آنسة
خدينا على سوريا.. خدينا .. منشان الله خدينا على سوريا..
هي جملة
ضجّ بها صوت طفل في مدرسة في إحدى المدن السورية بعد حكاية جميلة بألوان قوس قزح عن
سوريا روتها له معلمة الصف..
هذه
الحادثة البسيطة ..كنا نضحك عليها قبل سنين بلا توقف عند سماعها والتأثر بمشهد الطالب
الصغير المُتخيل وهو يشعل المكان بكاءً( خدينا على سوريا)..وكأن سوريا هي اسم لجنة
يتمناها كل قلب صغير..هو لم يدرك أنها نفس المكان الذي يعيش فيه بمقاربته الذهنية الطفولية..لم
يكن يرَ سوريا تلك التي كانت معلمته تشبعها وصفاً جميلاً.. نعم لم يكن…
كبرنا
نحن لنعرف فيما بعد أن هذه الحادثة لم تحدث وإنما هي نكتة تم تداولها..ولشدة واقعيتها
صدقناها بكل ما تحمل من معنىً مريب للوطن الذي طالما شعرنا به مسلوباً حدّ الغربة عنه..
الطفل
المفترض آنذاك في سوريا الأسد وجد الآن أطفالاً وأطفالاً حقيقيين يوازونه غربة ويفوقونه
هجرة وتهجيراً.. ليقارب عددهم المليوني طفل بين سن السادسة والخامسة عشرة يعانون التشرد
خارج مدارسهم بفعل فاشية النظام وبطشه..أي نحو 40 % من أطفال سوريا حسب منظمة الأمم
المتحدة للطفولة (اليونيسيف) خلال فترة الصراع الحالية…إضافة إلى ما عانوه من ظواهر
الاعتقال التعسفي وما تحويه من ممارسات التعذيب والتنكيل واحتجازهم كرهائن عن إخوتهم،
وآبائهم الملاحقين في بدايات الثورة امتداداً إلى الآن..
حالات
الهلع الشديد والاضطراب النفسي من جرّاء القصف العشوائي الممنهج وكافة صور الحرب المرعبة
لطفل.. ذاقها الطفل السوري في عصري الأسد الأب والابن..
بين
التكبير والتكبير .. تُقصف مئذنة مسجد.. يُهدم جدار لكنيسة، وتتعرض أكثر من ثلاثة آلاف
مدرسة للتدمير الكامل، بينما يختنق الصغار الهاربون ليلاً بغاز السارين.. ولا نتعجب
إذا قلق رأس النظام على تشوه البنية الإيمانية لأطفال سوريا في إحدى لقاءاته التلفزيونية
بحجة أن الأعمال الإرهابية تُنفّذ تحت شعار ( الله أكبر).
طفلنا
لم يعرف سوريا، عرفها عنفاً.. قتلاً.. رعباً.. جوعاً وفقداناً.. شهد عمليات ضرب وقسمة
من نوع آخر.. لم يدرك قيمة للوطن ولم يتعرف على الانتماء.. ظلّ طريقه .. أصبح الخلاص
طريقه أياً كان.
رأى
حاملات جند.. ودبابات.. بندقيات ورشاشات.. أسلحة ثقيلة وخفيفة.. سوداء وبيضاء.. خضراء
وحمراء.. لم يعرف دلالات علم الوطن لم يعرف أزمنة رمز لها بألوانه.. لم يعرف العباسيين
والأمويين.. لم يعرف.. ولن يهمه أن يعرف.. لم يعرف اسرائيل.. لم تترسخ بذهنه أنها الدولة
المحتلة .. أنها الجسم الدخيل على جغرافيتنا.. لم يعرفها والأخطر أنه لن يعرفها بعدما
تجسدت ولبست بزّات جيش الوطن وشعاراته.
إسرائيل
رافقتنا متنكرة ضاحكة أمام وجوهنا بدءاً من لباسنا المدرسي إلى الفولار إلى طابورنا
الصباحي إلى دفاترنا وكتبنا إلى تربيتنا القومية ومجابهة الصهاينة وصولاً إلى هويتنا
الممانِعة لنفقدها من شدة انصدامنا بكذبتها عندما أنهت الثورة حفلة التنكر.
طفلنا
رأى تدميراً من طغاةٍ حكموه يمسح ذاكرة مستقبلية لن تتسع لمفهوم عدو آخر يضاهي ما رآه
من حماة دياره.
صدى الشام موقع يهتم بما وراء الحدث