صدى الشام- ي ش/
تتواصل سنوات الحصار على قرى وبلدات ريف حماة الجنوبي والملاصق لريف حمص الشمالي المحاصر أيضاً، فمنذ فرض النظام طوقه على قرى وبلدات تلك المناطق في العام الثاني من الثورة السورية في 2012 يعيش المدنيون ظروفاً حياتيّة بالغة القسوة.
نموذج
يقول عبيدة أبو خزيمة، الناشط الميداني في ريف حماة الجنوبي، إن بلدة عقرب تعاني يوماً بعد يوم من أقسى الظروف التي قد يستطيع الإنسان تحملها، وذلك بسبب حصارها من قبل القرى الموالية للنظام المحيطة والتي تغلق منافذ الحياة والتواصل على أهالي البلدة وتمنع وصول أي مساعدات إنسانيّة أو طبيّة في البلدة التي تعاني أساساً من شحّ المواد الغذائية وانعدامها، إن صح ّ التعبير. يترافق ذلك مع غياب شبه كامل للمشافي الميدانية، وعدم توفّر الكهرباء والماء، ليستعين السكّان في هذه المناطق بوسائل بديلة بدائيّة “وكأنهم في العصر الحجري أو قبل ذلك” حسب تعبيره.
وأضاف أبو خزيمة لـ “صدى الشام” أنّ البلدة وسائر بلدات ريف حماة الجنوبي وحمص الشمالي تعاني ما تعانيه بلدة عقرب، فإن حصل وتمكن البعض من إدخال المواد الغذائيّة عبر طرق التهريب من مناطق النظام بوسيلة ما، فستبلغ أسعارها عشرين ضعفاً عن سعرها الحقيقي، كالخبز الذي قد تصل سعر الربطة منه إلى ألف ليرة سورية وأكثر إنْ وجدت.
فيما لجأ الأهالي إلى إيجاد وسائل بديلة أخرى لتوفير الغذاء بزراعة حدائقهم بأنواع من الخضروات ولكنها بالكاد تكفي القليل من العائلات علاوةً على أن “الأهالي منذ ست سنوات وهم مستمرّون على ذات الطعام”، كما يحاول البعض بشكل مستمر حفر آبار جديدة لتعويض قطع المياه من قبل قوات النظام.
وتعيش عقرب عموماً في شبه انعدام الحياة في شوارع البلدة، حيث أن قصف النظام يكاد لا يتوقف بشتى أنواع الأسلحة من صواريخ وقصف بالطائرات وقذائف الدبابات واستهدافات من القنّاصة، لذلك فإنّ السير في شوارع البلدة يعتبر مغامرة خطر بحدّ ذاتها، والزيارات بين الأصدقاء تجدها ليلاً حين يخيّم الظلام على الشوارع والأزقة.
ويبلغ عدد العائلات المحاصرة في بلدة عقرب وحدها 127 عائلة ، بعدما نزح 80% من أهلها إلى بلدات ريف حمص الشمالي التي تعاني حصاراً أقسى من حصار عقرب ولكنها آمنة إلى حدٍّ ما بشكل أكبر من بلدة عقرب، “فالنزوح في هذه المناطق لربما يحميك من الموت بالرصاص والصواريخ ولكنه سيلاحقك جوعاً وعطشاً” كما يقول الناشط.
كيف يحتمي المحاصرون؟
يشكّل الاحتماء من القصف المتواصل محور حياة سكّان ريف حماة الجنوبي. ويقول الناشط الإعلامي حسن العمري، إن أهالي بلدة عقرب يقومون باستخدام مستودعات كانت سابقاً لمحال تجاريّة كملاجىء، “ومع ذلك فهي غير آمنة ويبقى الأهالي في خوف من سقوط أحد البراميل المتفجرة التي تلقي بها طائرات النظام فوق رؤوسهم، مما قد يؤدي إلى تحويل هذا الملجئ إلى مقبرة جماعية لذلك يلجئ الكثيرون من أهالي هذه البلدة إلى الأراضي الزراعية بعيداً عن المباني كونها أكثر أمناً من تلك الملاجئ البسيطة” حسب قوله.
من ناحية ثانية يلجئ آخرون إلى القيام بحفر حفرٍ كبيرة تحت الأرض بعمق ثلاثة أمتار تقريباً، وهي مهيّأة بوسائل بسيطة من الإضاءة بالشموع وبعض الأغطية إلى تجهيزها بما يتيسر من الطعام والشراب، إذ أنّ مدة المكوث في هذه الملاجئ قد تتجاوز أياماً وأسابيع عند اشتداد وتيرة القصف كما حصل في السنة الماضية، حينها لم يستطع الأهالي الخروج من الملاجئ لأكثر من أربعة عشر يوماً بشكل متواصل بسبب شدة القصف وكثافته.
غياب المشافي الميدانيّة
في السياق ذاته، تحدث طبيب ميداني في بلدة عقرب (رفض الكشف عن هويته) عن المعاناة من عدم توفّر مشفى ميداني فيها لإسعاف الجرحى مما يستدعي نقل المصابين إلى بلدة الحولة بريف حمص والملاصقة لبلدة عقرب، وذلك عبر طريق يصل بينهما، وقد تستغرق عملية الإسعاف عبر هذا الطريق ما يزيد عن خمسة عشر دقيقة.
ويضاف إلى ذلك أن أكياس الدم غالباً ما تفقد صلاحيتها بسبب عدم وجود المواد الحافظة واللازمة لحفظها، وهذا ما يحتّم وجود متبرعين بشكل دائم مع المصاب لتأمين الدم له بشكل فوري، إذ أنّ طاقم المشفى الميداني في الحولة يحتاج في كل عملية إسعاف لمتبرعين جدد، كما أن هناك مشكلة أخرى لدى نقل الدم للمصاب حيث تستغرق عملية معرفة زمرة دمه زمناً بغياب المعدّات المتطورة مما يضطر العاملين في هذا المجال لاستخدام طرق بدائية لمعرفة ذلك، لتواجههم بعد ذلك مشكلة أخرى وهي تأمين الدم المطلوب للمصاب من ذات الزمرة الدموية والتي قد تحتاج ربما لنقل مدنيين أصحّاء من قرى آخرى للتبرّع في مشفى الحولة.
ويروي الناشط الطبي مهند، ما جرى معه في هذا السياق بقوله :” من أصعب المواقف التي مررت بها عندما وقفت عاجزاً أنا والأطباء في مشفى الحولة أمام جريح يلفظ أنفاسه الأخيرة وليس لدينا ما نقدّمه له لإسعافه” .
ويقول أطباء في مشفى الحولة إنهم لا يملكون سوى معدّات جراحية بسيطة كأدوات التثبيت والخياطة، وفي أغلب الأحيان تكون معقّمة بطرق بدائيّة كتعريض أداة الجراحة للنار، كما أنهم غالباً ما يقومون بعمليات جراحية دون تخدير وخاصة للأطفال ناهيك عن عدم وجود أطبّاء مختصيّن في الجراحة في جميع المشافي رغم وجود كوادر طبيّة وتمريضية مدربة ولكنها ليست خبيرة لدرجة القيام بعمليات جراحيّة حرجة قد تكون في الرأس أو القلب مثلاً.
وبالنسبة بلعمليات الإسعافيّة الخطرة والتي تحتاج للعلاج بسرعة فغالباً ما يتم تهريب تلك الأدوات بشكل سرّي وقد يحتاج تأمينها عدّة أيام أحياناً وهذا ما يجعل عشرات المصابين يفقدون حياتهم بسبب تأخّر وصول المعدات، ولا يستطيع الأطباء تلافي هذا الأمر بسبب الحصار المفروض عليهم من قوات النظام ، وحتى إن توفرت الأدوات فإن العناية الطبيّة لا تتوفر للمريض مما يشكل عائقاً آخر لعمل المشافي الميدانية.