حاوره- مصطفى محمد
رأى عضو الهيئة السياسية في الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة، الكاتب الصحفي فايز سارة، في اغتيال روسيا لقائد جيش الإسلام “زهران علوش” رسالة منها للأطراف الدولية، مفادها أن الحل السياسي غير ممكن بحضور الفصائل المسلحة. وعبر سارة خلال اللقاء، عن أسفه مما وصفه بـ”الصمت الدولي” حيال المجازر التي يقوم بها النظام وموسكو معاً، كما ورفض خلال اللقاء الحديث عن انسحاب المعارضة من المفاوضات المزمعة، معتبراً هذا الانسحاب في حال حصوله هو خدمة لأهداف النظام المعلنة. وللمزيد من التفاصيل قامت “صدى الشام” بإجراء حوار مطول معه، وفيما يلي نص الحوار:
– لو بدأنا بالحدث الأبرز، ماهي الرسالة التي أرادت “موسكو” إيصالها من خلال اغتيالها للقائد البارز في المعارضة “زهران علوش”؟
لا نستطيع أن نرى اغتيال شخصية بقيمة قائد جيش الإسلام “زهران علوش” بشكل منفصل عن الموقف السياسي الذي تحاول روسيا فرضه في سوريا. موقفها منذ البداية يقول بعدم وجود تنظيمات مسلحة معتدلة، وبالتالي كل التنظيمات، بما فيها جيش الإسلام وأحرار الشام والآخرين حتى من شارك منهم بمؤتمر الرياض كمعارضة مسلحة معتدلة، تحت مرمى النيران الروسية.
هذه السياسة بدأت منذ اللحظة الأولى للتدخل الروسي. فمنذ الإعلان الرسمي عنه، تركز القصف الروسي على المنطقة الشمالية الغربية، وامتد للمنطقة الوسطى الجنوبية من الأراضي السورية، وهي مناطق تكاد تكون منطقة خالية من أي وجود للتنظيم، وحتى تقارير الاستخبارات العالمية قالت إن “نسبة ما استهدفته روسيا بغاراتها من مواقع للتنظيم خلال شهرين كاملين من عمر التدخل الروسي، لا تتعدى الـ10% من الأهداف الكلية للغارات الروسية”.
سارة: هنالك صمت دولي حيال التصرف الروسي، وكل ردود الفعل الدولية التي تلت عملية الاغتيال، لم ترق إلى مستوى ما يجري.
روسيا تقول الآن أن كل قادات الفصائل المسلحة المعتدلة هي أهداف مباشرة لها، هذه الرسالة الأولى، وأما الرسالة الأخرى فأرادت روسيا توجيهها للمجتمع الدولي، مفادها أن على هذا المجتمع في حال أراد الحل السياسي، ألا يشرك هؤلاء القادة في الحل السياسي. وللأسف، هنالك صمت دولي حيال التصرف الروسي، وكل ردود الفعل الدولية التي تلت عملية الاغتيال، لم ترق إلى مستوى ما يجري، ولم تطلب من الروس التوقف.
– لكن من بين هذه الأطراف الدولية، دول راعية للمعارضة “المعتدلة” كما يسمونها، وجيش الإسلام أحد هذه الأطراف، بالتالي عملية الاغتيال هذه ألا تعد صفعة للأطراف الدولية التي تسمي نفسها صديقة للشعب السوري؟
أعتقد أن فكرة الدول الراعية للمعارضة المعتدلة المسلحة فكرة هشة وضعيفة، وذلك لأنه في حال رصدنا مجمل المساعدات المقدمة، أو التأييد السياسي للمعارضة المسلحة المعتدلة، على مدار العامين الماضيين؛ أي منذ نهاية مؤتمر جنيف 2 وحتى الآن، سنلاحظ حينها أن هذا الدعم بسيط، وأكثره كان لخدمة أغراض سياسية.
من هنا نستطيع القول أن ردة الفعل على اغتيال “علوش” وعدد من قادة التشكيلات المسلحة الأخرى، بما فيها قادة “أحرار الشام” وضباط في الجيش الحر، تكاد تكون غير مرئية.
– الحديث عن عقد صفقة بين النظام وتنظيم الدولة في جنوب دمشق، الذي ينص على خروج آلاف المقاتلين من عناصر التنظيم من دمشق باتجاه مناطق يسيطر عليها التنظيم في الرقة وحلب، وتزامن كل ذلك مع استهداف “علوش”، ألا يوحي لك بشيء، أو بسيناريو يتم التخطيط له في محيط العاصمة؟
أعتقد أن ذلك يوحي بأن هنالك التباس في المعسكر الآخر، ولهذا السبب جرى الحديث عن توقف هذه الصفقة، لأنها تحوي مفارقة فظيعة داخل معسكر النظام. المفارقة نستطيع رؤيتها بسلوك النظام الذي يسعى إلى عقد اتفاق لخروج آمن ومحمي لعناصر داعش من مخيم اليرموك، في الوقت الذي يستهدف فيه طيران الروس قيادات وقواعد الجماعات المعارضة المعتدلة، وهذا باعتقادي خطأ تكتيكي من جانب النظام، خاصة لكونه متزامناً مع اغتيال قائد جيش الإسلام، وهذا ما يكون قد دفع بروسيا، رغم عدم وجود المعلومات المؤكدة، إلى الضغط على النظام لتأجيل الصفقة، وهو ما شاع مؤخراً.
النظام له مصلحة في خروج مسلحي داعش من جنوب العاصمة، لأنه سيسلم المنطقة إلى مقاتلين من الفصائل الفلسطينية التابعة له. بمعنى أنه سيعيد السيطرة على منطقة اليرموك، بالتالي يحسم وجود أي طرف آخر مناقض لسياساته ولو صورياً، مثل داعش.
– بعد كل هذا الحديث، وبعد اغتيال الشيخ زهران، هل لدى الأستاذ فايز سارة مخاوف حقيقية على محيط دمشق في الأيام المقبلة؟
استراتيجية النظام والروس واضحة، وهما تقريباً متفقان على ضرورة تمدد النظام للمناطق المحيطة بالعاصمة، لأن النظام يسيطر على مربع أمني فقط داخل دمشق، وهي سيطرة جزئية أو محدودة خارج المربع الأمني الصغير فقط.
سارة: استراتيجية النظام والروس واضحة، وهما متفقان على ضرورة تمدد النظام للمناطق المحيطة بالعاصمة.
اليوم هنالك تركيز على منطقة الجنوب الدمشقي، خاصة في حال قراءة الاتفاق أو الصفقة بين داعش والنظام والتي تحدثنا عنها. وإذا نظرنا أيضاً إلى كم القصف الذي تتعرض له مناطق الغوطة ومدنها، وإلى الهجمات الواسعة بما فيها بالكيماوي على الغوطة الغربية، وهذا ما حصل في المعضمية، وبالبراميل المتفجرة على داريا، فسنلاحظ هذه الاستراتيجية بوضوح.
باعتقادي أن هذه الاستراتيجية ليست جديدة، بل هي امتداد لنهج النظام العصي على التحقيق طوال السنوات الخمس من عمر الثورة السورية. اليوم وبفعل القوة الروسية الهائلة قد يستطيع النظام إحراز تقدم، لكن هذا التقدم ليس بالضرورة أن يحدث. الأمل الذي يشاركني فيه كل السوريين هو أن يبقى محيط دمشق شوكة في حلق النظام، وحلق الروس أيضاً، لأن هذا هو ما يعزز فرص جلب النظام والروس إلى طاولة المفاوضات، وبالتالي الوصول إلى حل سياسي يخفف من نزيف الدم السوري.
– على ذكر المفاوضات والائتلاف السوري أحد أهم أطرافها، عقب استشهاد “زهران علوش” طالب الائتلاف بعقد اجتماع طارئ على مستوى وزراء خارجية مجلس الأمن، البعض اعتبر أن هذه الموقف الصادر عن الائتلاف هو موقف ضعيف، والبعض الآخر طالب الائتلاف بالإعلان الرسمي عن وقف المفاوضات المقبلة مع النظام، المحددة في مدينة نيويورك في الـ25 من الشهر الحالي، ما تعليقك هنا؟
باعتقادي، فكرة انسحاب المعارضة والائتلاف من المفاوضات هي فكرة خاطئة، لأننا سنكون حينها قد حققنا هدف النظام المعلن، أن لا مفاوضات ولا حل سياسي.
سارة: فكرة انسحاب المعارضة والائتلاف من المفاوضات هي فكرة خاطئة، لأننا سنكون حينها قد حققنا هدف النظام المعلن.
بطبيعة الحال نحن في الائتلاف والمعارضة لن نذهب إلى المفاوضات لتسليم البلاد إلى القاتل، وإنما نحن سنذهب لكسب ود وتأييد الرأي العام الدولي وبالتالي باعتقادي يجب أن يغيب عن بالنا نهائياً فكرة الانسحاب، بل يجب علينا التركيز والتصعيد من وتيرة العمل السياسي، والعسكري الميداني لإرغام النظام على الدخول بتسوية تلبي مصالح الشعب السوري. هذا هو الهدف ولو كان كسبنا السياسي ضئيلاً.
– بالمقابل نشاهد تصريحات من طرف النظام تؤكد عدم وجود رغبة لدى النظام بالحل السياسي، مثل تصريح “بثينة شعبان” الأخير الذي قالت فيه “ذاهبون إلى جنيف للنقاش، وليس لقبول ما لا نقبل به”. أيعقل أن تذهبوا لأجل النقاش فقط؟
النظام يقول ما يحلو له، لكن دائماً الكلام الصادر عن النظام ليس كلاماً حقيقياً، ولا يؤخذ على محمل الجد. عندما نذهب إلى المفاوضات لن يكون هناك حوار ونقاش، سيكون هناك تفاوض على المسائل الجوهرية، واعتقد لدينا تجربة سابقة “جنيف 2”.
كان واضحا حينها أن هنالك اختلاف في النظر إلى الأشياء المطروحة على الطاولة، وقد امتلك حينها الائتلاف، الذي كان يمثل المعارضة بشكل كامل، برنامج عملي سياسي وإجرائي لموضوعات التفاوض، بينما تحجج النظام حينها في بحث قضايا الإرهاب.
– ما الضامن إذًا ألا يتصرف النظام الآن كما تصرف في جنيف سابقاً، والقرار الأممي رقم 2254 فيه ما فيه من الغموض؟
عملياً في ذهابنا إلى المفاوضات نحن لن نخسر شيئاً. نحن نكشف أكاذيب النظام مرة ثانية أمام المجتمع الدولي، والادعاءات الروسية الإيرانية.
ليس مطلوبا من المعارضة إيقاف العمل السياسي، إلا في حدود الاتفاقات التي نوافق عليها لاحقاً، ونحن نبذل بذلك، كما في الحرب والسياسة، كل الجهود الممكنة في التفاوض من أجل تحقيق مصالح الشعب السوري.
– ونحن في موسم أعياد الميلاد، المعارض السوري الدكتور محي الدين اللاذقاني كتب عبر صفحته على “فيسبوك”، تدوينة قال فيها: “من يصدق بوجود حل سياسي كمن يصدق بنزول بابا نويل من المدخنة”، هل توافقه القول؟
نحن لا نصدق النظام، وأنا أوافق الدكتور محي الدين فيما قال. كما أننا لا نصدق روسيا وإيران أيضاً، ولدينا مئات بل آلاف الأسباب لذلك.
أنا لا أقول أن نصدقهم، لكني أقول أن علينا إجبارهم، والفرق كبير بين القولين. علينا مراكمة كل القوة الممكنة، من أجل كل ميادين الصراع، وهذا الشيء طبيعي حينما نتحدث عن ثورة تاريخية بحجم الثورة السورية.
– الأمم المتحدة حددت 25 كانون الثاني تاريخاً لبدء المفاوضات، ولازال الغموض يكتنف مصير هذه المحادثات. واليوم نلاحظ أن هنالك دعوات لتوسيع الوفد المفاوض، ونلاحظ أيضاً تحركات مفاجئة للمبعوث الأممي “دي مستورا”، ما توقعكم لهذه المفاوضات من منظورك الشخصي؟
لا يوجد لدي وجهة نظر شخصية، أنا أمتلك وجهة نظر المعارضة على اعتباري جزءاً منها. المجتمعون في مؤتمر الرياض الذي ضم أوسع طيف من أطياف المعارضة، “ائتلاف، هيئة تنسيق، تيار بناء الدولة، معارضة مسلحة، شخصيات مستقلة”، قالوا في بيانهم الختامي رؤيتهم للوضع الحالي. وباعتقادي أن ذلك لاقى استحسانا كبيرا من الأوساط السورية، ومن مؤيدي الثورة على الصعيد المحلي والإقليمي، ونتج عن المؤتمر اختيار هيئة عليا تشرف على عملية التفاوض، استناداً لرؤية هذه الأطياف.
الدكتور رياض حجاب منسق الهيئة العليا ذكر قبل أيام في اسطنبول أن “الوفد المعارض التفاوضي جاهز تحت اليد، بانتظار أن يكون الطرف الآخر جاهز أيضاً. وفي حال وجود برنامج واضح وبتسلسل زمني سنذهب إلى المفاوضات”.
وعطفاً على سؤالك عن توسيع الوفد المفاوض، الروس يضغطون لفرض تغيرات على وفد المعارضة، وهذا لا نقبله أبداً. الهيئة المشكلة في مؤتمر الرياض هي المعنية أساساً بالتفاوض.
– وماذا عن دعوات “دي مستورا” الأخيرة للقاء شخصيات خارج الوفد المفاوض؟
ليدعو ويجتمع بشخصيات كما يشاء. التوسيع أو التضييق هو من صلاحيات الهيئة فقط، وهذا حقها. وخارج هذا، المعارضة غير معنية بكل الأحاديث.
واسمح لي ختاماً أن أنوه إلى أنه رغم الأوضاع الصعبة التي تعاني منها الثورة السورية، على الصعد السياسية والعسكرية، يبقى السوريون أكبر من كل ما يواجههم من تحديات.