الرئيسية / مجتمع واقتصاد / اقتصاد / الفقر والعوز… يدخلان مواطنين لعبة المضاربة بالدولار والمواد الغذائية

الفقر والعوز… يدخلان مواطنين لعبة المضاربة بالدولار والمواد الغذائية

ريان محمد

يواجه
السوريون مع دخولهم الشهر الـ29 على مطالبتهم بالكرامة والحرية، أوضاعاً معيشية
قاسية، فمع توسع العمليات العسكرية لتشمل معظم أنحاء البلاد، أغلقت ألاف المنشآت
الاقتصادية، وانخفضت القيمة الشرائية لليرة، ما ضيق سبل المعيشة بوجه أبناء البلاد،
وأغرق الكثير منهم في الفقر والعوز والجوع، فجعلهم أداة بخسة التكاليف، سائغة
للتجار المضاربين بالعملات الصعبة، والمواد الغذائية.

قال
مازن.خ، العامل السابق في إحدى ورشات صناعة الألبسة الجاهزة بدمشق، والتي أغلقت
أبوابها الأزمة، بعد هروبي وعائلتي من القصف على حي القابون، استأجرت غرفة واحدة
في إحدى مناطق دمشق، لتؤويني مع عائلتي المكونة من 6 أفراد، بنحو 15 ألف ليرة، ولم
يكفِ كل ما استطعت أن ادخره في السنوات الماضية، وما استطعت بيعه من أثاث منزلي
قبل أن يسرق، وتهدمه قذائف حمايتنا من الإرهاب، نحو ثلاثة أشهر”.

ويتابع
” عرفني صديقي على شخص يعمل لدى شخص مهم في البلد، وطلب مني أن أشتري على
اسمي 500 دولار من شركات الصرافة، مقابل 5 ألاف ليرة، كما اشتريت على اسم زوجتي
وأمي”.

وذكر مازن
أنه “تعرف على العديد من الأشخاص على أبواب شركات الصرافة، يقومون بذات
العمل”.

من جانبه،
قال سمير “كنت أشتري بضع مئات من الدولارات لصالح أحد تجار العملة، لكني
اليوم أصبحت أشتري لحسابي، صحيح أن المبلغ الذي أربحه من هذه العملية ليس بالكبير،
لكنه يعينني على تأمين قوت عائلتي”.

وأضاف
“إنني أشتري 400 أو 500 دولار من إحدى شركات الصرافة بسعر 175 ليرة للدولار وأبيعها
على بعد مئات الأمتار عناها، بنحو 200 ليرة، ما قد يوفر لي نحو 1200 ليرة، وإن
استطعت أن أقوم بعمليتين من هذا النوع، فسأحصل على مبلغ مقبول، يساعدني على الحياة
في ظل هذه الأوضاع”.

وهناك من
السوريين من يحول مدخراته إلى دولارات، إما بسبب انخفاض سعر صرف الليرة وقيمتها
الشرائية، أو عزمهم على السفر خارج البلاد، فيجدون الفارق كبيراً بين السوق
السوداء والسعر الرسمي، والذي تراوح بين 25 ليرة وأكثر من 100 ليرة.

بالمقابل،
يقبل المغتربين السوريين على تصريف تحويلاتهم من العملة الصعبة عبر السوق السوداء،
لما يوفر لهم من فارق نقدي كبير، يعوض نوعاً ما أسرهم عن ضعف القيمة الشرائية
لليرة السورية في الداخل.

ويشاهد من
يتجول في قلب العاصمة دمشق، تجمهر العشرات من نساء ورجال أمام مكاتب الصرافة،
لساعات طويلة، ورغم المعاملة السيئة من قبل عناصر الأمن، المكلفين بحماية تلك
الشركات وتنظيم المواطنين الراغبين بالحصول على قطع أجنبي، يتمسك المتجمهرين
بأماكنهم، تمسكهم برغيف خبزهم وجنى عمرهم.

وكان مصرف
سوريا المركزي، سمح للمواطنين بشراء 500 دولار كل شهر، في حين أعلن عن مئات
الأسماء، التي قال إنهم ارتكبوا تجاوزات في شراء الدولار، وأعطوهم مهل زمنية
ليعيدوا ما أخذوه، في وقت تتواصل ارتكاب التجاوزات بشكل يومي مع غياب الرقابة
الحقيقية.

كما لم
تكن المضاربات بالعملة الصعبة وعلى رأسها الدولار، الوحيدة التي يتاجر فيها أزلام
النظام في مناطقه، فقوت الشعب أيضاً دخل على سياسة الاستنزاف التي يمارسها النظام
على البلاد وأهلها، فتحت شعار “دور الدولة التدخلي”، وإعلانها عن بيع
السلع الغذائية بأسعار أقل مما عليه في السوق عبر منافذ المؤسسة العامة الاستهلاكية،
بدأ التجار أصحاب النفوذ بسحب تلك البضائع وبيعها في متاجر خاصة بأسعار مرتفعة.

وقال حسام،
شاب في العشرينيات من العمر، كان يعمل في مستودع لبيع الأغذية في مخيم اليرموك:
“أصيب أبي في قصف مدفعي استهدف مخيم اليرموك منذ عدة أشهر، وخرجت مع عائلتي
المكونة من 5 أفراد”، مضيفاً: “لم أجد عملاً منذ ذلك الحين، أي عمل يكفيني
وعائلتي العوز، لحين أرسل لي تاجر عملت معه قبل الأزمة، وطلب مني أن أذهب كل يوم
صباحاً إلى مؤسسات الدولة وأشتري أكبر كمية ممكنة من مواد يحددها هو لي، ومن ثم
أجلبها له إلى مستودعه، على أن يعطيني 500 ليرة كأجر يومي”.

بدوره،
قال شجاع.ع، باحث في الاقتصاد السياسي، أن: “النظام ليس بعيداً عن هذه
التجاوزات، وهو لو امتلك القرار لاستطاع أن يحد منها بشكل كبير، لكنه برغم كل أحاديث
ممثليه عن المحاسبة ومحاربة الفساد، فهو عاجز في حقيقته عن ذلك، لأنه مبني على
شبكة من العلاقات الفاسدة، وهي غارقة في التشابك، حتى أنها لا تسمح لأحد بالخروج
من تلك المنظومة، إلا بقرار منها، وعبر تحميله الكثير من ملفات الفساد المتوفرة
لديها”.

ويضيف أن
“النظام بني على أساس التوازن بين الولاء والفساد، وهنا تكون العلاقة
متبادلة، فهو يتعامل مع كل المسؤولين في مؤسساته، على قاعدة كن صاحب ولاء أعمى واغرف
ما تستطيع من مكاسب من هذه البلاد، ولكن تبقى ملفاته جاهزة لترهيبه في حالة أي
تراخٍ، أو محاولة اعتراض على ممارسته في البلاد”.

ويرى شجاع
أن “النظام حول الدولة منذ عقود إلى مؤسسة ريعية، لصالح أصحاب المناصب فيها
وشركائهم من رجال أعمال فاسدين، وإذا دققنا في أسماء أكثر رجال الأعمال نفوذاً
اليوم، لوجدنا أنهم إما أبناء وأقرباء لمسؤولين حاليين أو سابقين، أو جزء من شبكة يتستر
خلفها متنفذين”.

وقال شجاع
إن “ما يجري في البلاد من إجراءات اقتصادية، وتحميل البلاد ديوناً بمليارات
الدولارات لإيران وروسيا، تحت مسميات مواد غذائية ومشتقات نفطية وأسلحة، إضافة إلى
السياسات النقدية الداخلية، سيحول الشعب أولاً، ومن ثم الدولة في المرحة المقبلة،
إلى رهينة لتلك الدول، إضافة إلى خلق “أثرياء أزمة”، سيكونون أسوأ من
مَن أصطلح على تسميتهم “الأثرياء الجدد”، الذين جمعوا ثرواتهم عبر الفساد
المستشري في مؤسسات النظام”.

وحذر شجاع
من تبعات مواصلة النظام سياساته الاقتصادية، مع غياب بوادر حل للأزمة السورية في
المدى المنظور، ما سيهدد أمن المواطن الغذائي، واستقراره الاجتماعي، وهذا ما يهدد
مجتمعنا السوري بارتفاع نسبة الجريمة بكل أشكالها، داعياً إلى استنفار كل القدرات
المجتمعية إلى الوقوف بوجه هذه السياسات والحد منها، حيث أنها تأخذ الشعب السوري
إلى الهاوية.

يشار إلى
أن المواطنين السوريين تحملوا ويتحملون، منذ طالبوا بالحرية والكرامة، ظروفاً
اقتصادية سيئة، نتيجة الأعمال العسكرية التي تشهدها البلاد، ما تسبب في مقتل أكثر
من 100 ألف شخص، ولجوء نحو 1.8 مليون شخص إلى خارج البلاد، ونزوح أكثر من 6 ملايين
شخص من مناطقهم، بسبب تعرضها للقصف إلى مناطق أكثر أماناً.

شاهد أيضاً

إعادة افتتاح سوق دمشق للأوراق المالية: خطوة استراتيجية نحو تعزيز الاقتصاد السوري

أكد وزير المالية السوري في تصريح صحفي أن إعادة افتتاح سوق دمشق للأوراق المالية تمثل …

الخزانة الأمريكية تفتح أبواب الاستثمار في سوريا.

أعلن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (OFAC) التابع لوزارة الخزانة الأمريكية عن إصدار قرار فوري بتخفيف …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *