الرئيسية / مجتمع واقتصاد / اقتصاد / الشعب السوري … الخاسر في صراع الشقيق والصديق

الشعب السوري … الخاسر في صراع الشقيق والصديق

أحمد العربي

يئن السوريون منذ ما يزيد عن الشهر تحت وطأة
قفزات نوعية في سعر الدولار، أوصلته لما يقارب 360 ليرة سورية في دمشق، الأمر الذي
جعل كل استراتيجيات التكيف والتأقلم التي طورها السوريون للحفاظ على لقمة عيشهم
خلال سنوات الحرب، بلا جدوى.

ولكن هذا الانخفاض الكبير في سعر صرف الليرة
السورية جاء معاكساً للارتفاع في معنويات النظام ومؤيديه، والمتزامن مع دخول
الأصدقاء الروس، فما السبب؟؟

يعزو المحللون الماليون هذا التراجع في سعر
الصرف إلى عوامل زيادة الطلب على الدولار في السوق السورية، بسبب الهجرة والخوف من
التصعيد العسكري الروسي، إضافة إلى زيادة عرض الليرة السورية بعد زيادة الأجور
ورفع أسعار القمح والمحروقات. ولكن هذه التحليلات التقليدية تبدو منفصلة عن الواقع،
كون الدولارات التي يستخدمها السوريون في الهجرة هي في جزئها الأعظم، مدخرات لديهم
منذ بداية الحرب، وما تم شراؤه من الدولارات لم يكن من الجهات الرسمية، أي المصارف
أو شركات الصرافة، لتؤثر على قدرة المركزي في التدخل لإنقاذ الليرة، كما أن حالة
الهلع والخوف موجودة منذ اليوم الأول للثور السورية ولم يبق أصلاً لدى السوريين
مبالغ بالليرة لتحول نتيجة الخوف للعملات الأجنبية. أما عن زيادة عرض الليرة
السورية بسبب زيادة الأجور، فعن أي زيادة نتحدث! 2500 ل.س، هذا الرقم لم يعد يكفي
لشراء حذاء في دمشق، فكيف له أن يزيد عرض الليرة؟

عجز المركزي عن التدخل هذه المرة مرده
إلى توقف دعم الحلفاء، أو كما يطيب لأنصار النظام تسميتهم بالأشقاء الإيرانيين.

إن التحليل الاقتصادي لا يمكن أن يكتفي بقراءة
السطور فقط أو رؤية الحدث من الزاوية الاقتصادية بمعزل عن بعده السياسي، لأنه
سيكون قاصراً عن الوصول إلى رؤية متكاملة للحدث تقود إلى نتائج صحيحة.

المراقب لسوق الصرف السوري يعي جيداً بأن أي
تراجع في سعر صرف الليرة هو مؤشر على عجز مصرف سورية المركزي عن ضخ الدولار
الأمريكي في السوق، وهو الذي اعتمد استراتيجية التدخل في السوق كمضارب منذ البداية
لدعم سعر الصرف، وهذا التدخل بطبيعة الحال مرهون بدعم حلفائه، خصوصاً بعد نفاد ما
يملك المركزي السوري من احتياطيات بالعملات الأجنبية. إذاً عجز المركزي عن التدخل
مرده إلى توقف دعم الحلفاء، وهم كما يطيب لأنصار النظام تسميتهم بالأشقاء
الإيرانيين ، وتوقف هذا الدعم تدل عليه عدة مؤشرات منها الخبرة السابقة في مراقبة
سعر الصرف، إذ لطالما استخدمت إيران سياسة توقيف الدعم عن النظام السورية كورقة للضغط
أو لتقليم الأظافر وهذا إن برزت، بالإضافة إلى رفع الحكومة السورية لأسعار الخبز
والمحروقات والتي كانت تحصل عليها عبر خط الائتمان الإيراني، مما يدل على شُحها،
الأمر الذي انعكس على ساعات تقنين الكهرباء في دمشق، والتي بلغت في الشهرين الماضيين
16 ساعة انقطاع في اليوم، ولكن ما هو السبب هذه المرة وراء انقطاع دعم
“الأشقاء”؟؟ وهنا يجب مزج السياسة بالاقتصاد للإجابة، ألا وهي دخول
الأصدقاء الروس.

يبدو أن روسيا بدأت تضغط باتجاه فك
الارتباط بين النظام وإيران اقتصادياً

إن سياق الأحداث الاقتصادية التي ذكرناها والتي
بدأت قبيل دخول الروس عسكرياً على الأرض السورية وبعده، يثبت أن هذا الدخول لم يرق
للإيرانيين، وإن كان هذا الدخول في خدمة ذات الهدف الذي يصبون إليه، وهو دعم بشار الأسد.
فبالنسبة لإيران، سوريا الأسد أصبحت ولاية فارسية، ودخول أي قوة أجنبية لأرضها هو
انتهاك للسيادة وإن كانت تلك القوة حليفة. أما بالنسبة للنظام السوري، فالأمر سيان
سواء أكان يدافع عنه الإيرانيون أم الروس أو حتى مخلوقات فضائية، فالبقاء هو منتهى
غايته، لذلك سحب الإيرانيون مساعداتهم له اقتصادياً، ويبدو أنهم لم يستطيعوا كظم
غيضهم من التدخل الروسي، فبدا واضحاً في تصريحات بعض مسؤوليهم كالجعفري، قائد
أركان الحرس الثوري، الذي اعتبر الروس جاؤوا إلى سوريا بحثاً عن مصالحهم فقط. كما
عبرت وسائل الإعلام الإيرانية كقناة العالم، واللبنانية الموالية لهم كجريدة
الأخبار، عن المزاج الإيراني غير الراضي عن التدخل الروسي حين اعتبروا أن تغطية
وسائل الإعلام الروسية لإنجازات قواتهم في سورية تعتبر مبالغات، وأن الروس يقطفون
ثمار إنجازات القوات الإيرانية والمليشيات الداعمة لها. أما بالنسبة للروس، فهم لا
يخفون اعتبارهم لسوريا منطقة نفوذ لا تقبل الاقتسام مع الإيرانيين لذلك اختاروا
الانتشار في الساحل السوري ليكون منطقة آمنة لقواتهم، تبدأ منها الانطلاق والتمدد
إلى باقي المناطق السورية وبأقل الخسائر، أو بالأحرى بالدماء الشيعية. كما بدأ
الروس أيضاً بتفكيك الإنجازات الإيرانية المليشياتية في سوريا، وذلك ما يدل عليه
قرار رئيس الأركان السوري بحل مليشيا الدفاع الوطني، ذلك الاسم الكبير الذي تنضوي
تحته مليشيات حزب الله سوريا والحرس الثوري الإيراني فرع سوريا أيضاً، ليعاد
تشكيله بصورة جديدة تناسب الحليف الجديد وهو روسيا. كما يبدو أن روسيا بدأت تضغط
أيضاً باتجاه فك الارتباط بين النظام وإيران اقتصادياً، وهذا ما تدل عليه منحة
القمح الروسية لسوريا، والتي قدرت بـ 100 ألف طن، وهي السلعة الاستراتيجية التي
كان النظام يعتمد على إيران في السنوات الماضية بتزويده بها. وبذلك يدفع السوريون
فاتورة جديدة، حرب نفوذ جديدة هذه المرة، دماً ومعاناة اقتصادية بين الأشقاء
والأصدقاء.

شاهد أيضاً

مليارات ضائعة في عقد “السكر”.. فساد جديد من حقبة نظام الأسد .. والرقابة تسترد المبلغ

أعلن الجهاز المركزي للرقابة المالية في سوريا عن استرداد نحو 46 ملياراً و790 مليون ليرة …

إعادة افتتاح سوق دمشق للأوراق المالية: خطوة استراتيجية نحو تعزيز الاقتصاد السوري

أكد وزير المالية السوري في تصريح صحفي أن إعادة افتتاح سوق دمشق للأوراق المالية تمثل …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *