عبد
القادر عبد اللي
هددت
جريدة البرافدا الروسية بضرب السعودية وقطر وتركيا بتهمة دعم الإرهاب. وفي الوقت
نفسه نشرت أخباراً تقول: “إن روسيا قضت على ثمانين بالمائة من داعش خلال أقل
من شهرين”. من المؤكد أن إعلام النظام السوري عندما ينقل هذه الأخبار لا
يصدقها، لأنه على الأرض ويعرف تماماً ما يجري، ولكنها تحظى بقبول شبه مقدس لدى
الشيوعيين الأتراك. وبالمناسبة هناك كثيرون منهم مازالوا يرددون: “أن ما يجري
هو أفلام صُوّرت في استديوهات الجزيرة في قطر، وأن ما نراه هو مجرد خدعة بصرية”..
إضافة إلى أن شاحنات النفط التي عرض بوتين صورها في اجتماع العشرين، واتهامه غير
المباشر لتركيا بدعم داعش مالياً تأخذ حيزاً كبيراً من الإعلام اليساري التركي،
وهي مقدسة، وحتى إن “السخرية منها” دليل على انتماء الشخص إلى داعش،
وبالطبع المقصود غير السوري، لأن السوري بالنسبة لهؤلاء هو داعش طالما لم يقاتل
دفاعاً عن الولي الفقيه.
من
جهة أخرى استدعت الخارجية التركية سفير روسيا الاتحادية في أنقرة، وأبلغته رسمياً
احتجاجها على قصف الطائرات الروسية للقرى التركمانية على الحدود السورية التركية،
وطالبت روسيا بشكل رسمي بوقف قصفها للمناطق الحدودية مع سورية.
بالمقابل
أعلن بشكل رسمي لأول مرة بأن المعارضة السورية المسلحة حررت بعض المواقع شمال حلب
بغطاء جوي شاركت فيه طائرات تركية إضافة إلى قصف مدفعي من خلف الحدود التركية إلى
مواقع داعش، وتم قتل عدد كبير من أعضاء التنظيم وأسر آخرين في هذه العملية. ومن
جهة أخرى فقد أعلنت وسائل إعلام تركية عديدة بأن الطائرات التركية قصفت مواقع
للحزب الديمقراطي الكردستاني في تل أبيض، وهذا يعني استمرار الصراع التركي-الكردي،
وغض طرف الولايات المتحدة الأمريكية عن عمليات الجيش التركي ضد الحزب الذي تقول
إنه حليفها حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي.
ثمة
تفصيل آخر ملفت هذه المرة، صحيح أن النظام السوري ادعى مرات عديدة بوجود مقاتلين
من الجيش التركي يقاتلون ضده في سورية، ولكن الأمر طالما أخذ على محمل الممازحة،
ولكن الحقيقة أن عناصر مقاتلة تحمل الجنسية التركية كانت منذ اندلاع الاشتباكات في
الشمال السوري تقاتل مع مختلف الأطراف في سورية، وإذا كانت أغلب هذه العناصر من
الأكراد، وتقاتل في صفوف حزب الاتحاد الديمقراطي، فهناك عدد مهم منها يقاتل مع
داعش، وعدد لا يقل أهمية يقاتل مباشرة مع النظام السوري، وخاصة في منطقة اللاذقية.
ولكن الجديد هذه المرة هو إعلان “مآوي آلبيرانلر” عن إرسال قوة طليعية
مؤلفة من مائتين وخمسين عنصراً “لحماية القرى التركمانية شمال اللاذقية”،
بحسب تصريح هذه الجماعة.
“آلبيرانلر”
تنظيم يميني تركي يعمل على مساعدة الأتراك خارج الجمهورية التركية، وهو متهم بأنه
تنظيم ميليشاوي يقاتل ضد الأكراد بشكل غير رسمي، وقد أعلنت هذه الجماعة قبيل
الانتخابات الأخيرة التي جرت في الأول من كانون الثاني في تركيا تأييدها لحزب
العدالة والتنمية، وطلبت من جماهيرها التصويت له، وقد كانت فيما مضى تصوت على
الأغلب لحزب الوحدة الكبرى (القومي)، وهذا ما يجعل تصنيف هذه الجماعة السياسي
يندرج على يمين العدالة والتنمية، أي أنها من جماعة الذئاب الغُبر. أعلنت هذه
الجماعة عن جمع تبرعات لتقديمها لتركمان اللاذقية لتمكينهم من الصمود قبل هذه
المرة، ولكنها اليوم أعلنت البدء بالتجنيد، وهذه المرة الأولى بعد قرابة خمس سنوات،
تعلن قوات غير رسمية تركية أنها ستدخل المعركة في سورية إلى جانب التركمان ضد
الأسد، لأن السلطات التركية تعتبر أن أعضاء داعش وحزب الاتحاد الديمقراطي ليسوا ضد
الأسد، بل على العكس تتهم هذين التنظيمين معاً بأنهما يتحالفان مع الأسد.
تحرك
حوالي أحد عشر ألف جندي تركي إلى الحدود مع سورية، والإعلان من الولايات المتحدة
وتركيا عن قرب البدء بعملية سميت “إغلاق الحدود” مع سورية، فهل ستغلق
الحدود فقط، أم سيبعد تنظيم الدولة عن هذه الحدود أيضاً كما تقول التصريحات
الرسمية التركية؟
كل
هذه الأحداث جرت بعيد انفضاض قمة العشرين في أنطاليا التي أعلن فيها الجميع
تقريباً عن فشلهم بالتوصل إلى أي اتفاق في الموضوع السوري، فهل هذه التطورات جاءت
نتيجة عدم الاتفاق، أم اتفاق سري على شيء ما؟
لا شك
أن خبر الشرق الأوسط المستند إلى مصدر أمني تركي -لم يفصح عن اسمه كالعادة- حول
قرب إعلان المنطقة الآمنة جاء قراءة مبنية على هذه التطورات إن لم يكن معلومات. ولعل
هذا ما يثير الدب الروسي، ويجعله “يقهقع” مهدداً بإعلان الحرب ضد
السعودية وقطر وتركيا، وبالمقابل يطلق الذئب الأغبر عواءه…
المنطق
يقول إن الأمر بين تركيا وروسيا لن يتجاوز القهقعة والعواء، فهما يتمازحان لأن
مصالحهما أكبر بكثير من إمكانية التخلي عنها، ولكن مزاح الدب والذئب لا بد أن يسفك
كثيراً من الدماء…
صدى الشام موقع يهتم بما وراء الحدث