ريان محمد
شهد سعر صرف الليرة السورية خلال الفترة
الماضية انخفضا كبيرا، انعكس بضعف قدرتها الشرائية، إذ ارتفعت الأسعار بشكل جنوني،
ما انعكس سلبا بشكل مباشر على أصحاب الدخل المحدود، في حين يتهم اقتصاديون أن
الحكومة الأسدية والتجار شركاء في هبوط سعر صرف الليرة، والذي عاد بالفائدة عليهم
من خلال خفض الكتلة النقدية المخصصة للرواتب والإنفاق الجاري.
الحكومة مستفيدة جزئيا من هبوط الليرة
وقال الباحث الاقتصادي “إياد.ج”،
“ببساطة انخفاض سعر صرف الليرة يخدم كل من يملك دولار سواء كدخل أو كمدخرات
أو كتمويل”.
وبين إياد أن “هذا ينطبق على الحكومة الأسدية
بصورة جزئية…فهي تملك مدخرات في مصرف سوريا المركزي بالدولار، ويأتيها تسهيلات
ائتمانية، حسب تصريحات مسؤوليها، من إيران، بالدولار، وبالتالي حينما ينخفض سعر
صرف الليرة ويرتفع سعر الدولار، فيعني ذلك أن ما تنفقه الحكومة كرواتب للموظفين
وقضايا أخرى في الإنفاق الجاري، قيمته الحقيقية تنخفض، لأنهم يعطون الموظفين رواتب
بالليرة السورية، وينفقون على القضايا الجارية بالليرة السورية أيضاً”.
وأوضح “كمثال مجازي، فراتب الموظف الذي
كان يقدّر قبل آذار 2011 بـ 9000 ليرة، كان يساوي فعلياً بالنسبة للحكومة، 200
دولار، فقد كان الدولار بـ 45 ليرة، لكن نفس الراتب الآن يساوي فعلياً 45 دولار فقط،
أي أن الوفر لصالح الحكومة يقدّر بحوالي 300%، ولو حتى أخذنا بعين الاعتبار حالتي
رفع الرواتب خلال السنتين الماضيتين، فربما يخفض ذلك الوفر الحاصل لصالح الحكومة
إلى 200%، أي أن الحكومة حققت وفراً كبيراً من قضية انخفاض سعر صرف الليرة”.
ولفت إياد إلى أن “ما سبق هو بمعزل عن
تأثير الخسائر التي مُنيت بها الحكومة بسبب العقوبات والأضرار المادية التي لحقت
بقطاعات مختلفة من الاقتصاد، وخاصة قطاع النفط…بمعنى أن الحكومة تضررت بصورة
كبيرة اقتصادياً بسبب أحداث الثورة وما نتج عنها من عقوبات خارجية ومشكلات أمنية
داخلية، لكن انخفاض سعر صرف الليرة بالتحديد، يُعتبر مفيد للحكومة من وجهة نظر
مالية صرفة”.
الفائدة للنظام الأسدي تستمر بشرط
ورأى إياد أن “هناك شرط أساسي لاستمرار
الفائدة لصالح الحكومة من انخفاض سعر صرف الليرة، هو ألا يصبح الوضع المعيشي
للمواطن السوري غير محتمل، بحيث يؤدي إلى مشكلات أمنية ناتجة عن حالات جوع أو عوز
غير مسبوقة، وهو على ما يبدو، ما يدفع الحكومة للتحرك من حين لآخر، للحد من انخفاض
سعر صرف الليرة، وإرجاعه إلى حدود معينة”.
وقال إياد “ومن جانب آخر، انخفاض سعر
صرف الليرة يخدم كل من يملك مدخرات بالدولار من المواطنين، سواء كانوا تجاراً أو
صناعيين، أو حتى من الطبقات الوسطى التي أدركت مبكراً أن الليرة إلى هبوط فحولوا
السيولة التي يملكونها إلى الدولار، فكانوا بمأمن من انخفاض القيمة الحقيقية لما
يملكون، وأصبحوا يملكون سيولة ثابتة القيمة، تجعلهم أقدر على مواجهة التضخم المتصاعد
في السوق السورية، في حال كانوا يستخدمون هذه السيولة لتمويل حياتهم المعيشية”.
وأضاف أن “أصحاب المهن والأعمال الحرة
لا بدّ أنهم يتضررون من انخفاض سعر صرف الليرة، لأن التضخم الناجم عن ذلك يؤدي إلى
تباطؤ الدورة الاقتصادية، وبالتالي محدودية العمل، لأن ارتفاع الأسعار يدفع
المواطنين إلى الحد من الإنفاق، وبالتالي تتباطأ دورة الاقتصاد، وتتباطأ
الأعمال….لكن هذه الشريحة، شريحة الأعمال والمهن الحرة، ربما تستطيع الحد من
خسائرها، نسبياً، عبر رفع أسعار منتجاتها تماشياً مع انخفاض سعر صرف الليرة
السورية”.
معتبرا أن “الخاسر الأكبر من انخفاض سعر
صرف الليرة، وهو يشكل الشريحة الأكبر في المجتمع السوري، هم أولئك الذين يمولون
حياتهم المعيشية من مداخيلهم الشهرية، كموظفي القطاع الخاص أو العام، فأولئك
يقبضون رواتبهم بالليرة السورية، التي تراجعت قيمتها بنسبة تقارب الـ 300% الآن،
أي من يقبض راتب شهري قدره 25 ألف ليرة، قيمته الحقيقية الآن تقارب الثمانية آلاف
ليرة”.
وأوضح أن “هذه الشريحة هي الأكثر
تضرراً، والتي بدأ تراجع الليرة يهدد قدرتها على تحقيق الكفاف معيشياً ويهددها
للانتقال إلى حالة “العوز المعيشي”، وهي الشريحة الأكبر في المجتمع
السوري دون شك، فحسب الإحصاءات الدولية قبل أحداث العام 2011، كانت الأرقام تشير
إلى أن كل عائلة دخلها الشهري يقل عن 25 ألف ليرة، بمعادل سعر الدولار 45 ليرة
سورية، هي على خط الفقر، أو الكفاف المعيشي، فما بالك حينما تصبح القيمة الحقيقية
لدخلهم 8 آلاف ليرة…تستطيع أن تتصور كم تضخمت الشريحة التي تدخل في نطاق
“الكفاف المعيشي”، وكم تضخمت الشريحة التي هي في نطاق “العوز
المعيشي”، وكم يبلغ تعداد من ينتقلون من حالة “الكفاف”، إلى حالة
“العوز” بصورة مستمر، تحت تأثير انخفاض سعر صرف الليرة، وما ينتج عنه من
تضخم في الأسعار”.
من جانبه، قال الاقتصادي “سليمان. م”،
إن “انخفاض سعر صرف الليرة تزامن مع تدهور الأوضاع الأمنية في البلاد، نتيجة
العنف المفرط الذي اعتمده النظام لقمع مناهضيه، والذي تسبب بإغلاق ألاف المنشآت
الاقتصادية، حيث انخفضت الكتلة السلعية، بالنسبة للطلب، ما رفع أسعارها بشكل كبير،
بالتزامن مع ازدياد الطلب على الدولار، بسبب تخبط النظام ما هز الثقة في الليرة
السورية”.
لعبة من المركزي
وذكر سليمان أن “النظام واجه بداية
الأزمة هروب مئات مليارات الليرة إلى خارج البلاد، باستنفار رؤوس الأموال الموالية
له، إضافة إلى احتياطي المصرف المركزي من القطع الأجنبي، لكن الأمور تزداد سوء مع
تراجع الإنتاج، وقلة القطع الأجنبي في البلاد”.
معتبرا أن “ما يجري في البلاد لعبة
يتشارك فيها المصرف المركزي والمضاربون، حيث أن الطلب الذي يفتعله المتعاملون في
سوق القطع، ينجح في رفع سعر الدولار، ويستدرج رد فعل من المصرف المركزي الذي يدفع
بجزء من احتياطه في السوق، ما يسبب إعادة خفض سعر الدولار إلى حين، ثم يرتد لكسر
السعر الأعلى السابق، وتتكرر العملية”.
وأكد سليمان أن “خفض سعر صرف الليرة يخفض،
قيمة كتلة الأجور التي يدفعها النظام والقطاع الخاص، وهذا يحمل المواطن ذا الدخل
المحدود أعباء معيشية بخفض قدرته الشرائية، ما قد يصل به إلى العوز الشديد، ما
يهدد استقرار النظام في مناطق سيطرته”.
وكانت تقارير اقتصادية أفادت أن المصرف
المركزي اتخذ عدة قرارات ساهمت في خفض سعر صرف الليرة، منها قرار يسمح للمصارف
الخاصة ومكاتب الصرافة ببيع وشراء الدولار، وطرح الدولار للمزادات العلنية في الأسواق،
وتسريبات عن دراسة تعويم الليرة، وقرارات خاصة بعدم تمويل مستوردات بالقطع
الأجنبي، إضافة إلى التناقض في القرارات المتخذة من قبل الجهات الاقتصادية، ما لعب
دورا سلبيا في ثقة المواطن بالليرة، ما جعله يحول ما يملك من مدخرات بالليرة
السورية إلى دولار”.
يشار إلى أن مصرف سوريا المركزي قام خلال شهر
تموز الجاري، بإجراء عدة جلسات تدخليه، ضخت من خلالها عشرات ملايين من القطع
الأجنبي إلى السوق، في حين أقرت الحكومة قانون يجرّم المتعاملين بغير الليرة
السورية، ما تسبب بارتفاع سعر صرف الليرة، في وقت يحذر اقتصاديون من عدم تواصل هذه
الإجراءات لحين انعكاس ذلك إيجابيا على المواطن، وإلا ستكون لها نتائج سلبية كبيرة
على الليرة والاقتصاد السوري.