قتيبة سميسم – أنقرة
لم يبدأ الصراع المجتمعي للسوريين خلال رحلة لجوئهم في تركيا، فقد كرست حكومة دمشق هذا الصراع منذ استيلائه على السلطة، ليشكل صراعات طائفية وأخرى بين سكان المدن والأرياف وبين الطبقات الاقتصادية للمجتمع، وغيرها على أساس جندري عبر تكريس الاستبداد الذكوري.
وانتقل هذا الصراع ليتشكل بصور جديدة ترافق حياة اللاجئين السوريين في تركيا، بأشكاله المتعددة أبرزها الاختلاف بالتوجه الإيديولوجي والسياسي.
لاجئون بدرجات مختلفة
تختلف الحقوق وطرق التعاطي مع معاملات السوريين في تركيا بحسب وثيقة الهوية التي يحملونها، ما يجعلهم عدة فئات، منهم فئة لا تحمل أي حقوق وهي الفئة التي لا تملك أي نوع من الهويات الممنوحة من قبل الجهات الحكومية التركية ممن فقد الكيمليك الخاص به، أو من لم يستطع استصدارها من الأساس، صعوداً بالتدريج إلى فئة أصحاب الكيمليك، والتي تمكن أصحابها من إجراء معاملاتهم ضمن حيز جغرافي ضيق.
تعتبر هاتين الفئتين مهددتين بالترحيل حيال أي شكوى أو مشكلة قد تواجههم، ما يبقيهم في حالة التزام الصمت في معظم الأحيان حيال أي قضية مآلها إلى الجهات الأمنية أو القضائية.
فيما يعزو بعض السوريين وجود حالة من الصراع المجتمعي كنتيجة لوجود حالة من عدم المساواة بالحقوق حيث تخلق شكل من أشكال تسلط البعض على الآخر لتحصيل منفعته الخاصة.
في حديثه لـ”صدى الشام”، يقول الطالب محمد الشيخ (اسم مستعار): “نعيش صراعات عدة على مستوى الطلبة في المدينة أبرزها الصراع الأيديولوجي، والذي ظهر مؤخراً بشكل واضح في فترة الانتخابات الخاصة بإدارة اتحاد الطلبة السوريين في المدينة، حيث يقوم البعض باستغلال وجودهم ضمن بعض الأوقاف ذات الطابع الإسلامي التي تقدم خدمات للطلاب متعلقة بالسكن والطعام لتحشيد الطلبة ضمن هذه المؤسسات مستغلين عواطفهم الدينية ليروجوا على أن الأطراف الأخرى فاسدة دينياً”.
ويضيف الشيخ: “انتقل هذا الصراع مؤخراً ليتشكل حزبين من الطلبة في المدينة يتصارعان على شرعية تمثيل الطلبة، وقد شهد المشهد الطلابي توتراً كبيراً في فترة إعلان كلاً منهما عن تنفيذ فعالية متعلقة بإحياء ذكرى الثورة السورية، وقد انتهى المطاف بأحد الطرفين ليقوم بتقديم شكاوى إلى قسم مكافحة الإرهاب مستغلاً مظلة العنصرية والتعاطي الصارم مع كل ما يتعلق بالسوريين لإلغاء حجز الصالة التي سيقام فيها الحفل”.
وفي ذات السياق تضيف الطالبة مريم الدالي (اسم مستعار): “تتعرض الطالبات السوريات لمضايقات كبيرة على الصعيد الشخصي وتشويه السمعة ضمن المجتمع خلال الصراعات القائمة بين الطلاب السوريين، إذ تعتبر هدفاً مشروعاً من قبل زملائها بمجرد أن تعبر عن رأيها إزاء أي قضية متعلقة بأحد أطراف الصراع”.
وتضيف: “لا يقف الأمر هنا، إنما تطور في بعض الحالات لعمليات تهديد بالترحيل وتقديم شكاوى مزيفة للشرطة، لترويعهن الأمر المؤدي بالنتيجة لانكفاء الطالبات وإقصاءهن بعيداً”.
بين الدفاع عن الحقوق والخوف من الترحيل
يواجه بعض السوريين خلال بحثهم عن رزقهم صراعاً اقتصادياً مع أبناء جلدتهم إذ يملك العديد منهم نفس الشريحة المستهدفة من الزبائن، الأمر الذي يدفع بعضهم لاستخدام البلطجة خلال هذا التنافس، مستغلين عدم وضوح القوانين الضابطة لهذه الحالات بالنسبة للسوريين.
يقول سلوان مرعي المقيم في العاصمة التركية أنقرة في حديثه لـ “صدى الشام”: “كان يعتمد مدخولي المادي على ما أبيع في بقالتي من بعض المنتجات السورية، لأعيش مع أسرتي المكونة من ستة أفراد، ولأن الزبائن محصورين بعدد من سكان الحي من السوريين فالعمل محدود جداً وما يزيد الأمر صعوبة هو وجود عدة بقالات سورية تملك نفس البضاعة في المنطقة ذاتها”.
ويضيف مرعي: “اضطررت لإغلاق بقالتي في سوق أوندر، بسبب نقص الطلب ومضايقات مستمرة من قبل بقالين آخرين، وصل الأمر بأحدهم ليهددني بالتقدم بشكوى بحقي بتهمة الانتماء لجماعات متطرفة، وهي تهمة رائجة حالياً لترحيل الأجانب”.
الإطار القانوني
للوقوف على الجانب القانوني، توضح المحامية بسمة الرفاعي في حديثها لصدى الشام: “لا يمكن ترحيل السوريين، جراء قيامهم بتقديم شكوى للشرطة التركية، إنما يتم معاملتهم معاملة المواطن وفي حال عدم التنازل عن الشكوى تحال القضية إلى القضاء، ونتيجة للبدء بإجراءات رسمية قد يظهر للشرطة أن الشخص المتقدم لديه أكواد على الكيمليك الخاص به، أو أن الكيمليك متوقف لأسباب أخرى، وهو ما يعرضه للترحيل”.
وتضيف الرفاعي: “لا يملك السوريون في تركيا صفة اللاجئ في القانون، إنما أشخاص تحت الحماية المؤقتة ويملك بحسب القانون هؤلاء الأشخاص انتهاج كافة السبل لضمان حقوقهم، منها التقدم بشكوى أو رفع دعوى أو توكيل محامين، ولكن ما يحدث أحياناً هو سوء استخدام للقانون ومغالاة من قبل السلطات التركية، حيث في مرحلة سابقة كان يتم ترحيل الشخص المشتكي أو المشتكى عليه قبل النظر حتى إن كانت الشكوى محقة أم لا، ولكن هذا النهج تراجع في الفترة الأخيرة من قبل السلطات إلا في حالات عدم وجود الكيمليك وهو مطبق على الرجال أكثر منه على النساء”.
وعن بعض الحلول القانونية تقول الرفاعي: “يجب على السوريين الذين يتعرضون للتوقيف عدم التوقيع على أي أوراق دون قراءتها وفهمها، حتى لو تعرض للتعنيف أو الضغوط، وطلب توكيل محامي أو مناشدة المنظمات الحقوقية المعنية لإيقاف الترحيل”.
في بعض القضايا يتم ترحيل “اللاجئ” السوري بشكل مباشر قبل أن يصدر الحكم القضائي وقد كنت شاهدة على بعضها خلال عملي، في حال الاشتباه به بقضايا متعلقة بالتعاطي أو الإخلال بالآداب العامة.
وتختتم الرفاعي بالقول: “أنصح جميع السوريين المتواجدين في الولايات التركية تحت بند الحماية المؤقتة أن يقوموا بالتعرف على جميع المنظمات الحقوقية المعنية المتواجدة بالقرب منهم، لأنه من الممكن أن يتعرضوا لأي موقف في أي وقت نتيجة مشكلة أو بلطجة وشكوى كاذبة من قبل لاجئ آخر نتيجة صراع ما، وهنا يجب التحرك باتجاه التواصل مع الجهات الحقوقية مباشرة قبل البدء بإجراء ترحيل محتمل”.
بينما تقول المحامية خلود مبارك في حديثها لصدى الشام: “من المؤكد وجود خطر الترحيل على أي سوري تحت بند الحماية المؤقتة حيث إنه وبمجرد فتح دعوى إن كان الشخص مدعي أو مدعى عليه في حال لم يثبت الادعاء يتم وضع الكود Ç-114 على اسمه، وهذا الكود لا يمكن إزالته إلا بدعوى إدارية، وفي حال عدم إزالة هذا الكود من المؤكد أن الشخص سيتعرض للترحيل خارج الحدود التركية ومنع لمدة سنة كاملة”.
“يتم استخدام قانون التقييد C-114 للأجانب الذين يتم اتخاذ إجراءات قضائية ضدهم؛ هو الرمز الإداري الذي يُعطى نتيجة لإلغاء التأشيرة الحالية، أو تصريح العمل، أو تصريح الإقامة، أو قرار الترحيل”
وتنصح مبارك حاملي الكملك للأسباب السابقة أن تكون الدعاوى الخاصة بهم مجدية وليست مجرد عبارة عن شكوى.
مع ازدياد الحاجة الملحة للحماية والدفاع عن حقوق اللاجئين السوريين في ظل صراعاتهم المجتمعية، لا بد من اتخاذ إجراءات دولية وحكومية لحماية حقوقهم بشكل فعال وضمان عدم تعرضهم للتمييز والترحيل غير المشروع، لتوفير بيئة مناسبة لاندماجهم في المجتمع بشكل آمن وكريم.
“تم إنتاج هذه المادة الصحفية بدعم من “JHR” صحفيون من أجل حقوق الإنسان”