوبي”
السوري، دون أن يثير الاسم استهجان البعض كونه يذكرهم باللوبي اليهودي، أن يعمل
وفق منظومة الإعلام الحديث، ويقرأ نمط التفكير لكل مجتمع يتواجد فيه، ويوجه رسالته
“الإعلامية، الإعلانية” وفقاً لطبيعة ذلك المجتمع، دون فبركة أكاذيب رخيصة،
والكف كلياً عن التباكي، فالعالم لا تغريه لغة البكاء، فالمصريون مثلاً يعتقدون أن
بشار الأسد هو شوكة في حلق إسرائيل، ولعل شرح حقيقة أن هذا الكلام زائف ولا أساس
من الصحة له ليست بحاجة إلى الكثير من الدلائل، ثم إن فكرة حامي حمى الأقليات يمكن
دحضها بسهولة، من خلال شواهد عديدة هم من الأقليات الذين دفعوا سنوات من عمرهم
سجناء في معتقلات الابن وأبيه، دون أن تؤثر كراهية مالك القناة لفلان أو فلان على
نقل الصورة الحقيقية عن سوريا، فأمام قضية مثل قضيتنا تصغر القضايا الثانوية.
مرة قال فيلسوف هندي
إن العرب هم أسوأ محامٍ عن أعدل قضية، وكان يقصد وقتها قضية فلسطين، واليوم يمكننا
القول بسهولة إن السوريين، أولئك الذين هم خارج سوريا، هم أسوأ محامٍ عن أعظم
ثورة، ليسوا كلهم طبعاً، لكن غالبيتهم العظمى، وخصوصاً تلك التي استعذبت فكرة
الانتقال بين سفارات الدول بحثاً عن مستقر نهائي، يمكنها من الكتابة باستطراد عبر
صفحة الفيسبوك، دون أن تتسبب كتابتها “الغاضبة” و “الحاقدة”
في إغضاب أحد.
إذا كان حال سوريا لا
يعنينا لهذه الدرجة، وكل ما يهمنا هو “سقوط ابن الكلب” كي نتمكن من
العودة، بصرف النظر عن شكل الدولة المستقبلية، فهذه طامة كبرى ينبغي الانتباه
إليها، وينبغي أيضاً الاستفادة من تجارب سوانا في الصراع لأجل اكتشاف الدولة
الحديثة، وهذه مسؤولية مركبة على “اللوبي” المقترح، والذي لابد أن تقف
أمامه “منظومة إعلامية متكاملة” قادرة على تطوير الإعلام أولاً، ومن ثم
رسم ملامح الدولة بعيداً عن المهاترات، والتبعية الرخيصة.
صدى الشام موقع يهتم بما وراء الحدث