الرئيسية / مجتمع واقتصاد / مجتمع / التحرّش كأداة لفرض هيمنة الرجل

التحرّش كأداة لفرض هيمنة الرجل

صدى الشام _ شبكة المرأة السورية/

لا يقتصر تعرّض المرأة للتحرش الجنسي، خصوصاً في العمل، على عالمنا العربي، بل يتجاوزه إلى أكثر دول العالم تطوراً. ومع ذلك نجد تقاطعات كبيرة في كيفية التعاطي مع هذه المسألة الحساسة وردود الأفعال بغض النظر عن الخلفيّة الثقافيّة والاجتماعيّة للضحية ومن حولها.

فالتحرّش الجنسي في العمل وغيره من أهم الأسباب التي تلحق الأذى بالمرأة، وهو من المسكوت عنه ليس في العالم العربي فحسب بل في معظم دول العالم. حيث يستعمل العديد من أرباب العمل مناصبهم ونفوذهم لاستغلال الموظّفات للوصول إلى مقاصد جنسيّة مقابل ترقية أو زيادة في الراتب أو حتى إبقاء ضحيّة التحرش في عملها. لكن تلك الظاهرة لا تقتصر على رب العمل، حيث تظهر الاستطلاعات أن زميل العمل قد يستغل ثقة زميلته التي قد لا تدرك أن بعض سلوكياته تحرشيّة كما في حالة رب العمل فتعطي زميلها مساحة أكبر من الأمان، بالإضافة طبعاً إلى المضايقات والتحرشات التي قد تتعرض لها المرأة من طرف ثالث خارجي كالزبائن، في حال كان عملها يقتضي الاحتكاك المباشر معهم.

تحدّيات مختلفة

لكن أكبر التحديات التي تواجه حصر حالات التحرش هي لجوء معظم من يتعرضن للتحرش للصمت خوفاً من العادات والتقاليد أو حرصاً على عدم فقدان الوظيفة، بحيث يصعب الوصول إلى إحصاءات محددة أو أرقام واقعية توضح حجم المشكلة.

عندما يُنطق بكلمة “تحرش” فإن أوّل ما يتبادر للذهن هو فكرة الجنس، لكن المسألة أعقد من ذلك وأبعد، حيث يمكن أن يشمل التحرش الجنسي تعليقات ذات طابع جنسي غير مرحّب بها، أو عرض صور مسيئة على حائط المكتب أو واجهة الحاسوب، أو تلامساً جسدياً غير مرغوب فيه، أو رسائل مخلّة عبر أي من وسائل الاتصالات، أو توجيه نظرات شهوانية وغمزات.

وفي العالم العربي نجد أن الظاهرة تتنامى بشكل كبير نتيجة نقص الوعي في المجتمعات العربيّة تجاه دور المرأة العملي، وقد كشفت دراسات عربية أن التحرش الجنسي بالمرأة في العمل هو عقاب للمرأة لخروجها عن دورها التقليدي في المنزل، وتحررها من قيود المجتمع وخروجها إلى العمل. وبيّنت أن نسب التحرش تزداد في الوظائف التي كانت سابقاً حكراً على الرجال واستطاعت المرأة الوصول إليها، مما يشعر الرجل بالتهديد ويحاول تقويض عمل المرأة وكسر نفسيتها بالتحرش بها وكوسيلة لبسط السيطرة.

ومن هذا المنطلق يذكر علماء النفس أن التحرش لا تحرّكه في جميع الحالات الرغبة الجنسية بل الحاجة لإثبات القوة وتوجيه الاهتمام إلى أنثوية المرأة بعيداً عن جهودها المبذولة في العمل. لذا يعتبر التحرش الجنسي نوعاً من التمييز الجنسي تجاه المرأة الذي قد يأخذ أشكالاً أخرى في العمل كالتقليل من أهميتها والاستخفاف بقدراتها، وتصيد أخطائها، والتشهير بها.

إن أحد أهداف تحرش الرجل بالمرأة، إشعارها بأنها ضعيفة، لكن يختلف منظور التحرش بين الرجل والمرأة، فالرجل يرى بأنه بدأ بالتحرش عندما لاطف المتحرش بها، أما المرأة فترى أنه تم التحرش بها عندما بدأ المتحرش بالسؤال والتدخل في حياتها الشخصية.

فقد قام الباحثون بدراسة في إحدى الجامعات وقدموا السيناريو الافتراضي التالي لمجموعة من الرجال والنساء:

تحصل امرأة على وظيفة تدريسية في إحدى الجامعات، فيدعوها المشرف عليها إلى غداء عمل لمناقشة أبحاثها، وبدلاً عن مناقشة البحث يكون الحديث طوال الجلسة عن حياتها الشخصية، وبعد جلستين كهذه بدأ بملاطفتها.

وكان السؤال لكل من الرجال والنساء “متى بدأ التحرش الجنسي؟”

بنظر معظم النساء بدأ التحرش الجنسي في الغداء الأول عندما كان الحديث عن حياتها الشخصية بدلاً من أبحاثها، أما بنظر معظم الرجال حدث التحرش عندما بدأ بملاطفتها.

وتشعر معظم النساء اللواتي يتعرضن للتحرش بالذنب وأنها سببت ذلك لنفسها فتقوم عادة بتغيير شيء ما في شكلها كأن تغيّر في تسريحة شعرها أو نمط لباسها. لكن على المرأة ألا تواجه التحرش بالصمت أو المزاح أو تأخذه على أنه إطراء. وأن لا تظن أن تجاهل هذه الأفعال سيؤدي إلى ملل المتحرش وابتعاده عنها.

وغالباً ما تتسم ردود أفعال ضحايا التحرش بالسلبية، فإن استطاعت المتُحرش بها تجاوز حواجز الأسرة والمجتمع وقامت بتقديم شكوى ضد المتحرش، قد ترفض هذه الشكوى لصعوبة إثبات التحرش وتقاعس الزملاء عن الشهادة لصالح المتُحرش بها إن كان المتحرش هو رب العمل، فمن الممكن أن يتسبب ذلك لهم بالفصل أو الحرمان من الترقية لأن معظم الدول لا تحمي قوانينها الشهود ضد المتحرش، أما في حال كان المتحرش زميلاً في العمل فإن رب العمل يفضّل أن يجنب شركته تلويث سمعتها ويتجنب كذلك الوقوف إلى جانب الضحية.

نتائج

لكن من شأن تعرض المرأة العاملة للتحرش بها جنسياً أن يؤثر سلباً على حالتها البدنيّة والنفسيّة، ومن أهم تلك التأثيرات الكآبة فقد يسبب التحرش الجنسي بالمرأة اكتئاباً طويل الأمد ناتجاً عن التشكيك ولوم النفس. بالإضافة إلى اضطرابات ما بعد الصدمة حيث ربطت العديد من الدراسات بين التعرض للتحرش الجنسي ومواجهة اضطرابات ما بعد الصدمة والتي تشمل تكرار عيش الحادثة والانعزال عن الناس. كما قد ينتج عن الضغط النفسي الذي تتعرض له المرأة بسبب حادثة التحرش مرض ارتفاع ضغط الدم، ومشاكل في النوم كالأرق والكوابيس الناتجة عن تخيل الحادثة والقلق من آثارها.

كما أن للتحرش الجنسي آثار على أداء واستمرارية المرأة في العمل، فانعدام الشعور بالأمان على الجسد والكرامة الشخصية يثير قلقها ويسبب تضاؤل ثقتها بنفسها مما يشتت تركيزها عن العمل وأداء مهامها بشكل كبير، فضلاً عن شعورها بالعجز وكراهية العمل والرغبة فى التغيّب عنه، والذي قد يتسبب لها بالطرد. وفي بعض الحالات يكون الضغط كبيراً مما يدفع الضحية للاستقالة وتفضيل البطالة على الإهانة.

يسبب التحرش أيضاً اضطراباً في علاقات الضحية الأسرية والاجتماعية، فخوفها من المتحرش وملامة المجتمع والأسرة يدفعها للصمت وإخفاء معاناتها عمّن حولها تجنبا لنتائج أكثر ضرراً في نظرها، قد تشمل إبعادها عن العمل وعدم السماح لها بالخروج من المنزل وأحيانا تعرضها لأذى جسدي من الأب أو أحد الأخوة باعتبارها سببت عاراً للعائلة، وإن كانت متزوجة فقد يتسبب ذلك بمشاكل مع الزوج قد تصل في بعض الحالات إلى الطلاق. لذا فإن هذا الضغط والكتمان والذي من الممكن أن يصيب الضحية بالاكتئاب، قد يضعها في عزلة عن الأسرة والأصدقاء. وقد يؤدّي كذلك تغير نظرة المرأة للرجال ونفورها منهم.

نصائح

ينصح الاختصاصيون النفسيون بالحصول على علاج نفسي في هذه الحالات، لتصحيح نظرة المتحرَّش بها تجاه الحادثة وإبعادها عن الإحساس بالذنب وتقوية شخصيتها، وتحفيزها على الدفاع عن نفسها من موقع قوة أمام المتحرش والمجتمع. كما أن توفر الرادع القانوني تجاه التحرش هو أمر ضروري وخاصة في العمل وذلك لتحويله لمناخ لائق بالمرأة والرجل على حد سواء ولمنع التجاوزات غير المرغوب بها.

ومن الضروري أيضاً تثقيف المرأة وتدريب المرأة العاملة على أن تكون أكثر مواجهة وأكثر دراية بحقوقها في المجتمع وعلى تبنّي ردودد أفعال حازمة إزاء بوادر التحرش، فضلاً عن مواجهتها بصرامة إذا حدثت، وبشكل فوري، واتخاذ إجراءات قانونيّة تجاه هذه الأفعال، حتى لا تدفع هى الثمن من راحتها الجسديّة والنفسيّة واستقرارها الأسري والمجتمعي.

كما أنه من الضروري معالجة المشكلة من جذرها، والمتمثلة في المتحرش. فيجب توعية الشبان العاملين تجاه سلوك المرأة الزميلة لكي لا يسيء فهمه. فيجب أن لا يعتبر سلوكها الودود تجاهه دعوة للتحرش بها، أو أن أناقتها واعتناءها بجمالها هو محاولة منها لاستثارته. ويجب أيضاً تعريفه بالإجراءات الرادعة تجاه المتحرش. ويجب على الرؤساء وضع سياسات واضحة للتعامل مع المتحرش بحزم، وتعريف العاملين بها، والعمل على ترسيخ بيئة عمل آمنة وخالية من التحرش. أما عن المرأة العاملة فيجب تشجيعها على مواجهة التحرش والإبلاغ عنه فور حدوثه، ووضع ضوابط للعلاقات مع الزملاء والمرؤوسين في إطار العمل، وأن تحرص على الفصل بين علاقة الزمالة والصداقة بين العاملين معها. وهكذا فإن الدور الأكبر يقع على المجتمع لتوعية أبنائه على مواجهة التحرش وتقدير المرأة وأهمية عملها.

شاهد أيضاً

حرب الملصقات بين انصار اللباس الشرعي واللباس الحر

على صفحات الفيسبوك، وعلى جدران الشوارع، تدور في هذه الايام معارك ملصقات بين انصار اللباس …

كفى صمتاً: في اليوم العالمي لمناهضة العنف، نساء سوريات يروين قصصهن

مريم سريول – صدى الشام العنف ضد النساء: أزمة عالمية مستمرة على مدار عقود، كان …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *