ريان محمد
اشتكى
سوريون من ضيق العيش، الذي أطبق عليهم، وعجزهم عن تأمين قوتهم اليومي، مع مواصلة
أسعار المواد الغذائية ارتفاعها خلال الفترة الماضية، حيث تقدر نسبة ارتفاعها
بـ100% مقارنة مع الشهر الماضي، في ظل حديث للنظام عن تشديد الرقابة التموينية
والتسعير الإداري لبعض المواد الغذائية الرئيسية، والتي أثبتت أنها لم تستطيع إلى
الآن أن توقف بركان الأسعار، الذي يحرق الأسرة السورية بشكل يومي.
أبو وجدي،
موظف يقيم في دمشق، يشكو حاله لــ”صدى الشام”، قائلاً: “أسرتي
بحاجة إلى ألف ليرة سورية للغداء، أي 30 ألف ليرة في الشهر، ما عدا الفطور
والعشاء، وإن حسبناهما بنصف تكلفة الغداء، فأصبحنا بحاجة إلى 45 ألف ليرة، وراتبي
لا يتجاوز 20 ألف، فأي حياة تسألني عليها، وأبنائي الأربعة منذ أكثر من عام لم
يتذوقوا أي نوع من اللحومات أو الفواكه”.
يتابع:
“أعباء الحياة المعيشية تزايدت بشكل غير معقول خلال السنة الماضية، وارتفاع
الأسعار حرم أبنائي من الدراسة, فقط أبقيت على أصغرهم في الصف الثاني لكي يتعلم القراءة
والكتابة؛ لم يعد لدي القدرة أن أتكفل بمصاريف دراستهم، وكم أدعو لله أن لا يمرضني
أو يمرض أحد أفراد عائلتي، لأني لن أستطيع معالجته”.
من
جانبها، أم أحمد، أم لثلاثة أطفال، تشكو قصر يدها عن قوت أولادها: ” لم نعد
نستطيع أن نحصل على ما يسكت أنين بطوننا من الجوع، فزوجي يعمل عاملاً مياوماً، وفي
هذه الأيام السوداء تمر عليه أيام طويلة، لا تدخل جيبه ليرة سورية واحدة”.
وعن كيفية
تأمينها قوت عائلتها، تقول أم أحمد: “لقد عانيت الأمرين مع زوجي، ونحن نحاول
إبعاد الجوع عن أبنائنا، كنا نشتري أسوأ أنواع الخضار ونطعمهم، لكن في الأشهر
الأخيرة لم نعد قادرين حتى على ذلك، فصرت أذهب كل يوم إلى سوق الهال (سوق الخضار
المركزي بدمشق)، ألتقط حبات الخضار التي قد تسقط من سيارات نقل الخضار أثناء
التحميل والتفريغ، أجمع منها ما أستطيع، لأؤمن طعام أبنائي”، تستدرك قائلة:
“لا تظن أن الأمر بتلك السهولة، يكفي نظرة الناس في السوق وطردهم لي ومضايقتي
وتحرشهم، لم أكن أتوقع يوماً أن أفعلها، لكن بكاء أبنائي جوعاً لم يترك لي خياراً”.
من جهته،
قال يوسف، بائع خضار مفرّق في دمشق، إن “الأسعار أصبحت خيالية، عندما أذهب
لسوق الهال أحتار ماذا أجلب من بضاعة للمحل، والسؤال الذي يدور بذهني من سيشتري
بهذه الأسعار، والحي الذي أقطن به سواده من الفقراء، كما أنه يغص بالنازحين نتيجة
الأحداث التي تعيشها البلاد، كان بعضهم منذ عام يقاسم المحتاجين طعامه، لكن اليوم
لم تعد تجد من يستطيع أن يكفي نفسه”.
وأضاف
“ويزيد الطين بله تصريح السلطات عن تسعير للمواد الغذائية، وانخفاض الأسعار
وانجازاتها الوطنية، فيطالبني الزبون بأن يرى ما تحدثوا عنه، لكني لم أر هذا
الكلام لدى تجار الجملة، وعندما حدثتهم به متسائلاً: “متى ستنخفض الأسعار؟”
ضحكوا قائلين: “خلي يلي حكى يبيعك”.
وعن أسباب
ارتفاع أسعار الخضار والفواكه السورية، يقول لنا سليمان، سائق سيارة نقل، “إن
الأسعار لدى المزارع ليست مرتفعة إلى هذه الدرجة، لكن نقلها إلى دمشق يكلف كثيراً،
فسعر المازوت مرتفع، والوقت الطويل الذي نقضيه على الطرقات يرفع تكلفة النقل،
فالطريق الذي كان يستغرق ساعتين لنصل قلب دمشق، أصبح بحاجة إلى 8 ساعات وربما
أكثر، جراء كثرة الحواجز وعملية التفتيش، التي تتطلب إفراغ معظم الحمولة وإعادة
تحميلها، أضف إلى ذلك ما نخسره من بضائع على تلك الحواجز جراء أخذها من قبل
القائمين عليها، كل ذلك سيتحمله في النهاية المواطن”.
وبيّن
سليمان أن “كثيراً من البضائع لا تطرح في السوق، وإنما تباع إلى بردات
وبأسعار جيدة، بعضهم يقول إنها للتخزين والبعض الأخر للتصدير، ما يقلل من حجم
الكميات في السوق، وعندها يتحكم التجار بالأسعار”.
يشار إلى
أن سعر كيلوغرام الفروج وصل إلى نحو 1000 ليرة، وصحن البيض 800 ليرة، وكيلو لحم
العجل إلى 2000 ليرة، والبطاطا إلى 155- 200 ليرة والبندورة 100-150 ليرة والخيار
200-250 ليرة، الباذنجان 100 ليرة، الخسة 75 ليرة، أي أن تكلفة وجبة من البطاطا
وصحن سلطة ستصل إلى نحو ألف ليرة، هذا للغداء فقط وأضف عليها الفطور والعشاء، نجد
أن المواطن السوري بحاجة إلى نحو 2000 ليرة للطعام فقط يومياً؛ تقديرياً، أي 60
ألف شهرياً، وذلك بالحد الأدنى، في وقت لا يتجاوز دخل معظمهم شهرياً الـ20 ألف
ليرة.
بالمقابل
تعلن السلطات أنها تعمل على تشديد الرقابة التموينية، التي وسعت كادرها منذ فترة،
إضافة إلى سياسة التسعير الإداري، الأمر الذي لم ينعكس على الشارع، فقد ارتفعت
الأسعار بدلاً من أن تنخفض بشكل كبير.
وعن دور
النظام التدخلي في السوق عبر صالات المؤسسات العامة الاستهلاكية، رصدت “صدى
الشام”، أن أسعار عدة سلع على رأسها الخضار والفواكه، داخل المؤسسة ترتفع عما
هو متداول في السوق، أضف إلى ذلك تدني النوعية.
يشار إلى
أن النظام يحمل الأحداث التي تشهدها البلاد مسؤولية ارتفاع الأسعار والخلل الذي تعاني
منه، في وقت تقصى الرقابة الحقيقة عن تلك المؤسسات، ما يتسبب في زيادة الأعباء
المعيشية على المواطن، الذي يعاني من العنف المفرط في ظل الأعمال العسكرية والقصف
المستهدف للتجمعات السكنية.