الرئيسية / منوعات / منوع / داعش اللذيذة

داعش اللذيذة

خضر الآغا

ماذا لو لم تتواجد داعش؟ الجواب ببساطة: كانوا أوجدوها، كما فعلوا تماماً. ولو لم يتمكنوا من إيجادها لكان انهار العالم على رؤوس حكامه. صحيح أنه حتى بوجود داعش فإن العالم منهار على مستوى القيم والمبادئ الإنسانية والأخلاقية التي يتشدق بها على مدار الساعة، لكن، في حال عدم وجودها، كان انهار فعلياً. إذ أن حكام العالم، بوجود داعش، يستطيعون الالتفاف على عجزهم وفشلهم وتخاذلهم وخيانتهم للمبادئ التي يدعون الدافاع عنها، بحجة رائعة لا يستطيع أحد في العالم مهما كان توجهه أن يرفضها، على الأقل علناً، وهي محاربة داعش.

 

أظن أن حكام العالم يشكرون ليل نهار هذا الكائن الخرافي الذي يدعى داعش، إنه هديتهم التي أتتهم على طبق من الدم السوري، والعراقي، ودماء شعوب أخرى، أتتهم في لحظة طويلة وسوداء من لحظات التاريخ الراهن. إذ ثبت لديهم أن داعش إرهابية لذيذة، فهي تقوم بكل شيء من شأنه أن يفيد حكام العالم وعصاباته في كل مكان.

 

تبنت إسقاط الطائرة الروسية في سيناء المصرية فأعطت روسيا مبرراً أكثر قوة لاحتلال سوريا احتلالاً عسكرياً مباشراً. وبحجة داعش روسيا تقصف معارضي النظام السوري من المدنيين والأبرياء والمقاتلين المعتدلين الذي يراهم السوريون أنهم يدافعون عنهم فعلياً، ويراهم، أيضاً، قادرين على إدارة البلاد في مرحلة انتقالية تعقب زوال نظام الكيماوي.

 

وبحجة داعش تواصل إيران تمددها بصيغتها الطائفية في المنطقة لحمايتها من الإرهاب الداعشي ولإقامة بديل شيعي معتدل في مواجهة الإرهاب السني، وبـ (حماية) داعش تتوغل إيران في أروقة العالم طالبة العون لها ولعصاباتها من ألوية عصائب الحق وحزب نصر الله الأصفر في مواجهة هذا الكائن الاسود.

 

داعش وجدت أن تدخل حزب إيران اللبناني في سوريا لم يجد تغطية إعلامية وسياسية كافية، فذهبت إلى لبنان، وفجرت، وحاولت جهدها لإعطائه الشرعية، وعادت!

 

وعندما وجدت أن فرنسا، مثلاً، واحدة من أكثر الدول إصراراً على رحيل الأسد بنظامه البراميلي، وأنها الأكثر تحدثاً عن الجيش الحر المعتدل الذي يتوجب دعمه لمقاتلة النظام وأسياده، كانت أن تبنت الهجمات الإرهابية التي شنت في باريس، مع الأخذ بعين الاعتبار أن التقارير الأمريكية كانت تشير إلى احتمال أن يكون النظام السوري وراء هذه التفجيرات، وبهذا أعطت داعش اللذيذة مبرراً قوياً للحكومة الفرنسية لتشن هجمات مكثفة في الرقة وتقتل المزيد من المدنيين السوريين، وبهذا أيضاً أنقذت الحكومة الفرنسية التي بدت أنها قادرة على التصريحات فقط بشأن الوضع السوري دون الأفعال، الأمر الذي يضعها أمام شعبها، على الأقل، بمظهر العاجز وبياع الكلام…

 

داعش، أيضاً، قامت بعملية نوعية لإنقاذ الإدارة الأمريكية بعد فضيحة استخدام النظام السوري للأسلحة الكيماوية في غوطة دمشق الشرقية 21 آب 2013 حيث ظهر أن الخط الأمريكي الأحمر ممكن تجاوزه ببساطة دون تبعات، وأن “الهيبة” الأمريكية صارت في الحضيض، فأثبتت داعش بعد نظر الرئيس الأمريكي وتخوفه من سقوط الأسد السريع لئلا تأتي مكانه داعش.

 

الأكثر أهمية من هذا وذاك، أن داعش والنظام يعملان جنباً إلى جنب في القضاء على كل مظاهر الثورة السورية، فالمكان الذي لا يستطيع دخوله النظام تمهد له داعش بتفجيرات واغتيالات ومفخخات كرمي تمهيدي أمام جنوده، والمكان الذي تستحوذ عليه المعارضة أو الثورة المسلحة وتطرد منه الجيش العربي السوري تأتي داعش مستغلة نقاط الضعف الكثيرة التي تعتري الفصائل نتيجة دخولها حديثاً هذه المنطقة، وتُخرجهم منها وتحتلها هي، وتباشر إجرامها بحق الناس تاركة النظام (الذي تدعي أنه عدوها، كما تدعي أن باقي العالم عدوها أيضاً) يتفرغ لجبهات أخرى، وهكذا…

 

فهل هناك أكثر من “الدولة الإسلامية” رأفة وحناناً تجاه (أعدائها)؟

شاهد أيضاً

تصنيف الجواز السوري لعام ٢٠٢٥

نزيه حيدر – دمشق يعتبر تصنيف الجوازات في العالم مؤشر لمدى قدرة حاملي هذا الجواز …

الحرية تدخل الجامعات السورية والطلبة يتطلعون لمستقبل مختلف

تمارا عبود – دمشق في الخامس عشر من كانون الأول 2024، فتحت الجامعات السورية بواباتها …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *