صدى الشام- مصطفى محمد/
لا تعرف على وجه الدقة جنسية زوجها الذي تركته في ريف دير الزور الشرقي بطلب منه، ولا تهتم كثيراً لذلك، لأن لدى (ح ج) شيء آخر يستحق الاهتمام أكثر من ذلك التفصيل الذي لم يعد يعني لها شيئاً، فهي اليوم لديها رضيعتها التي جاءت بها من “أرض الخلافة”.
قصة (ح ج) التي يرويها أحد أقاربها لـ”صدى الشام”، تحكي حادثة زواج عنصر أجنبي من مقاتلي تنظيم “داعش” بامرأة سورية، تبلغ من العمر 34 سنة.
من منطقة إلى أخرى
بدأت حكاية (ح ج) في العام 2015، مع انتساب شقيقها ومعيلها بحكم وفاة والديها، إلى التنظيم، ما اضطرها للانتقال من أحياء حلب الشرقية والإقامة في مدينة الباب بريف حلب الشرقي.
وبحكم أن شقيقها هو المعيل لها، فقد اختار لها زوجاً من “الإخوة المهاجرين” الذين يتكلمون اللغة التركية، وكان عليها أن تقبل بهذا الزوج، “فهو من الصدق والشجاعة والدين بما يكفي لأن يكون زوجاً صالحاً”، كما يقول أخوها.
حينها قبلت (ح ج) الزواج، وبعد مرور عام على زواجها بدأ الخناق يضيق على التنظيم، لتستقر برفقة زوجها مع بداية العام الجاري في مدينة الميادين بريف دير الزور الشرقي، وهناك وضعت مولودتها الأولى.
وقبل نحو ثلاثة أشهر من الآن، وبعد أن اشتد الخناق على “داعش” وتقلصت مناطق سيطرته إلى درجة غير مسبوقة، أخبرها زوجها بأن عليها العودة مع رضيعتها إلى ديار أهلها بريف حلب الشمالي، قائلاً لها “نحن هنا سنموت لا محال”، وما كان على (ح ج) إلا أن تنفذ ما هو مطلوب منها، وهي التي كانت فقدت شقيقها بعد مقتله في إحدى المعارك قبل نصف عام.
يقول قريبها، “استغرقت رحلتها من دير الزور إلى ريف حلب الشمالي ما يقارب الشهر ونصف الشهر، واستقرت الآن عند عمها”.
واحدة من مئات
(ح ج) ليست المرأة السورية الوحيدة التي تركها زوجها الأجنبي وغاب عنها، إذ يؤكد عضو المجلس الإسلامي السوري، الدكتور حسن الدغيم، أن “هناك نحو 200 امرأة مهجورة في إدلب لوحدها، تركهن أزواجهن الأجانب الذين لم تعرف أسماؤهم الحقيقة، وذلك عقب انحسار سيطرة التنظيم عن ريف المدينة (حلب) في عام 2014″.
ويضيف الدغيم في حديثه لـ”صدى الشام” :”لقد توجه الأهالي إلينا كمجلس إسلامي لبيان صحة هذا الزواج من الناحية الشرعية، لكن المجلس لم يستطع إصدار فتوى بتحريم هذا النوع من الزواج كون العقد فيه مستكمل الشروط”، ويوضح أنه مع دخول المقاتلين الأجانب إلى الأراضي السورية، ونظراً للضرورات الأمنية المتعلقة ببلدانهم الأصلية، فقد عُرفوا بأسماء مستعارة، مثل أبو محمد المصري، وأبو عبادة الجزائري والقائمة تطول، ويتابع الدغيم “كنا كمجلس إسلامي نعتقد أن هذه الظاهرة ستنحسر بعد انحسار التنظيم، لكنها ما زالت موجودة ولذلك بات لزاماً علينا استصدار فتوى بها”.
خطوة متأخرة
وعقب ذلك، وفي خطوة وصفت بـ”المتأخرة”، أفتى المجلس الإسلامي السوري بـ”حرمة زواج السوريات من الأجانب مجهولي الاسم والنسب، وذلك لما ينتج عن الأمر من أضرار”.
وجاء في نص الفتوى التي اطلعت عليها “صدى الشام” أنه “لا يجوز للولي تزويج الفتاة من رجل يخفي اسمه ونسبه، لما يترتب على ذلك من أضرار ومفاسد شرعية واجتماعية، ولمخالفته مقاصد الشريعة في الحفاظ على الأعراض والنسب واستقرار المجتمع”.
وأوضح النص أن “الزواج من مجهولي النسب لا يبطل الزواج شرعاً، كما أن الولد الناتج عنه يعتبر شرعيًّا، إلا أن من شأنه تضييع حق المرأة في معرفة زوجها وعائلته، كما يضيع حقها بالميراث ويبقيها معلقة في عصمته، و يعرضها للفتنة عند غياب زوجها، وعدم معرفة المحارم (أقارب الزوج)”.
الحالات السابقة صحيحة
وتعليقاً على الأمر، قال عضو أمناء المجلس الإسلامي السوري، الشيخ تاج الدين التاجي، إن الفتوى جاءت بعد تسجيل حالات زواج سوريات بأزواج أجانب غير معروفين، نظراً للضرورات الأمنية.
وبالرغم من صحة عقد الزواج من الناحية الشرعية في حال كان الزوج مجهول النسب حاضراً بشخصه، إلا أن المجلس أفتى بحرمة تزويجه، بسبب ما ينطوي على هذا العقد من مشاكل.
وفي هذا الإطار، أكد التاجي لـ”صدى الشام” أن لغياب الزوج غير معروف الجنسية آثاراً سلبية كثيرة على الزوجة والأولاد، وقال “من هنا جاءت هذه الفتوى، لتبين حرمة هذا النوع من العقود”.
واستدرك “لكن الحرمة الشرعية شيء والصحة شيء آخر”، مبيناً أن “هذه الفتوى لا تعني أن حالات الزواج السابقة غير صحيحة، وإنما هي عقود شرعية مستكملة الشروط، غير أن الفتوى الأخيرة حرمت هذه النوع بسبب الأضرار الناجمة عنه فقط”.
ما مصير الأولاد؟
تدرك (ح ج) بحسب قريبها، أن مستقبلاً مجهولاً ينتظر رضيعتها، التي لا يُعرف مصير والدها ولا اسمه ولا جنسيته، غير أن هذه الأسئلة المؤجلة لا تؤرقها كثيراً، بقدر التفاصيل التي تحتاج إلى أجوبة عاجلة، يقول قريبها، “لا تعلم أين تذهب بحالها وبطفلتها التي تحتاج تعباً ومصاريف كبيرة حتى تبلغ رشدها”.
يذكر أن جهات قانونية، من بينها تجمع المحامين السوريين الأحرار، كان حذر من مخاطر وآثار هذا النوع من الزواج، مشيراً في حملات توعوية سابقة إلى استحالة استصدار أوراق قانونية وثبوتية للأطفال من هذه الزيجات، الأمر الذي يؤدي إلى حرمانهم من الجنسية والتعليم وغيرها من الحقوق.