الرئيسية / مجتمع واقتصاد / اقتصاد / “الرافال” رافعة هولاند السياسية وأداة الخليج العقابية

“الرافال” رافعة هولاند السياسية وأداة الخليج العقابية

أحمد العربي

يبدو أن سياسة الشرق الأوسط أصبحت اختباراً
للذكاء بين زعماء الدول الكبرى في العالم. فبينما أبرزت نتائج هذا الاختبار غباء
زعماء ممن لم يحسنوا اختيار الجانب الذي يصطفون معه، كالرئيس الروسي الذي أضاع
العرض السعودي الذي حمله إليه الأمير بندر في آب/أغسطس 2013، وهو صفقة أسلحة
قيمتها 16 مليار دولار مقابل التخلي عن النظام السوري، الأمر الذي كان سيشكل سابقة
بدخول السلاح الروسي إلى السوق الخليجية لأول مرة، او تلكؤ البعض واتخاذهم موقفا
متذبذباً لم يحصلوا بنتيجته على حصة من سباق التسلح الذي تشهده منطقة الخليج
كبريطانيا وأمريكا اللتان تراجعتا في اللحظة الأخيرة عن توجيه ضربة لنظام الأسد
ولم تقطعا شعرة معاوية مع إيران، ومثلهما باكستان التي لم تحسم أمرها بعد في المشاركة
بعاصفة الحزم فعلياً، أبرزت ذات النتائج فوز السياسة الفرنسية بحصة الأسد من هذا
السباق وباتت الشريك الأوروبي الأول لدول الخليج، حيث الصفقات التي أبرمتها وستبرمها
فرنسا مع دول الخليج تشير إلى تعاظم الدور الفرنسي في المنطقة. “التهديدات التي تواجه
دول مجلس التعاون الخليجي تواجه باريس أيضاً..ولن نقف متفرجين إزاء الفوضى التي تحدث
في المنطقة “. هذا ما أكده الرئيس الفرنسي فرانسوا أولاند من الرياض بعد حضوره، كضيف
شرف، قمة مجلس التعاون الخليجي التي خصص جدول أعمالها للأزمة اليمنية وللدور الإيراني
في المنطقة في ظل الاتفاق النووي المرتقب بين إيران والغرب.

وبذلك فإن أولاند، الذي أصبح أول زعيم غربي يحضر
القمة الخليجية، قد وضع منطقة الخليج الغنية بالنفط كأولوية ضمن توجهات السياسة الفرنسية.
كيف لا وقد وقع قبلها بساعات على اتفاق مع قطر لبيعها 24 مقاتلة رفال بقيمة 6.3 مليار
يورو، فيما يدور الحديث عن اتفاق مماثل ستبرمه باريس مع أبوظبي، بالإضافة إلى عقد صفقات
في مجال الدفاع قد تصل إلى عشرين مليار دولار مع الرياض، كما أكد ذلك وزير الخارجية
الفرنسي لوران فابيوس.

أولاند الذي أصبح أول زعيم غربي يحضر
القمة الخليجية، قد وضع منطقة الخليج الغنية بالنفط كأولوية ضمن توجهات السياسة الفرنسية

تلك الصفقات أثارت حسد البريطانيين والألمان،
حيث لم تستطع صحافة البلدين إخفاءه وإخفاء خوفها من خسارة موقعها في الخليج. “اتفاقات
ستقرع ناقوس الخطر في أروقة الحكومة البريطانية”، هذا ما عبر عنه الكاتب الصحفي هيو
توملينسون في مقال نشرته صحيفة التايمز البريطانية تحت عنوان “فرنسا تحل محل بريطانيا
كأهم حليف أوروبي لدول الخليج”.

فالسياسة المتشددة التي اتبعتها فرنسا في المحادثات
مع إيران وموقفها من مستقبل الرئيس السوري بشار الأسد، ودعمها للمعارضة السورية، بالإضافة
إلى تقديمها الدعم الاستخباراتي للتحالف العربي الذي تقوده السعودية في اليمن ضد الحوثيين،
كل ذلك خلق توافقاً سياسياً بين فرنسا ودول الخليج.

لكن يبدو أن الاهتزاز الذي أصاب ثقة السعوديين في
الحليف التقليدي لا يعني بالضرورة تقزيم دوره في رسم سياسة المنطقة، فالتعاون الأمريكي
– الخليجي يحمل بعداً استراتيجياً، وتطور على مدى فترة زمنية طويلة نسبياً.

إذ أقامت الولايات المتحدة العديد من القواعد العسكرية
الكبرى في كل من السعودية والإمارات العربية والكويت وعُمان وقطر، وهو الأمر الذي يشكل
ركيزة استراتيجية لضمان أمن دول المنطقة. بمعنى أن الضمانات الدفاعية الأمريكية لا
زالت تشكل إحدى الأسس المهمة في الحسابات الاستراتيجية لدول منطقة الخليج العربي، بجانب
القدرات العسكرية الوطنية والقدرات العسكرية الخليجية الجماعية. أما التعاون مع الاتحاد
الأوروبي، بشكل جماعي أو بشكل انفرادي، كما هو الحال مع فرنسا وبريطانيا، لا زال يفتقد
لهذا البعد الاستراتيجي. فالقدرات العسكرية لدول الاتحاد الأوربي في توفير حماية أو
ضمانات لدول الخليج هي قدرات محدودة بالمقارنة مع القدرات الأمريكية الهائلة. لذا فإن
دول الاتحاد الأوروبي تلعب دور الداعم للضمانات وليس دور الضامن الأساسي الذي لا زالت
الولايات المتحدة تحتفظ به رغم كل الخلافات القائمة بينها وبين دول الخليج.

الضمانات الدفاعية الأمريكية لا
زالت تشكل إحدى الأسس المهمة في الحسابات الاستراتيجية لدول منطقة الخليج العربي، بجانب
القدرات العسكرية الوطنية والقدرات العسكرية الخليجية الجماعية.

لا يمكننا الحديث إذاً عن إعادة تقسيم نفوذ الدول
الكبرى التقليدية في المنطقة. حيث أن الدور الأمريكي، أمنياً وسياسياً واقتصادياً،
هو الأكبر والمسيطر على منطقة الخليج، وسيبقى كذلك، فيما يأتي الأوربيون في الدرجة
الثانية من ناحية الترتيب.

ولكن تبقى مكاسب الدرجة الثانية، التي حصل عليها
أولاند، مرضية جداً بالنسبة له سياسياً ولبلاده اقتصادياً، بعد أن استطاع ما عجز
عنه سلفه ساركوزي، وهو بيع أي طائرة رافال بعد عشر سنوات على بدء انتاجها. وقد اشتد
الإقبال على الطائرة نتيجة لتقلص نفوذ الولايات المتحدة في العالم العربي، واتساع نطاق
المخاوف الأمنية في مواجهة صعود تنظيم داعش. وكلها مخاوف يسعد باريس أن تعمل على تهدئتها،
فقد وقعت مصر والهند وقطر عقوداً لشراء الطائرة.

ومازح وزير الخارجية الفرنسي الصحفيين على متن طائرة
الرئيس فرانسوا هولاند، في رحلته إلى الخليج هذا الأسبوع لتوقيع الاتفاق مع قطر والمشاركة
كضيف بوصفه زعيماً غربياً في قمة إقليمية تعقد في الرياض، قائلا: “الأمور الطيبة دائماً
ما تحدث رباعية”.

وبعد توقيع اتفاقات تبلغ قيمتها نحو 15 مليار يورو
لتوريد 84 طائرة، أصبحت أنظار فرنسا منصبة الآن على الإمارات العربية المتحدة لبيع
المزيد من الطائرات. وتسهم هذه الصفقات في زيادة الوظائف في فرنسا حيث يبلغ معدل البطالة
عشرة في المئة.

بعد توقيع اتفاقات تبلغ قيمتها نحو
15 مليار يورو لتوريد 84 طائرة، أصبحت أنظار فرنسا منصبة الآن على الإمارات العربية
المتحدة لبيع المزيد من الطائرات

وقال هولاند في الدوحة عن ثمار سياسة الدبلوماسية
الاقتصادية التي يتبعها: “قبل كل شيء، هذه أنباء طيبة للاقتصاد الفرنسي”. وتنبأ وزير
الدفاع الفرنسي، جان إيف لو دريان، في مطلع الأسبوع، بأن صفقات السلاح الأخيرة قد تتيح
ما يصل إلى 30 ألف وظيفة. وقال إدوارد ريحان سيبل، النائب الاشتراكي في لجنة شؤون الدفاع
بالبرلمان، عن الصفقات: “إذا كانت فرنسا تريد أن يكون لها نفوذ، فهذا واحد من أفضل
السبل لتحقيق ذلك”.

وبذلك يكون أولاند قد توج نصره السياسي الذي
حققه بعد أحداث شارلي إيبدو، بنصر اقتصادي عبر الرافال، والتي وجهت دول الخليج عن
طريقها أيضاً رسالة لحلفائها فحواها أنه: فاز بالملذات من كان جسورا.

شاهد أيضاً

إعادة افتتاح سوق دمشق للأوراق المالية: خطوة استراتيجية نحو تعزيز الاقتصاد السوري

أكد وزير المالية السوري في تصريح صحفي أن إعادة افتتاح سوق دمشق للأوراق المالية تمثل …

الخزانة الأمريكية تفتح أبواب الاستثمار في سوريا.

أعلن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC) التابع لوزارة الخزانة الأمريكية عن إصدار قرار فوري بتخفيف …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *