الرئيسية / سياسي / سياسة / تحليلات / جبهة النصرة وتدمير الثورة

جبهة النصرة وتدمير الثورة

عمّار الأحمد

ما أن انطلقت
الثورة، ووجد النظام نفسه أمام خطر حقيقي يهدد مصيره حتى أعلن أن ما يواجهه في
سورية، هي مجموعات إرهابية وأمارات سلفية، ولابد للعالم من مناصرته لإلحاق الهزيمة
بها، وتخليص العالم من خطرها، الذي سيطالها لا محالة إن تمكنت من إسقاط النظام. إذاً
عرف النظام كيف يلعب على ورقة الداخل ويناور مع الخارج، فداخلياً أخاف قطاعات
شعبية من خطر إسلامي متشدد، فحيّد بذلك مدناً كبيرة وصغيرة، من دمشق وحلب إلى
اللاذقية والسويداء والأحياء الثرية في المدن، وفي الخارج تذرع الغرب بحسابات
الفوبيا الاسلامية، وبالتالي قام كل من كلينتون ولافروف وبقية قادة ذلك العالم
بتحذير المعارضة من الخطر الاسلامي وضرورة حماية الاقليات، ورفض تقديم أية مساعدات
خشية وقوعها بأيد جهات قد تشكل خطراً على العالم المتمدن. إذاً هو أعطى للغرب ورقة
الاسلاميين، وجاءت كغلاف حقيقي لعدم القيام بأي دور ضد النظام، وهي سياسة
استراتيجية مع الثورة السورية، فليس لهم مصالح مباشرة في سورية، وبالمقابل مارس
على الأرض سياسة القتل والتدمير والتطييف بكل ما يستطيع، ولم يتوان عن أي فعل يساعده
في تدمير الثورة والخلاص منها. فأطلق آلاف السجناء الجنائيين، وأطلق لاحقاً قرابة
ألف سجين من منظمات متشددة دينياً وجهادية من العائدين من العراق ولبنان وغيرهم،
وهو يعلم أنهم سيشكلون قواهم العسكرية لمحاربته، ولكن أيضاً لسحق الثورة بتطلعاتها
الوطنية والشعبية. ولم تتوان السعودية ومنظمات في الخليج عن رفدها بالسلاح والمال
خشية نقل عدوى الثورة وتجذيرها، وكمحاولة لدفعها نحو صراع سني شيعي يحقق مصالحهم
الاقليمية بالضد من إيران، ويشوه الثورة تماماً لصالح صراع طائفي تتدخل هي فيه كحامية
للسنة وداعمة لهم! والوصول، حالما يسقط النظام، إلى حكم يحقق مصالح الخليج ويدخل سورية
فيما سمي محور الاعتدال، أي المحور المسيطر عليه أمريكياً؛ وفي هذا الاطار كان دعم
مجموعات أقرب للنصرة ولاحقاً النصرة بعينها.

المعارضة السياسية، وبدلاً من البحث عن برامج
وسياسات ورؤى وطنية، تحدد أهداف الثورة، وتعمل على تحقيق هدفها في إسقاط النظام
والبدء بتحقيق تنمية تساهم في إخراج سورية من أزماتها الاقتصادية والسياسية، تبنت
رؤية تستند إلى التدخل العسكري الخارجي، وتسوق نفسها للدول الامبريالية بهدف وحيد
هو استقدامه لإسقاط النظام، منطلقة في رؤيتها هذه من عجزها التاريخي في صراعها ضد
النظام، الذي هزمها تماماً، وكان مثالها الأعلى المعارضة العراقية قبل إسقاط
النظام العراقي في عام 2003، والمعارضة الليبية قبل إسقاط نظام القذافي. وفعلاً
حدث تدخل خارجي هناك وأسقطت تلك الانظمة، وإن كان هناك فرق بين ليبيا حيث كانت
هناك ثورة شعبية، وفي العراق حيث كان النظام ممسكاً كل الحكم ضعيفاً وهشاً، ولكن
في الحالتين كان هناك سبب داخلي، هو أهمية تلك البلدان من ناحية موارد النفط
وغيره. وهو ما لم تفهمه المعارضة السورية أبداً ولا تزال على عقليتها العاجزة عن
الفهم، وتصر على أن العالم خذل السوريين، وتركهم فريسة نظام متوحش؛ أية إنسانية
يتوهمون لتلك الامبرياليات؟! على كل حال، هذه العقلية دفعت المعارضة لتقبل أية قوى
ومجموعات تحارب النظام السوري، ومهما كانت
مرجعية تلك القوى، وتم الدفاع عنها ضد كل من ينتقد المجموعات المتطرفة أو ممارسات
الكتائب الطائفية، بما فيها جبهة النصرة كذلك، بحجة أنهم مقاتلين شجعان ونظيفي
اليد ولديهم خبرات قتالية متميزة، وقادرين على الاقتحام، وبالتالي لم يتركز النقد
لا على رؤيتها الايديولوجية الطائفية الجهادية، ولا تم التدقيق في مصادرها
المالية، ولا في ارتباطاتها الخارجية أو حتى مع النظام، وقد تلقت دعماً استثنائياً
بالمقارنة مع التضييق المستمر لتشكيلات الجيش الحر لإخضاعه لشرط السياسة الاقليمية
والدولية، ولقد سبب له ذلك ارتباكات مستمرة منعته من أن يشكل قوة عسكرية متماسكة
ولم يشكل رؤية استراتيجية لخوض المعركة، بل وتم وضع مئات الضباط المنشقين في مراكز
أقرب للاعتقال في تركيا والاردن، وهو ما ساهم في التحكم في العمل العسكري خارجياً
وجعله عملاً فوضوياً ومشتتاً. وفي ظل ذلك قويت جبهة النصرة، وبدلاً من أن تخوض
صراعها بشكل أساسي ضد النظام التفت لمحاولة بناء سلطتها في المناطق المحررة، الأمر
الذي دفع السوريين للانتفاضة عليها في كثير من المناطق، وبالتالي ليس لدى جبهة
النصرة أي مشروع لإسقاط النظام ما لم تكن دولة الخلافة هي البديل، وبالتالي فليطل
عمر الثورة والصراع، مقابل إرساء أسس دولتهم تلك. وبتقدم النظام في بعض المناطق، ولا سيما بعد إدخاله حزب الله ومقاتلي عصائب الحق
وغيرها في المعركة، وصمت جبهة النصرة عن القتال تقريباً، ظهر للحاضنة الشعبية
للثورة وللمعارضة وللجيش الحر أن هذه الجبهة ليست شريكة في الثورة بل هي مجاميع
تعمل لمشروعها الخاص. وبقتلها قادة في الجيش الحر وعديد من العناصر يتأكد ذلك..
ولكننا وبسبب طبيعة الصراع، فإن الثورة معنية ليس بالتخلص من جبهة النصرة، بل ومن
المعارضة التي لا تمتلك أي مشروع أو برنامج لتطوير الثورة داخلياً.

إذن جبهة النصرة
وجدت لتدمر الثورة، والمعارضة العاجزة وهمجية النظام وسماحه لها بالوجود، هو ما
سمح لها بتشويهها جزئياً.

شاهد أيضاً

“قسد” تواصل الانتهاكات في مناطق سيطرتها شمال شرقي سورية

اعتقلت “قوات سورية الديمقراطية” “قسد” أمس ثلاثة أشخاص بينهم أحد شيوخ قبيلة العقيدات في الرقة …

سجال أميركي روسي في مجلس الأمن بشأن دورهما بسوريا والأمم المتحدة تطالب بإجلاء الأطفال المحاصرين في سجن الحسكة

تبادلت روسيا والولايات المتحدة الاتهامات -خلال جلسة لمجلس الأمن الدولي- بشأن أحداث مدينة الحسكة شمال …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *