صدى الشام- سليم نصراوي/
انضمّ هشام حداد، مقدّم برنامج “لهون وبس” على قناة LBCI اللبنانيّة إلى إعلاميين عرب أساؤوا استخدام مقطع متداول للفنانة السورية أمل حويجة، حين ظهرت وهي تبكي حال أطفال سوريا على طريقة شخصية “ماوكلي”.
“لهون وبس”
وكما آخرون، بدا وأنّ المقدّم اللبناني لم يفهم مغزى أداء أمل التي اشتُهرت بأداء أصوات العديد من الشخصيات الكرتونيّة، فاستخدمه خلال حلقة الأسبوع الماضي من برنامجه بشكل مبتذل، محوّلاً لحظات الحزن العميقة لدى أمل على أطفال بلادها، إلى فرصة للتهكم والسخرية، وإطلاق دعابات كانت كفيلة بإضحاك جوقته الموسيقية.
وكانت أمل حلّت في ضيافة الفنانة المصرية إسعاد يونس ضمن برنامجها “صاحبة السعادة” على قناة CBC المصرية. وخلال البرنامج وجّهت الفنانة السوريّة رسالة مؤثرة بصوت “ماوكلي” فتى الأدغال لجميع أطفال سوريا، ختمتها بالبكاء على طريقة الذئاب، بصوت يدلّ على حزن، لأن الحياة مع الحيوانات أصبحت أفضل من الحياة مع البشر القتلة.
ولاقت رسالة أمل حويجة حينها تفاعلاً كبيراً على مواقع التواصل الاجتماعي، بعد أن سلّطت الضوء على الظلم الذي يتعرض له أطفال سوريا أمام مرأى ومسمع العالم، وقالت: “أنتم تقتلون، أنتم لا تشبعون من القتل، أنتم تحبون الحروب، وتسحقون الأطفال وأنتم تبتسمون، سأبكي لأجل أطفال سوريا وأطفال العالم”.
وأمل حويجة هي ممثلة ومدبلجة سوريّة، من مواليد 1970، حصلت على إجازة جامعية من المعهد العالي للفنون المسرحية في سوريا، ودخلت عالم الفن منتصف الثمانينات، حيث عرفت بصوتها المتميّز الذي قدمت به العديد من الشخصيات الكرتونية في مسلسلات أطفال شهيرة مثل “الكابتن ماجد”، “ماوكلي”، “الصياد الصغير” و”روبن هود”، لتحتل جانباً مهمّاً من الوعي لدى شريحة واسعة من الأطفال منذ تلك الفترة وحتى اليوم.
سقطة “غير متوقّعة”
لم تكن محاولة الإعلامي اللبناني لاستغلال الفيديو بهدف صنع حالة “فكاهيّة” هي الأولى بين أقرانه، فقد سبقه الإعلامي الأردني نيكولاس خوري، الذي يقدّم برنامج “السليط الإخباري” على يوتيوب.
وتناول خوري صرخة ماوكلي بسخرية، معتبراً أن مقدّمة برنامج “صاحبة السعادة” إسعاد يونس كانت تحبس ضحكتها بصعوبة. لكنّه تعرّض لانتقادات واسعة ووصف متابعون دعابته بغير الموفقة لأنها تتهكّم من رمزية ذات معنى كبير في الذاكرة العربيّة.
وقد أثار مشهد السخرية غير الموفّق هذا حفيظة الكثير من المعلّقين على الحلقة، وربما للمرة الأولى تكون فيها الانتقادات على الحلقة أكثر من تلك التي تثني عليها، سواء على موقع فيسبوك أو تويتر.
واعتبر معلّقون أنّ ما قام به “السليط الاخباري” هذه المرة كان تسطيحاً للفكرة، ورمزيّتها، وما تعنيه للكثيرين خاصة في السياق الذي جاءت فيه، والرسالة التي قصدت أمل حويجة إيصالها بالذات، في وقت كان الجميع ينتظر من نيكولاس ربما موقفاً أكثر ايجابية لصالح “ماوكلي”.
وكتب أحدهم :”اوّل مره بحسك تافه يا نيكولاس خوري..أمل حويجه إنسانة مثقفة وراقية ومن أجيال عم بتقدم مستوى عالي من الفن وحبت توصل رسالتها بصوت ماوكلي اللي انشهرت هي فيه. صراحه اول ما شفت المقطع فكرتك رح تنتقد الناس اللي تمسخرت عليها وتوضح المعنى من رسالتها للناس. بس طلعت انت زي باقي الناس بتوخد الموضوع بالسطحيه المستفزة”.
فيما علّق آخر على الحلقة بالقول :”الأستاذة أمل حويجة هي صاحبة صوت ماوكلي اللي كبر معنا وربينا عليه. الفيديو مقتطع من السياق الأصلي ليش؟ الأستاذة أمل حبت تقدم شيء بصوت ماوكلي.. الكرتون اللي ابتداءً من الشارة تبعته بيحمل رسالة إنسانيّة سامية. شفت السخرية على المقطع هاد من ناس كتير معظمهم ما بيعرفوا الأستاذة أمل ولا ربيوا على سبيستون ولا حضروا ماوكلي، لكن عيبة كبيرة جداً تصدر هاي السخرية من برنامج مفترض يكونوا صُنّاعه أوعى من هيك”.
استهزاء بالقضايا الإنسانيّة
وسبق أن قام الإعلاي التونسي علاء الشابي، بأمر مماثل حين حوّل مقطع الفيديو ذاته إلى مادة للسخرية، في برنامج “كلام الناس” الذي يقدّمه على قناة “الحوار التونسي”، ما أثار موجة غضب بين كثير من التونسيين.
وبدا أيضاً أن الشابي وضيوفه لم يفهموا أو تجاهلوا مضمون الرسالة التي حاولت حويجة إيصالها إلى العالم أثناء تعليقهم عليها.
وعبّر العديد من التونسيين على مواقع التواصل الاجتماعي عن تعاطفهم مع مأساة السوريين وألمهم، منتقدين التسطيح الكبير الذي تناول به برنامج “كلام الناس” مقطع الفيديو الذي ظهرت به أمل، من دون إدراك مغزاه الإنساني العميق.
وشارك الإعلامي التونسي فراس العشي، المراسل الرياضي في شبكة BBC، مقطع فيديو على صفحته الشخصية على موقع “فيسبوك”، ليتضامن من خلاله مع أمل حويجة، حيث انتقد الوضع الذي وصل إليه الإعلام التونسي، واصفاً من يقدمون أنفسهم على أنهم النخبة فيه، بالجهل، مؤكداً أنهم يستخدمون ألسنتهم لتحليل كل شيء، إبداء رأيهم في كل شيء، من دون حتى أن يستخدموا آذانهم ليسمعوا، وعقولهم ليفهموا، مشيراً إلى أن هذا أوقع تونس في أزمة فكرية وأيديولوجية.
وأكد العشي في مقطع الفيديو أن أمل تجسّد جزءاً كبيراً من ذاكرة الشعب العربي عامة، والشعب التونسي خاصة، وأن جيله ترعرع مع الشخصيات التي أدت صوتها بمنتهى الفن والإحساس، في مسلسلات أطفال شهيرة مثل “ماوكلي” و”الكابتن ماجد”، واصفاً من انتقدوها بالسُذّج، كما أشار إلى أنهم لم يقدموا للعالم من الناحية الفنيّة أو الإنسانيّة ما قدمته خلال مسيرتها الطويلة التي استمرت 30 عاماً، أحبَّها فيها كل صغير وكبير، مما يجعلهم غير مؤهلين لتقييمها.
ووصف العشي تحويل مأساة السوريين في برنامج “كلام الناس” إلى مادة للضحك بالفضيحة، طالباً من مقدّمه والضيوف فيه عدم إبداء آرائهم فيما لا يفهمون به، كما أكّد في منشور آخر أن هذا النوع من الممارسات الإعلامية التونسيّة لا يمثله، وأنه فخور برسالة أرسلتها له أمل، وقال: “صبيحة الْيوم أتتني رسالة من أمل حويجة نفسها، وهذا يكفيني. إعلامنا رهينة في أيدي الجهلة ولوث صورتنا امام العالم. أعرف أن سلوكهم لا يمثلني ولكن من خجلي، اعتذرت لها”.
وكان العشي واحداً من بين تونسيين كُثر عبّروا عن تضامنهم مع الممثلة السورية والمأساة الإنسانية التي يكابدها الشعب السوري، حيث كتب مالك عطيات الله: “في الوقت الذي كانت فيه أمل حويجة ونجوم مركز الزهرة يصنعون الأجيال، كان علاء الشابي وأمثاله يلتقطون فضائح المجتمع التونسي لكتابة شبه مقال تافه”.
وقال سامح غادغاجي: “ليس غريباً على الإعلام التونسي هذا المستوى، بالعكس أساس نجاح أي برنامج وضمان صعود صحافي في تونس هو بكم التفاهة التي يجتهد في كل مرة في الإتيان بأقرف منها وبكم القذف والسب والشتم لأن غاية الإعلام في تونس ليست الحقيقة في حد ذاتها بل استقطاب نسب مشاهدة حتى ولو كانت المادة المعروضة تمس الشرف والاستهزاء بالقضايا الإنسانية. الإعلام التونسي هو إرهاب بأتم معنى الكلمة يقتحم البيوت ويهتك العرض ويعيث في الاسرة فسادا لتمرير غايات وأفكار دخيلة ومساندة أحزاب وتلهية العباد عن قضاياه الرئيسية بخلق أشباه مشاكل. وكما قال الصحافي التونسي الغريبي الإعلام التونسي لا تصلح معه غير سياسة الهدم وإعادة البناء”.
وأكدت التونسية نادين، أن ما قدمته أمل حويجة إنسانياً، منح الأمل لكثرين بعالم غير مشوه، خال من الانحطاط الأخلاقي، حيث قالت: “من فينا لا يعرف أمل حويجة .. كبرنا مع هذا الصوت الجميل المدبلج للصور المتحركة… سورية… لبنان… الأردن من شركات مدبلجة أقوى… لغة عربية متقنة جداً وأصوات رائعة… صوت من أصوات كنا نسعد بها في طفولتنا… بلادها تنهار أمام عينيها. بقي صوتها، حاولت بطريقتها اللطيفة أن تلفت الانتباه. اكتفينا من الدمار… أمل لطالما أعطتنا أملا وهذا جزاؤها منهم لها”.
في حين كتبت “أم رضوان هيما فاعور”: “فعلاً الإنسان ربنا ميزه بالعقل وسماه إنسان عشان إنسانيته، بس هؤلاء القوم أي نوع من البشر وهم عم يتمسخروا مفكرين حالهم ناجحين وبرنامجهم ناجح، ما لقوا شيئا يقدمونه، قالوا ندور على شغلة نتسلى فيها وللأسف انقلب السحر على الساحر لأن تقريباً الأغلب لم يرق له ما قدمه فريق البرنامج التافه الحمدلله بعد في عنا بشر يا ماوكلي عندها إحساس ومشاعر وما تقبل هيك إهانة.. الله يهدي الجميع”.