هيفاء الأحمد
الطرد عند أول مشكلة
لم تتوقع سميرة البرهوم (35 عاماً) وهي لاجئة سورية في تركيا منذ قرابة الخمس سنوات، أن يتم طردها بوحشية من قبل مالك المنزل الذي تستأجره في منطقة أنطاكية جنوب تركيا، على إثر شجار بسيط نشب بين طفلها البالغ ست سنوات وطفل المالك التركي ما أفضى لرميها في الشارع مع أطفالها الخمسة بلا رحمة.
وقالت سميرة أن المشكلة كانت بسيطة، إذ لم يصب أحد الأطفال بأي أذى، غير أن العنصرية والكراهية بدت واضحة في تصرف المالك التركي الذي لم يعمد لحل المشكلة وإنما بطردها من المنزل، غير آبه بافتقادها المعيل وبوجود أطفال معها.
وأضافت أنها لجأت لمنزل إحدى قريباتها ريثما تتمكن من تأمين منزل آخر يؤويها مع أبنائها الأربعة، غير أن غلاء الإيجارات الجنوني والتي بلغت في حدها الأدنى 4 آلاف ليرة تركية ساهم باتخاذ قرارها بالعودة إلى الشمال السوري، بعد أن أرصدت جميع الأبواب في وجهها.
” لست قادرة على تأمين مبلغ كبير لدفعه بدل إيجار المنزل ففرص العمل قليلة لأمثالي في تركيا، كما أنني فاقده المعيل منذ زلزال فبراير الذي أودى بحياة زوجي تحت أنقاض المنزل الذي كنا نقيم فيه”.
ولأنها لم تعد قادرة على تأمين مأوى ودفع إيجار منزل جديد سيما وأن البعض راحوا يستغلون مصيبة السوريين لزيادة الإيجار والضغوط عليهم للمغادرة، اختارت العودة بعد توقيع استمارة المغادرة الطوعية من قبل مسؤولي الهلال الأحمر التركي.
تواجه اللاجئات السوريات في تركيا مجموعة متنوعة من التحديات النفسية والأمنية بسبب تجاربهن القاسية مع التنمر والعنصرية من قبل مواطنين أتراك، وخاصة بعد أن كشفت سلسلة من الاعتداءات وقعت في الفترة الأخيرة في تركيا عن تبلور نزعة عنصرية ضد العرب، حتى وإن بدت في ظاهرها حوادث فردية وشجارات عادية، إلا أنها تنذر بعواقب خطيرة على اللاجئين السوريين على وجه التحديد.
العنصرية تصل للمدارس
بعد لجوئها إلى تغيير مدارسهم بشكل متكرر ويأسها من حل المشكلة بشكل كلي، اختارت فاطمة الصدير (37 عاماً) العودة إلى الشمال السوري بعد ما لامسته من تنمر وعنصرية تركية بحق أطفالها في المدارس التركية.
والتنمر كما عرفته اليونيسف هو أحد أشكال العنف الذي يمارسه طفل أو مجموعة من الأطفال ضد طفل أخر أو إزعاجه بطريقة متعمدة ومتكررة، وقد يأخذ التنمر أشكالًا متعددة كنشر الإشاعات، أو التهديد، أو مهاجمة الطفل المُتنمَّر عليه بدنيًا أو لفظيًا، أو عزل طفلٍ ما بقصد الإيذاء أو حركات وأفعال أخرى تحدث بشكل غير ملحوظ.
تقول فاطمة بغصة ” لا يكاد يخلو يوم واحد من عودة أطفالي باكين من المدرسة، بعد تعرضهم للضرب والتهديدات والسخرية والإهانة من قبل الطلاب الأتراك الذين ينعتونهم باللاجئين المتسولين”.
ورغم تقديمها شكوى لإدارة المدرسة إلا أنها لم تجد نتيجة مرضية على الإطلاق، مما دفع بالأولاد بالامتناع عن ارتياد المدارس التركية والاتجاه إلى العمالة، وهو ما أجبرها على العودة إلى الشمال السوري بعد عجزها عن حل مشكلة التنمر ضد أبنائها وصعوبة التكيف مع المدارس التركية، في الوقت الذي ترغب فيه بمتابعة أبنائها لتحصيلهم العلمي.
حتى ضحايا الزلزال
أما مريم السلوم (41 عاماً) فهي ما زالت تتذكر العنصرية الواضحة التي ظهرت من خلال فرق الإنقاذ التركية التي كانت تتجه للأبنية المتواجد فيها السكان الأتراك لإنقاذ حياتهم، بينما تهمل الأبنية التي يتواجد فيها السوريين، ما أفضى لوفاة أعداد كبيرة من اللاجئين السوريين بعد زلزال شباط فبراير 2023.
مريم لاجئة سورية تقيم في انطاكيا التركية، لديها ولدين وهي المعيلة الوحيدة لهما بعد وفاة والدهم بالقصف الذي طال مدينتها كفرنبل قبل سبع سنوات، كانت شاهدة على ما أسمته تقاعس السلطات وفرق الإنقاذ التركية عن انتشال أقربائها الذين انقطعت أصواتهم ولقوا حتفهم تحت الأنقاض في اليوم الرابع من وقوع الكارثة” ليكونوا ضحية العنصرية التركية المستمرة بحق اللاجئين السوريين الهاربين من ويلات الحرب والدمار “.
“كل محاولاتي إقناع السلطات التركية بالعمل والبحث عن أقربائي باءت بالفشل، بحجة عدم سماعهم لأصوات ناجين تحت ركام المبنى الطابقي المدمر، علماً انني أكدت لهم سماعي لأصواتهم وأنهم ما زالوا على قيد الحياة، ولكن دون جدوى”.
وأشارت إلى أن إنقاذ الأرواح هو عمل إنساني بعيد عن الجنس واللون والهوية، وطالبت بفتح تحقيق مع المسئولين عن عمليات البحث والإجلاء في المناطق المنكوبة، لافتةً إلى أن “ألم العنصرية والتفرقة آلمني بقدر ألم الزلزال”.
ما رأته مريم على مدى سنوات لجوئها في تركيا من ظلم بحق السوريين دفعها للعودة إلى الشمال السوري بلا تردد والعمل في بيع الأحذية بسوق الدانا شمال إدلب، فهي ترى أن اللجوء يعني الذل بذاته، والحياة في الوطن تبقى أجمل رغم كل آهات الحرب وويلاتها.
وتشتكي اللاجئات السوريات في تركيا من تعرضهم للمضايقات والاعتداءات العنصرية، التي تهدد حياتهن وحياة أطفالهم المعيشية والنفسية، وخاصة وأن حقوق السوريين في تركيا غائبة ومنسية، فلا قانون يحميهم من العنصرية وتبعاتها عليهم، في الوقت الذي يحتاجون فيه العون والمساعدة في أحلك الظروف التي يعيشونها من تشرد، ونزوح وألم وفقد.
العنصرية والتمييز محظورات في القانون التركي
من جهة أخرى قال المحامي التركي عبد الوهاب بولات لصدى الشام، أن العنصرية والتمييز محظوران في القوانين التركية، وإذا واجهت السوريات مثل هذه الحالات، يتوجب تعيين محامٍ حر من المؤسسات المعتمدة للأشخاص الذين تعرضوا للتنمر والعنصرية، للدفاع عنهم وتحصيل حقوقهم.
العنصرية والتنمر يدفع لمزيد من الآثار النفسية الصعبة
وقالت المرشدة النفسية والاجتماعية حواء الشيخ بكر لصدى الشام، إن تنامي العنصرية والتنمر في المجتمع التركي يحمل آثار نفسية يمكن أن تصل باللاجئة السورية حد الاكتئاب، أو القلق والحزن، أو اليأس، أو صعوبة النوم، أو الإرهاق، أو التهيج والغضب والأوجاع والآلام، والتوتر وحتى الانتحار في بعض الحالات.
وأرجعت المرشدة النفسية والاجتماعية أسباب التنمر والعنصرية في المجتمع التركي، إلى وجود فئات من المواطنين الأتراك عنصريين بطبيعتهم في ظل تنامي النزعات القومية ضد المهاجرين بشكل عام أيا كانت جنسياتهم، إضافة لتدهور الأوضاع الاقتصادية مع تراجع قيمة الليرة التركية، وارتفاع مستويات التضخم، وأسعار السلع الاستهلاكية، وأسعار إيجار العقارات بنسب تصل إلى 400% عما كانت عليه مقارنة بالعام 2019، على جميع المقيمين، مواطنين أو مهاجرين، وتوجيه بعضهم الاتهام للمهاجرين أنهم سبب هذا التدهور.
وأوصت الشيخ بكر بضرورة تخفيف وطأة الضغوطات النفسية عن اللاجئات السوريات، وقالت إنها مسؤولية المنظمات الإنسانية العاملة في تركيا عبر ترسيخ عوامل وقائية مثل إتاحة فرص العمل والخدمات، وتقديم سبل الدعم النفسي والاجتماعي، وإتقان لغة البلد المضيف، ولمّ شمل الأسرة، وتعزيز سبل الحماية من خلال تحسين الوضع الاجتماعي والاقتصادي، وإتاحة فرص التعليم، والإحساس بالأمان، وإقامة بنية أسرية مستقرة ومتماسكة.
“تم إنتاج هذه المادة الصحفية بدعم من “JHR”صحفيون من أجل حقوق الإنسان”