صدى الشام _ عدنان علي/
يشكل مؤتمر سوتشي أكبر محاولة من جانب روسيا لتحويل “انتصاراتها العسكرية” في سوريا إلى منجزات سياسية، وهي محاولة سادها الارتباك بسبب مقاطعة “الهيئة العليا للمفاوضات” التابعة للمعارضة السورية لهذا المؤتمر، فضلاً عن الاعتراضات أو التحفّظات الدولية في ظل اعتقاد واسع بأن روسيا إنما تسعى إلى التفلّت من المرجعيات الدولية الناظمة للحل السياسي في سوريا، وإيجاد مرجعيات جديدة، تحت سقف رؤيتها ومع نظام الأسد وإيران، لهذا الحل.
وعُقد المؤتمر، الذي تأجل ليوم واحد من الإثنين إلى الثلاثاء، بمشاركة 1600 مندوب تقول روسيا إنهم يمثلون القوى السياسيّة والعشائريّة في البلاد، إضافة إلى مشاركة ممثلين عن العديد من الدول والمنظمات الدولية، بينها الأمم المتحدة، بينما قاطعت المؤتمر هيئة التفاوض السوريّة التابعة للمعارضة، والإدارة الذاتيّة الكردية، وسط مواقف تراوحت بين رفض المشاركة والتحفظ من جانب الولايات المتحدة والعديد من الدول الأوروبيّة والتي استبقت المؤتمر بتقديم ورقة غير رسمية تشدّد على مرجعيّة القرارات الدولية، والإشراف الصارم من جانب الأمم المتحدة على كل مراحل الانتقال السياسي المنشود في سوريا.
وسبق المؤتمر الذي حضره وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف وغاب عنه الرئيس فلاديمير بوتين، تلميحات روسية بخفض مستوى التوقعات من المؤتمر، والذي تقول موسكو إنه قد يكون محطة على طريق الحل السياسي في سوريا، وليس نهاية المطاف، وأن هدفه “تحقيق السلام والاستقرار في سوريا وإعادة بناء الاقتصاد وضمان عودة اللاجئين إلى ديارهم”.
بنود وشروط
وتضمن البيان الختامي للمؤتمر 12 بنداً تُمثل المبادئ نفسها التي قدمها المبعوث الأممي ستيفان دي ميستورا إلى الجولة الثامنة من المفاوضات السورية بجنيف في تشرين الثاني الماضي، وتقضي البنود بتشكيل لجنة دستوريّة بمشاركة وفد نظام الأسد ووفد آخر يمثل طيفاً واسعاً من المعارضة من أجل التحضير لتعديل الدستور برعاية الأمم المتحدة ووفقاً لقرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254، إضافة إلى الالتزام الكامل بسيادة سوريا واستقلالها، وأن الشعب السوري وحده من يقرر مستقبل البلاد، ويختار نظامه السياسي بالوسائل الديمقراطية دون أي ضغوط.
كما تنصّ على الالتزام الكامل بوحدة سوريا أرضاً وشعباً، وأن تلتزم الدولة السوريّة بالوحدة الوطنية والسلم الاجتماعي والتنمية العادلة.
وتؤكد المسودة أيضاً على أن سوريا دولة ديمقراطية غير طائفية تقوم على المواطنة المتساوية، وحماية حقوق الإنسان والحريات في أوقات الأزمات وعدم التمييز في الحقوق، والرفض القاطع لكل أشكال الإرهاب والتطرف والطائفية والالتزام بمكافحتها، فضلاً عن ضمان سلامة النازحين واللاجئين والمهجّرين وحقّهم في العودة إلى ديارهم.
وتدعو مسودة البيان الختامي الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش إلى توجيه مبعوثه الخاص إلى سوريا للمساعدة في ترتيب عمليات اللجنة الدستورية في جنيف.
وكان غوتيريش وضع مجموعة من “المعايير” التي طالب روسيا الالتزام بها مقابل مشاركة الأمم المتحدة في مؤتمر سوتشي، وتتعلق هذه المعايير خاصة بالضغط على نظام الأسد من أجل “الانخراط البنّاء” في مناقشات اجتماع فيينا الخاص بالمسائل الدستورية، لكن ذلك لم يحصل، ورغم ذلك خضع غوتيريش لبعض الضغوط، وقرر مشاركة الأمم المتحدة في المؤتمر.
وتسعى الأمم المتحدة من خلال هذه المشاركة لأن تكون هي المظلة التي تتشكل تحتها اللجان المنبثقة عن المؤتمر وخاصة اللجنة الدستورية ولجنة الانتخابات، خصوصاً في ضوء رفض الدول الغربية لأية ولاية على هذه اللجان غير الأمم المتحدة.
وتريد المنظمة الأمميّة وفريق دي ميستورا ألا يقتصر دور المبعوث على استضافة جولات تفاوضيّة بين أعضاء اللجنة الدستورية بحسب اقتراح موسكو، بل أن تكون أعمال هذه اللجنة بالكامل تحت إشراف الأمم المتحدة ومرجعيّة جنيف وفق القرار 2254، وذلك تحاشياً للأجواء التي سادت خلال جولات التفاوض السابقة في جنيف والتي تميزت بمماطلة نظام الأسد وعدم انخراطه في أية مفاوضات جديّة بشأن جميع النقاط المطروحة وخاصة ما يتصل بعملية الانتقال السياسي.
كما تدعو وثيقة ثانية إلى جانب البيان الختامي إلى رفع العقوبات المفروضة على النظام وتبني إجراءات لبدء إعادة الإعمار، وعودة اللاجئين، من دون ربط ذلك بعملية الانتقال السياسي، على عكس ما تشترطه بعض الأطراف الدولية وفي مقدمتها الولايات المتحدة.
وكانت واشنطن صاغت مع حلفائها الأوروبيين والإقليميين وثيقة تضمنت ربط المساهمة في إعادة الإعمار بتحقيق الانتقال السياسي”الجدّي والجوهري والشامل عبر التفاوض بين الأطراف المعنية برعاية الأمم المتحدة لتنفيذ القرار 2254 وبيان جنيف، وعندما تتأسس بيئة حيادية تسمح بالانتقال السياسي”.
جهود دوليّة
وكانت قد سبقت اجتماع سوتشي جهود دوليّة مكثفة بهدف تقييد قدرة روسيا على التحكم بمسار الحل في سوريا، وطرحت “الدول الخمس” في الاجتماع الذي عُقد في العاصمة النمساوية فيينا، بين وفدي النظام والمعارضة مبادرة تضع شروطاً صارمة مقابل دعم عملية سوتشي.
في الوقت نفسه، سعت موسكو إلى التشكيك بنيّات هذه الدول، وخاصة الولايات المتحدة، متهمةً إياها بالعمل على تخريب المسار السياسي.
وركزت جولة جنيف بين وفدي نظام الأسد والمعارضة على “المسائل الدستوريّة” ضمن السلال الأربع التي كان قد تمّ تحديدها في المفاوضات السابقة، وهي الحكم والانتخابات والدستور ومحاربة الإرهاب.
وخلال الاجتماع تسلّمت المعارضة ورقة “اللاورقة” من قبل الجانب الأمريكي باسم الدول الخمس (الولايات المتحدة، وفرنسا، وبريطانيا، والسعودية، والأردن)، وأضافت عليها بعض الملاحظات.
وقد وضعت هذه الدول بعض الشروط مقابل دعمها لمؤتمر سوتشي، وهي: أن يكون المؤتمر لمرة واحدة، وألا يكون بديلاً عن مسار جنيف، وأن تحضره الأمم المتحدة و”الهيئة العليا للمفاوضات” التابعة للمعارضة السوريّة، وأن تكون العمليّة الدستوريّة والانتخابيّة بمرجعيّة الأمم المتحدة.
وتوضح الوثيقة رؤية الدول الخمس للمبادئ العامة لدستور سوري جديد، وتعطي دوراً مركزيّاً للأمم المتحدة في مراقبة وإدارة العملية الانتخابية، وتركّز على نظام حكم لا مركزي بصلاحيّات واسعة مع إفراغ الرئاسة من معظم صلاحياتها.
ودعت الدول الخمس في الوثيقة، المبعوث الخاص للأمم المتحدة ستيفان دي ميستورا، إلى تركيز جهود التسوية على مضمون الدستور، والوسائل العمليّة للانتخابات، وتوفير بيئة تضمن إجراء انتخابات للسوريّين في الداخل والخارج دون خوف من الانتقام، بحيث تؤسَّس مؤسّسات وفق معايير دوليّة تشرف على الانتخابات بما فيها هيئة انتخابيّة مهنيّة وحياديّة ومتوازنة، إضافة إلى صلاحيّة قوية للأمم المتحدة بقرار من مجلس الأمن لتولّي المسؤوليّة الكاملة لإجراء انتخابات حرة وعادلة في سوريا عبر تأسيس هيئة الانتخابات ومكتب سياسي لدعم الانتخابات.
وتعتبر هذه الشروط أساسيّة بحسب تعريف الأمم المتحدة لمعنى “الإشراف” على الانتخابات والفرق بينه وبين “المراقبة”.
وحدّدت الوثيقة أهم النقاط والمبادئ التي يجب إصلاحها في الدستور، وتشمل الصلاحيات الرئاسيّة وصلاحيات رئيس الوزراء، وشكل البرلمان، واستقلال القضاء، ولامركزية السلطة، وضمان الحقوق والحريات لجميع السوريّين، وإصلاح قطاع الأمن، وكذلك إجراء تعديلات على القانون الانتخابي.
كما طالبت كذلك بوقف العمليّات القتالية تماماً، وخروج الميليشيات الأجنبية من سوريا، والشروع في عملية نزع السلاح والتسريح وإعادة الإدماج، وإيصال المساعدات، والوصول إلى الوثائق المخصصة للسجل المدني.
وتشدّد الوثيقة على أن يكون الرئيس الذي ستُعدّل صلاحياته، محقّقاً لتوازن جميع القوى، وضامناً لاستقلال المؤسسات الحكوميّة والمركزيّة، أما الحكومة فيرأسها رئيس وزراء، مع منحه صلاحيات واسعة، وصلاحيات لـ “حكومات الأقاليم”، كما أن البرلمان يتكوّن من مجلسَين، يكون ممثَّلاً في مجلسه الثاني من جميع الأقاليم للتأثير على عملية صنع القرار في الحكومة المركزية، دون وجود سلطة رئاسية لحل البرلمان.
عفرين
وبالتوازي مع المسار السياسي، تواصلت العمليّة التركيّة في منطقة عفرين ضد الوحدات الكردية، فيما صعّد النظام وروسيا من عمليات القصف على الغوطة الشرقية بعد قرار المعارضة مقاطعة مؤتمر سوتشي.
وقد تمكنت قوات “الجيش السوري الحر” بمساندة الجيش التركي من استعادة السيطرة على جبل برصايا شرقي عفرين، بعد انهيار دفاعات “الوحدات الكردية”، اضافة إلى السيطرة على تلة المرسيدس وعدة تلال مجاورة مطلة على جنديرس.
وتعود أهمية الجبل إلى إشرافه على مدينتي أعزاز السوريّة وكليس التركيّة، ومنه كان يتم استهداف المدنيين في المدينتين بالقصف المدفعي والصاروخي وقذائف الهاون.
وخلال الأيام الماضية، سيطر الجيش الحر والجيش التركي على 18 نقطة خاضعة لـ”الوحدات الكردية”، وهي 14 قرية ومزرعة و3 تلال.
ومع السيطرة على جبل برصايا، قال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان إنّ عدد مقاتلي “الوحدات الكردية” الذين تمّ “تحييدهم” (قتلوا) منذ انطلاق عملية غصن الزيتون، بلغ 484 شخصاً.
ومع تواصل تقدمها البطيء نسبياً ولكن المدروس والذي يستهدف تجنب وقوع خسائر في صفوف المدنيين، سعت أنقرة إلى التأكيد بأن هدفها هو طرد المقاتلين الاكراد من كل حدودها مع سوريا، بما في ذلك مدينة منبج بريف حلب الشرقي.
ومع إعلان الولايات المتحدة أنها لن تزوّد الوحدات الكردية بأية أسلحة جديدة، طالبت أنقرة واشنطن بسحب قواتها فوراً من مدينة منبج السوريّة التي تعتزم القوات التركية استهدافها.
وجاء الطلب بعد إعلان مصادر في رئاسة الجمهورية التركية أن مستشار الأمن القومي الأميركي، الجنرال هربرت ماكماستر، اتفق خلال مكالمة هاتفية مع المتحدث باسم الرئاسة التركيّة، إبراهيم كالين، على وقف تزويد “وحدات حماية الشعب” الكردية بالأسلحة.
الغوطة
وفي محيط دمشق، صعّدت قوات النظام قصفها على مدينة حرستا بالغوطة الشرقية لدمشق بعد ساعات على الإعلان عن اتفاق بين وفد النظام ووفد المعارضة في فيينا على وقف لإطلاق النار في المنطقة.
وفيما تضاربت المعلومات حول فحوى هذا الاتفاق وما إذا كان يشمل المناطق الخاضعة لسيطرة “فيلق الرحمن” و”جيش الإسلام” فقط، ويستثني حرستا والمناطق الخاضعة لفصائل أخرى، فقد تعرضت مختلف مناطق الغوطة لغارات جوية وقصف مدفعي وصاروخي.
ومن جهتها، بدأت فصائل المعارضة في مدينة حرستا المرحلة الثالثة من معركة “بأنهم ظلموا” التي تستهدف السيطرة على إدارة المركبات المحاصرة من جميع الجهات.
وقالت مصادر عسكرية في ريف دمشق إن الفصائل فجّرت سيارة مفخخة في مواقع قوات النظام داخل الإدارة في مستهل الهجوم على ما تبقى لقوات النظام في الإدارة.
وكانت المرحلة الثانية من معركة الفصائل في حرستا بدأت في 30 كانون الأول الماضي، واستطاعت الفصائل فرض حصار كامل على إدارة المركبات بعد السيطرة على كتل أبنية تحيط بها من جهة الأوتوستراد الدولي دمشق- حمص.