الرئيسية / سياسي / سياسة / القواعد الأجنبيّة في سوريا: مَوطىء قدَمٍ في رمال المصالح والسياسات

القواعد الأجنبيّة في سوريا: مَوطىء قدَمٍ في رمال المصالح والسياسات

صدى الشام- عمار الحلبي/

لدى واشنطن سياسة استراتيجية لعشرات السنين في سوريا، وعليه فإن قواتها ستبقى في شمالي سوريا لتكون المنطقة “قاعدة جديدة” لها قد تكون بديلاً عن إنجرليك في تركيا.

يشكّل ما سبق مزيجاً من توقعات واحتمالات خرجَ بها المتحدث باسم “قوات سوريا الديمقراطية” طلال سلو، في إحدى المقابلات. لكن لو وضعنا “النوايا” جانباً فهل الولايات المتحدة وحيدة في “قضم” السيادة السوريّة والبحث عن موطىء قدم لها يؤسس لخطط مستقبلية؟

لو تتبّعنا وجود القواعد الأجنبية على خريطة سوريا سنلاحظ كيف تكاثرت خلال سنوات “الحرب” وسنفهم مبدئيّاً طبيعة السباق الذي تخوضه قوى دولية إقليمية متعددة عبر أداة فعّالة ومظهر استعماري تبرّره معطيات مختلفة ألا وهو القاعدة العسكرية.

وفيما يجري الحديث اليوم عن سيناريوهات لحل سوريٍّ ما ينهي جميع مظاهر القتال بعد تنفيذ اتفاقيات “خفض التصعيد” التدريجي، فإن التساؤل يبقى عن مصير القواعد الأجنبية، وإمكانية استمرارها والدور الذي يمكن أن تؤدّيه فيما لو بقيت.

في سوريا “غير المفيدة”

تمتلك قوى رئيسة (روسيا، الولايات المتحدة، إيران وإنكلترا) قواعد عسكرية في سوريا، تتوزع على مساحة الأراضي السورية ولا سيما في مناطق لها خصوصيتها وبعدها الاستراتيجي.

وفيما يخصّ الولايات المتحدة الأمريكية، فقد أسّست قواعد “رميلان” قرب الحدود السورية العراقية، و”الشدادي” في ريف الحسكة، و”كوباني” في مدينة “عين عرب”، ويُضاف إليهما قاعدتا “التنف” و”الزكف” في البادية السورية، لتكون القواعد العسكرية الأمريكية متوزعة على الحدود السورية التركية وعلى الحدود السورية – العراقية، ولا سيما في منطقة البادية السورية، والتي تُعرف بـ “سوريا غير المفيدة” كونها تبتعد عن المناطق السورية التي تحتوي على الممرّات الاستراتيجية وعن وسط البلاد والساحل والمناطق الزراعية المثمرة.

وتوزّعت هذه القواعد على مناطق دعم استراتيجي لـ “قوات سوريا الديمقراطية” و”الجيش السوري الحر” المتمثّل بالفصائل المقاتلة على جبهات بادية الشام، وأبرزها “جيش أسود الشرقية” و”قوات الشهيد أحمد العبدو” وفصائل أخرى.

وفي “سوريا غير المفيدة” أيضاً، ثمّة قاعدة بريطانية يتيمة تتبع لـ “للمملكة المتحدة” أنشأتها في أيار من عام 2016، عند نقطة التقاء حدود سوريا مع كل من العراق والأردن، ومن مهامها تدريب وتسليح قوات تابعة لفصائل سورية معارضة، لتمكينها من إنهاء وجود تنظيم الدولة “داعش” في جنوبي شرقي سوريا.

وظائف متعددة

بالمقابل، فإن القواعد الروسية – التي تتميز بديمومة أكبر- تمركزت في الجزء الغربي من سوريا المعروف بـ “سوريا المفيدة”، وجاءت على رأسها القاعدة العسكرية الروسية في طرطوس، وقاعدة “حميميم” في ريف اللاذقية، التي يقع عليها ثقل إدارة الحرب من جانب النظام، ويُضاف إليها “مطار حماة العسكري” الذي تحوّل مؤخّراً إلى قاعدة روسية جديدة وسط البلاد، وتتميّز بكونها قريبة من تركيا ومواجِهة لمواقع تمركز المعارضة السورية.

وتسعى روسياً أيضاً بحسب الخبراء، إلى تثبيت وجودها في قاعدة أخرى شرقي حمص، في منطقة “حميمة” لتكون قريبة من القواعد الأمريكية والبريطانية في البادية السورية.

أما من جهة إيران، فتمتلك قاعدة “مطار دمشق الدولي”، المعروفة باسم “الغرفة الزجاجية” وهي غرفة عمليات في محيط المطار قرب مدينة الغزلانية، ويتخذ منها “الحرس الثوري الإيراني” مركزاً لعملياته في العاصمة ولاستقبال المقاتلين المرتزقة الأجانب.

ولدى إيران قاعدة عسكرية ثانية في منطقة “جبل عزّان” بريف حلب الجنوبي، الذي تنتشر فيه الميليشيات الموالية لإيران بشكلٍ كثيف، ويُضاف إليها قاعدة “القنيطرة” التي أسّستها إيران بعد معركة “مثلّث الموت” وهو المثلث الواصل بين أرياف “دمشق – درعا – القنيطرة” والذي شهد أشرس المعارك في عام 2015.

ووفقاً للباحث السياسي أحمد غنّام، فإن إيران تمتلك قاعدة عسكرية في حمص قرب الأوتستراد الدولي، وتم تشييدها قبل بدء الثورة السورية بنحو 10 سنوات.

أما بالنسبة للقواعد التركية، فإن الثابت هو وجود قاعدة عسكرية في منطقة جبل الشيخ عقيل التي أعلنت عنها تركيا بشكلٍ رسمي، وسط الحديث عن قاعدة أخرى في بلدة الراعي في ريف حلب أيضاً، وتحديداً ضمن المناطق التي سيطرت عليها المعارضة السورية بدعمٍ تركيا وهي ما تُعرف بـ “مناطق درع الفرات”.

نقاط تمركز

فيما يَشيع استخدام تسمية هذه المواقع على اختلاف أدوارها بـ”القواعد العسكرية”، فإن المحلل العسكري العقيد حاتم الراوي، يرى أنها لا تتعدّى كونها “نقاط تمركز”، ويوضح الراوي لـ “صدى الشام” أن “هناك مبالغة بتسميتها قواعد لأنّه عندما نتكلّم عن قاعدة فهي تحتاج إلى تجهيزات بنية تحتية ومرابض إسمنتية للصواريخ، ومهابط ثابتة للحوامات ومستودعات تحت الأرض وغرف مجهزة للاحتماء من السلاح النووي ومستودعات للذخيرة بما يحفظ حمايتها لفترة طويلة فضلاً عن وجود مخازن مؤقتة وهذا كلّه غير متوفر”.

وأضاف الراوي أنَّه لو كانت الولايات المتحدة تريد إقامة قاعدة حقيقية في سوريا، فإن هناك قاعدة جاهزة بجميع المقاييس وهي “مطار الطبقة”، وهي لا تتطلّب سوى إعادة التأهيل، لأنّ المطار بُني على أساس أن يكون مهبط لسرب طائرات “ميغ 21” ثم تمّ توسيعه لأن محيطه أرض بادية، وإمكانية التوسع هناك سهلة جداً والمهابط في مطار الطبقة أكبر مهابط المطارات الكبرى في سوريا مثل “الضمير والتيفور والسين”، واستطرد “لو كانت أمريكا تنوي إقامة قواعد بعيدة المدى وثابتة لركزت على الطبقة، لكن لا يُمكن قراءة النوايا الأمريكية لأنّها غامضة تماماً حتّى يومنا هذا”.

أمّا عن القواعد الروسية، فأوضح الراوي أن روسيا اختارت قواعدها في أماكن تستطيع من خلالها إطالة عمر هذه القواعد، مشيراً إلى أن مطار حميميم- رغم توسيعه- إلا أنه مطار صغير وليس قاعدة لكن اختياره كان موفقاً من حيث المكان.

وتابع: “الروس والأمريكان كلٌّ منهم ينتظر الآخر ليبدأ بتأسيس قاعدة متكاملة”، مبيّناً أن روسيا تؤجّل هذه الخطوة لكي لا تعطي الولايات المتحدة مسوّغاً لتأسيس قاعدة وكذلك تفعل الولايات المتحدة.

وبيّن أن إيران والميليشيات التابعة لها، لا تتبع استراتيجية الدول، وإنّما استراتيجية العصابات “كونها كيان ميليشياتي ولا يعيش إلّا في اللادولة”، وأنَّ إيران جرّبت حظها مع العراق على مدى 8 سنوات واخيراً تجرعت السم لأنها حاولت الدخول إلى العراق عندما كان دولة متماسكة، لذلك فإنّها تعبث الآن بدول مثل “سوريا والعراق ولبنان واليمن”.

ولفت إلى أن ما تستخدمه إيران ليس قواعد بل إنها تريد التغلغل في الحواضن الشعبية، وقال: “الغرفة الزجاجية التي تستخدمها إيران الآن في مطار دمشق قمنا باستخدامها في حرب 1973”.

أمّا فيما يخص القواعد التركية، فقال الراوي إنّ تركيا ترى أن الجميع يريد الوقوف في طريق عملقتها، وتأسيس امبراطوريتها القوية، لذلك فإنّها من أكثر الدول التي تزرع نفوذها داخل سوريا بحذر، وهو ما جعل حركتها بطيئة وردودها بطيئة ولا تُستجرّ إلى موقف يجعل أمريكا تحشد العالم ضدها، لذلك فإنّها تعمل وفقاً لدراسة تطوّرات المنطقة.

واعتبر أنَّ بقاء القواعد من عدمه، يتوقّف على الاتفاقيات السياسية ومدى قدرة سوريا على الاستقرار بمعزل عن العالم، وهو أمر مستحيل لأنّ سوريا في البداية بحاجة للاتكاء على دولة كبيرة لتستعيد أمنها ولا تستطيع طرد الجميع في يوم واحد.

تحالفات

يخالف الباحث السياسي أحمد غنّام، العقيد حاتم الراوي، فيما ذهب إليه ولا سيما فيما يخص اعتبار هذه القواعد “مؤقّتة”، ويقول غنّام لـ “صدى الشام”: “إن القواعد العسكرية في سوريا تستهدف ضمان مصالح الدول التي أنشأتها بالدرجة الأولى، والاطمئنان للوضع النهائي في البلاد بما يصب في مصلحة هذه الدول الاستراتيجية”.

ويوضح غنام، أن الولايات المتحدة، شيّدت معظم قواعدها على الحدود بين سوريا والعراق أو المنطقة الكردية، وهو تماماً ما حصل في العراق عندما استقرت القواعد الامريكية في مناطق الأكراد وأمنت لهم الكيان الكردي، في حين أن القواعد الروسية تشكّلت في “المحيط المتجانس” الذي تحدّث عنه الأسد، وتسعى من خلال ذلك إلى الوصول للمياه الدافئة، ومنع وصول الغاز إلى أوروبا لأنّها بذلك تكون قد خسرت إحدى الأوراق الرابحة الروسية ضد أوروبا.

أما مبررات تركيا بحسب غنّام فهي قطع الطريق أمام الوصول الكردي إلى البحر المتوسّط، لذلك رأت تركيا أنّه من خلال الأرض السورية يمكن قطع طريق الأكراد، لذلك فهي لا تريد حصّة من هذه الأراضي بقدر ما تريد ضمان الأمن القومي التركي انطلاقاً من سوريا.

لا انسحاب

ويشير غنّام، إلى أنَّ السياسة الإيرانية هي الأقوى، “كون إيران تمكّنت من الدولة السورية، وباتت هي الحاكم الفعلي لسوريا وليس روسيا، التي تعمل بما يتناغم مع مصالحها كدولة قوية ولكنها لا تستطيع أن تكون القوة الكبرى، فالقوة الكبرى هي إيران التي تملك حواضن شعبية و60 ألف مقاتل لهم بعد مذهبي، وهي قادرة على طرد أي طرف في حال تضاربت المصالح معه”، حسب قوله.

ويجزم أن القواعد الروسية والايرانية باقية، وستبقى القواعد الأمريكية فترة ليست قليلة من الزمن، مؤكّداً أنَّ هذه القواعد ليست مؤقّتة وإنّما تسعى لتثبيت أركان هذه الدول.

وفيما يخص المُسمّيات التي من الممكن أن يندرج تحتها بقاء هذه القواعد، لفت غنّام إلى أن الولايات المتحدة لا تحتاج أي مسوّغ للبقاء، في حين أن الأتراك قد ينسحبون، “ولكن الإيراني لن يتحرك لأن لديه حاضنة شعبية، ونجح في اقتلاع السنّة وتهجيرهم”، مبيّناً أن الصراع الحالي هو صراع مذهبي مفتوح تم توريط الثورة السورية فيه، لذلك فإنّه لن ينتهي في القريب العاجل، وبالتالي لن تنسحب هذه القواعد لأنّ سلطة بشار الأسد لم تعد موجودة وغير قادرة على فرض إرادتها على كل المناطق السورية.

وأوضح أن هناك مسوغ قانوني ستعلن عنه كل دولة وهو “المصالح القومية والوطنية لدرء الأخطار في دولها، فمن الممكن أن يدّعي الأمريكي أنّه سيحمي الأكراد والآشوريين لمنع قيام حرب ـهلية مع العرب، في حين أن التدخّل الروسي بات يحمل قالباً قانونيًا تحت قبّة برلمان الأسد، وستبقى إيران داخل البلاد بميليشياتها”.

واستبعد غنّام أن تصطدم هذه الدول ببعضها لأن هناك تفاهم وتناغم بين كافة الأطراف، وأنَّ كل طرف له حدود عمله، “والتركي هو أجبَنها لأنّه يقيم القواعد للوصول إلى حالة نهائية للحرب السورية”، قبل أن تتقدّم “قسد” نحو المتوسط وتتحوّل إلى كيان قابل للحياة.

شاهد أيضاً

الرئيس السوري أحمد الشرع: رفع العقوبات عن سوريا بداية لمرحلة جديدة من التعافي والبناء.

في كلمة مؤثرة ألقاها الرئيس السوري أحمد الشرع، استعرض تاريخ البلاد المأساوي تحت حكم النظام …

الشرع يشكر فرنسا و يؤكد : مستقبل سوريا سيصنع داخلها و ليس في العواصم البعيدة .

في زيارة رسمية إلى فرنسا، أطلق الرئيس السوري أحمد الشرع سلسلة من التصريحات اللافتة، تناول …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *