صدى الشام _ جلال بكور/
“من أولوياتنا الحفاظ على أمن إسرائيل”، لطالما رددها الكثير من حلفاء نظام الأسد وحلفاء محور الممانعة والمقاومة، وعلى رأسهم روسيا، وردّدها النظام في بداية الثورة بعبارة (أمن إسرائيل من أمن سوريا) وربما كانت زلة لسان فضحت ذلك النظام.
الكلّ يعلم بأن دبابات النظام ظلت أكثر من أربعين سنة بعيداً عن الحدود مع الأراضي المحتلة من إسرائيل، ولم تتحرك إلا عندما طلب الشعب حريته وثار على نظام الأسد ابن “بائع الجولان” كما يصفه السوريون الثائرون.
جاء بعد ذلك دور “حزب الله” الممانع والمقاوم والذي بات يوصف اليوم بـ “المقاومة الوطنية” بديلاً عن “المقاومة الإسلامية” وهو الذي لطالما ادعى أن طريق القدس يمر من حلب، وعندما لقيت تلك الادعاءات سخرية تحولت شعاراتها إلى إنقاذ المراقد والدفاع عن زينب.
اليوم أكبر حليف لإسرائيل والأب الحنون أمريكا، يمنع أي فصيل عسكري في سوريا من قتال النظام؛ العدو المفترض المقاوم الممانع لإسرائيل الذي تحفّظ على الضربات التي تلقاها منذ أربعين سنة وحتى اليوم، ولم يجرؤ على إطلاق رصاصة نحو إسرائيل.
لماذا تمنع أمريكا وإسرائيل قتال النظام وتريد قتال “داعش” فقط؟ ولماذا يُسمح للنظام بالسيطرة على مواقع “داعش” ولا يسمح للمعارضة بذلك إلا لمن يكفّ عن قتال النظام؟! كل ذلك دون أن ننسى أن هدنة الجنوب لم تتم إلا لضمان أمن إسرائيل وبموافقتها، ورعاة الاتفاق هم حلفاؤها.
في ذات الشق هادن النظام أكثر الميليشيات الكردية دعماً من إسرائيل وحلفائها، ولم يهادن فقط بل تقاسم معها الإدارة وعائدات النفط، وشكّل معها حلفاً ضد الثورة وقاما بالانتهاكات سويةً.
أكبر المناطق التي كانت تشكل خطراً على إسرائيل بفعل علاقة “حزب الله” بالنظام هي طريق الإمدادات التي تمرّ بالقلمون الغربي من دمشق الى لبنان، وقبلها طرق القصير، فكيف تسمح إسرائيل اليوم بسيطرة الحزب على تلك الطرق وهي لطالما قصفت أرتالاً له هناك بحجة الحفاظ على أمنها؟ ولماذا تمنعه من الوصول إلى التّنف شرقاً؟.
معادلة الحل اليوم في سوريا لن تخرج عن قاعدة (حفظ أمن إسرائيل)، ولعل ذلك هو أحد أسباب ارتماء بعض من يُسمون أنفسهم المعارضين لنظام الأسد في حضن إسرائيل، ومحاولة كسب ودها ورضاها، مثلما قام النظام وحلفاؤه خلال العقود الماضية.
إسرائيل اليوم باتت تعلم أن ورقة الممانعة التي لطالما حمتها وحافظت على أمنها لعقود أصبحت اليوم فارغة ولا يمكن أن تستمر، ولو شاءت إسرائيل لكانت ارتكبت المجازر في حرم المسجد الأقصى وقتلت الآلاف لكنها لا تريد إحراج حلفائها الممانعين اليوم ولا تريد فضحهم أكثر من ذلك.
ولم تأتِ استجابة إسرائيل لضغوطات الشباب الفلسطيني فقط لأنها تعرضت للضغوط، إنما كي تترك مجالاً للمزايدات المستمرة والتخوينات المتبادلة بين دول الخليج وإيران، وهي لا تريد إحراجهم خاصة في هذه المرحلة الحرجة من الدفاع عن أمنها في المنطقة.
أدخلت إسرائيل وحلفاؤها الجنوب السوري في مرحلة التخدير التي تسبق العملية الجراحية، ربما ريثما يتمكن النظام من استعادة كل ما بيد حليفه “داعش” في البادية ودير الزور وحماة، وبعدها يطبق السيناريو المعتاد في الجنوب إما بمصالحة النظام أو التهجير، وفي الغوطة كذلك وريف حمص، وتنحصر المعركة الكبرى بعيداً عن حدود إسرائيل التي ستبقى تزهو بالهدوء والأمان.
تعامل المجتمع الدولي ومجلس الأمن مع نظام الأسد وجرائمه بحق السوريين كما تعامل تماماً طيلة عقود مع جرائم اسرائيل في فلسطين، إما بـ “فيتو” على قرار إدانة أو عقوبة، أوبعدم تطبيق القرار أو الالتزام به واحترامه حتى، مع العلم أن جرائم إسرائيل لا تذكر أمام هول جرائم النظام، لكنها تمّت الطريقة نفسها وتم التغاضي عنها بالطريقة ذاتها.