الرئيسية / تحقيقات / طلاب السويداء.. ضميرها الباحث عن الحرية

طلاب السويداء.. ضميرها الباحث عن الحرية


سالم ناصيف

هاهي
مدينة السويداء تستفيق في اليوم الأول من العام الدراسي على مئات المناشير
المتناثرة في باحات مدارسها، ما ينذر ببدء عام دراسي ساخن، يعيد إلى الحراك الثوري
في المحافظة زخمه الذي، ربما سيخلخل الواقع الراكد منذ أشهر بعودة مصدر القلق
الأكبر الذي أرق الأجهزة الأمنية، وما سيهدد مجدداً بانهيار كذبة “المحافظة
الصامتة” والقابعة تحت سطوة القبضة الحديدية
.

لا
يمكن لأي مشهد يتحدث عن الثورة في محافظة السويداء إلا أن يمرّ على مدارسها
وجامعاتها، وبشكل خاص على أروقة ثانوية شكيب أرسلان وطلابها البارعين في طلب
الحرية
.

تعد
ثانوية شكيب أرسلان من أقدم المدارس في المحافظة. تقع تماماً في قلب مدينة
السويداء، على بعد خمسين متراً باتجاه الجنوب الشرقي من قصر المطربة
“أسمهان”، الذي احتلته إحدى فرق الجيش في بدايات عهد البعث وحولته إلى
ثكنة عسكرية. وبعد انقلاب حافظ الأسد أحاطت بالمدرسة ثكنات الجيش والفروع الأمنية
من كل الجهات
.

انخرط
طلاب هذه المدرسة في احتجاجات المدينة السلمية منذ بدايتها، مشاركين باقي
المتظاهرين في المحافظة. كانوا يفتشون عن مظاهرات تحدث هنا أوهناك، سواء في
السويداء أو في شهبا والقرياّ، حتى أن بعضهم كان يمضي إلى العاصمة أو ريفها ليشارك
في تشييع شهيد في برزة أو المعضمية، متذرعين بزيارة أقاربهم، كما فعل الطالب
(نزار) وبعض رفاقه من الصف (الحادي عشر) علمي
.

استدعت
ثانوية شكيب أرسلان دوريات أمنية مكثفة خلال العام الدراسي الماضي تحديداً
.

عند
الرصيف المقابل لبابها اتخذت دورية الأمن مقراً دائماً لها، ويمكن للمشاهد أن يلحظ
المخبرين حولها من كل الجهات رغم محاولاتهم البائسة للتنكر، ويمكنه أيضاً ملاحظة
الإعياء والتعب البادي على وجوههم نتيجة الاستنفار الدائم
.

كل
هذا سبّبه بعض هتافات خرجت من حناجر طلاب مراهقين هتفوا بأصواتهم، التي ما زال
فيها الكثير من الطفولة، للحرية في الباحات وقاعات الدرس كل يوم
.

يقول
أحد المدرسين: “في العام الدراسي الماضي كادت هتافات طلاب المدرسة أن تكون
تقليداً شبه يومي، ما أثار جنون أوساط الأجهزة الأمنية، وفي منتصف شهر أيار جاءت
كاميرا “الإخبارية السورية” لتصوير عدة مشاهد توحي بالاستقرار في
المدرسة و”تكذّب الشائعات” التي تتحدث عن المظاهرات فيها، فما كان من
الطلاب إلا أن استقبلوا طاقم القناة و(كامرتهم) بهتافات الثورة وطوقوهم من كل
الجهات، ما جعل طاقم التصوير يفر هارباً لتطارده هتافات الحرية واللعنات على
الإعلام الكاذب

يكاد
يكون الحراك الطلابي في السويداء هو الأكثر تنوعاً، وقد يكون أمراً مستغرباً أن
يتعلم الشباب اليافع تنفيذ الحملات الاحتجاجية بتلك السرعة، والتي تتم من خلال
مراحل مخطط لها، تتنوع فيها وسائل التعبير كحملات (البخ والبوسترات واللافتات)
وصولاً إلى المظاهرات والاعتصامات. فقد جرت العادة أن تتضامن مدارس عدة في تنفيذ
حملة احتجاجية تتوحد شعاراتها، وتختلف أهدافها بين بث الوعي في صفوف فئة الطلبة
وبين مهاجمة النظام، أو حتى انتقاد سلوك المعارضة، كل ذلك من خلال رفع شعارات
مدروسة، ربما يعجز السياسيون في بعض الأحيان عن إطلاقها
.

يعود
زمن أول حراك طلابي في مدرسة شكيب أرسلان إلى منتصف شهر أيار من نهاية الموسم
الدراسي 2011، حين نفذ الطلاب أول اعتصام لهم، كان الغريب فيه هو مكان الاعتصام
الذي جرى أمام مديرية التربية في ساحة (سلطان باشا الأطرش) والمطلة على مبنى قيادة
الشرطة ومبنى المحافظة مركز “الشبيحة”(!!) وهذا ما لم تفعله المظاهرات
بشكل عام بعد تجارب عدة أثبتت خطورة المكان الذي صار اسمه “فكي الأسد”،
لكن الطلاب في اختيارهم أظهروا وعياً غير متوقع، فاحتجاجهم أمام مديرية التربية
أحرج المؤسسة التربوية وإدارتها التي يفترض أن تكون راعية للطلبة ومدافعة عنهم، ما
أوقعها في ورطة كبيرة، جعلت من أبناء المدينة (المشاهدين) يفقدون الثقة بالمديرية
وجهازها ويصنفونهم في خانة “التشبيح
“.

استمر
الطلاب في مدارس السويداء بحمل الجزء الأكبر من الحراك السلمي في المحافظة، وفي
يوم الخميس 29/11/2012 اعتصم طلاب مدرسة شكيب أرسلان أمام مديرية التربية وانضم
إليهم طلاب من المدارس، مطالبين بالإفراج عن أستاذهم الذي اعتقل في كمين قبل يومين
من تاريخ الاعتصام، وفي محاولة لفض الاعتصام جرى اشتباك مع “الشبيحة”،
لكنهم صمدوا واستمروا في الاعتصام، ما أجبر محافظ السويداء عاطف النداف على الحضور
شخصياً لمحاولة التهدئة وفض الاعتصام الذي استمر ثلاثة أيام، ونتيجة رفض الطلاب
لذلك اضطر المحافظ للتدخل والإفراج عن المعتقلين حينها
.

وكان
لطلاب ثانويات السويداء الحضور الأكبر في تشييع الشهيد صلاح صادق الذي استشهد جراء
القصف على حلب أثناء توجهه للعمل الإغاثي هناك بتاريخ 2/1/2013
.

كما
كان لهم الحضور الأكبر في تشييع الطالب ناصر جمول الذي قتل على يد خاطفيه في
23/2/2013، حين تجمع المشيعون بالآلاف ولم تتمكن قوى الأمن من قمعهم، حيث شكلوا
حالة شعبية جابت شوارع السويداء، وأطلقوا عبارات الحرية في سمائها
.

واستمر
الطلاب في رفد الحراك السلمي ليكونوا ضمير المحافظة وجناحها الماضي نحو مستقبل
يحلم من خلاله السوريون ببناء دولة تحفظ كرامة الإنسان وتحقق آماله بالحرية
والعدالة والمساواة ودحر الاستبداد
.

شاهد أيضاً

تنوع الجزيرة السورية الحضاري يضفي طابعا خاصا على احتفالات عيد الأضحى

  القامشلي – سلام حسن خاص لموقع صدى الشام: في ثاني أيام عيد الأضحى المبارك، …

أوراق باندورا: جزر العذراء البريطانية مخبأ شركات “ممول للنظام السوري”

في 23 كانون الثاني/ يناير 2017، بينما تحتشد الجهود للوصول لتسوية بين طرفي النزاع السوري …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *