الرئيسية / مجتمع واقتصاد / مجتمع / مواد مجتمعية مختارة / خوفاً من الترحيل.. عوائل سورية تختار الصمت على جرائم تحرش بأطفالها في تركيا

خوفاً من الترحيل.. عوائل سورية تختار الصمت على جرائم تحرش بأطفالها في تركيا

هاديا المنصور

حين جاءت خولة ديوب (39 عاماً) إلى تركيا كانت تحلم بحياة هادئة وآمنة بعيداً عن الحرب وويلاتها، غير أن تعرض ابنتها القاصر سالي البالغة من العمر ثمان سنوات للتحرش الجنسي من ابن الجيران التركي، قلب حلمها ذاك إلى كابوس مرعب، ولم تعد ترى مستقبلا لأطفالها الخمسة في تركيا بعد ذلك.

تواجه العوائل السورية اللاجئة في تركيا قضايا وجرائم اعتداء متنوعة وصلت حد حالات التحرش الجنسي بأطفالها دون أن يتمكنوا من تحريك ساكن لحساسية الأمر وتأثيره المباشر على سلامتهم ووجودهم في الأراضي التركية، وخاصة وسط مظاهر التنمر المستمر والحرب العنصرية وعمليات الترحيل اليومية للسوريين الذين لم يتمكنوا من تسجيل أنفسهم رسمياً هناك.

ويعرف “مركز تقييم الأطفال” (CAC) التحرش أو الاعتداء الجنسي على الأطفال بأنه: أي نشاط جنسي بين البالغين والقصر أو بين قاصرين عندما يفرضه أحدهما على الآخر، بما يشمل اللمس الجنسي، والتعرض للمواد الإباحية، والتصوير الفوتوغرافي لطفل من أجل الإشباع الجنسي، واستدراج الطفل للبغاء، والتلصص والتواصل بطريقة جنسية عن طريق الهاتف أو الإنترنت أو وجها لوجه.

وتشير بيانات منظمة الصحة العالمية (WHO) إلى أن حوالي مليار طفل تتراوح أعمارهم بين عامين و17 عاما تعرّضوا للعنف الجسدي أو الجنسي أو العاطفي.

وعن تفاصيل ما حدث مع سالي تقول والدتها، إنها لاحظت تغييرات نفسية بدأت تظهر على ابنتها حين ذهابها المدرسة القريبة من مكان سكنهم في نيرلجة التركية، حيث أصبحت تخاف الذهاب إلى المدرسة، وتتذرع بالمرض وكثيرة العزلة في غرفتها.

شكت الأم بوجود حادث ما أرق ابنتها وجعلها تمر بتلك التغييرات النفسية وحينها بدأت تحاول تشجيع الطفلة على الثقة بأمها والتحدث إليها عن كل ما يواجهها من أحداث حين تذهب إلى المدرسة.

” في البداية ظننت أن الطفلة تعاني عدم وجود أصدقاء لها في المدرسة وخاصة وأنها لا تتقن التركية إذ لم يمر أكثر من سنة واحدة على تواجدنا في الأراضي التركية، لكن الصدمة كانت حين تحدثت الطفلة عن محاولة ابن الجيران الأتراك البالغ من العمر عشرون عاما التحدث إليها ومحاولة استدراجها لقبو المبنى الذي نعيش فيه ما جعل الطفلة تخاف وتهرب”.

وأضافت الأم المصدومة بما حدث لابنتها ” الجميع يكرهوننا هنا، كيف يمكن التحدث لأهل ذاك المتحرش الاتراك الذين ترى الكره في أعينهم مجرد المرور بالقرب منهم وكيف يمكن رفع دعوى قضائية في بلد لسنا مرغوبين فيه وخاصة وأننا لا نملك كيملك حتى اليوم “.

وبعد مشاورة بينها وبين زوجها قرروا الابتعاد عن المكان وحسب، والإقامة في منطقة أخرى، خوفاً من تكرر الأمر مع الطفلة إن بقوا بذات المكان أو الترحيل من قبل السلطات التركية التي لا توفر أي فرصة لترحيل السوريين من أراضيها قسرياً تحت مسمى العودة الطوعية، إن اختاروا رفع شكوى قضائية.

أما وعد يونس (41 عاماً) اللاجئة في تركيا، فقد جعلتها حادثة التحرش التي تعرضت لها طفلتها شيرين البالغة من العمر عشر سنوات أكثر حذراً، وراحت ترافق طفلتها من المدرسة وإليها بشكل يومي مفضلة عدم الشكوى، بل أثرت نقل ابنتها إلى مدرسة أخرى.

تقول يونس إنها لاحظت تعرض ابنتها للتحرش الجنسي من خلال لجوئها لرسومات جنسية غريبة، وحينها استطاعت عبر طرح الأسئلة على طفلتها أن تكتشف محاولة أحد طلاب المدرسة التي تتعلم فيها محاولة استدراجها في دورات المياه أثناء ذهابها لقضاء حاجتها وتعريه أمامها دون أن يتمكن من أذيتها بعد أن صرخت وهربت.

لم تختر يونس الصمت كليا، بل لجأت لتهديد الطالب بقصد ردعه عن تكرار فعلته قبل أن تنقل ابنتها إلى مدرسة جديدة بأنها ستقدم شكوى قضائية إن استمر في تعقب ابنتها أو التعرض لها مرة أخرى.

وللوقوف على كيفية التعامل مع مثل تلك القضايا في تركيا قال المحامي التركي محمد قاسم كورناز، لـ “صدى الشام” إن النيابة العامة تتابع هذه الأمور عبر مكتب المدعي العام في المحكمة، ولكل شخص يقيم في تركيا نفس الحقوق القانونية للمواطنين الأتراك، فالقانون يطبق على الجميع بغض النظر عن جنسية الضحية رافضاً التحدث عن القضايا التي ترد مكتبه من هذا النوع لرغبته بعدم تداولها على وسائل الإعلام لأنها مخزية في المجتمع.

وتابع ” لسوء الحظ، تحتل تركيا المرتبة الثالثة في العالم عندما يتعلق الأمر بإساءة معاملة الأطفال، ووفقاً للمادة 105 من القانون التركي فإن من يتحرش بشخص لأغراض جنسية، بناء على شكوى الضحية، يعاقب بالسجن من ثلاثة أشهر إلى سنتين أو بغرامة قضائية، وإذا ارتكب الفعل ضد طفل، بالسجن من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات”.

ويعرف القانون التركي جريمة الاعتداء الجنسي، بموجب المادة 102 أنها الاتصال الجسدي بجسد شخص ما عن طريق انتهاك مناعة جسم الشخص بغرض إشباع الرغبات الجنسية، أي أنها جريمة ترتكب ضد الحصانة الجسدية للشخص.

ونوه إلى ظهور العديد من الأخبار حول إهمال الأطفال وإساءة معاملتهم في تركيا بالآونة الأخيرة وتكشف إحصاءات العدالة التركية لعام 2020 عن” بيانات مذهلة، فمن بين القضايا المرفوعة للجرائم الجنسية، تم تسجيل 15 ألفاً و213 قضية اعتداء جنسي على الأطفال”.

وقال رئيس جمعية الوقاية من إساءة معاملة الأطفال وإهمالهم في تركيا الدكتور قاسم كاراتاش، إن هناك نقص في المعرفة والوعي بحقوق الطفل بين جميع شرائح المجتمع، من السياسيين إلى المعلمين.

وأوضح أن “هناك أوجه قصور خطيرة وعدم حساسية في تطبيق القانون فيما يتعلق بإساءة معاملة الأطفال وإهمالهم، والسبب الأهم لذلك هو الفقر والكساد الاقتصادي”.

وأكد أن إهمال الطفل وإساءة معاملته يشمل كافة أنواع المواقف والسلوكيات العاطفية والجسدية والجنسية والاستغلال الاقتصادي والإهمال الذي قد يضر بصحة الطفل ويعوق نموه، وقد تكون تلك السلوكيات واعية أو غير واعية وقد لا يلاحظها الطفل.

ويرى كاراتاش أن أي سلوك يؤدي إلى أذى جسدي للطفل وليس عرضيًا يتم تعريفه على أنه إيذاء جسدي، وقال: “النوع الأكثر شيوعًا من إساءة معاملة الأطفال هو الاعتداء الجسدي وأن أي سلوك أو فعل يضر بنمو شخصية الطفل يعتبر إساءة عاطفية، والإساءة العاطفية غالبًا ما تصاحب أنواعًا أخرى من الإساءة.

وذكر أنه في الاعتداء الجنسي، يتم استخدام الطفل عمومًا لإشباع شخص بالغ جنسيًا، وأن الأطفال من جميع الأعمار والمستويات الاجتماعية والاقتصادية يمكن أن يتعرضوا للاعتداء الجنسي، ومعدل الفتيات اللاتي يتعرضن للإيذاء الجنسي أعلى من أولاد.

وقالت منظمة “يونيسيف” (UNICEF) في تقرير لها أن ما لا يقل عن 120 مليون فتاة تحت سن العشرين، أبلغن عن إجبارهن على ممارسة الجنس أو القيام بأفعال جنسية أخرى، رغم أن الرقم الفعلي من المرجّح أن يكون أعلى من ذلك بكثير، في حين أن العديد من ضحايا العنف الجنسي، بما في ذلك ملايين الفتيان، لا يخبرون أحدا عن تعرضهم للتحرش.

تم إنتاج هذه المادة الصحفية بدعم من “JHR” صحفيون من أجل حقوق الإنسان

شاهد أيضاً

حرب الملصقات بين انصار اللباس الشرعي واللباس الحر

على صفحات الفيسبوك، وعلى جدران الشوارع، تدور في هذه الايام معارك ملصقات بين انصار اللباس …

كفى صمتاً: في اليوم العالمي لمناهضة العنف، نساء سوريات يروين قصصهن

مريم سريول – صدى الشام العنف ضد النساء: أزمة عالمية مستمرة على مدار عقود، كان …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *