صدى الشام- سليم نصراوي/
خصصت المحطة الفرنسية الثانية “فرانس2” الثلاثاء الماضي أمسية من ثلاث ساعات وعشر دقائق لسوريا وما يجري فيها، وتضمنت الفترة عرضاً للفيلم الوثائقي “بشار الأسد، السلطة أو الموت”، أخرجه كريستوف وايدمان وقدّم فيه بورتريه لـ “الديكتاتور” وللنظام السوري المافيوي.
لكن الفيلم الوثائقي الثاني الذي تم عرضه كان بمثابة رش الملح على جرح سوري مفتوح أمام العالم، ورغم ذلك لم تتوقف معالمه الصادمة عن التكشف، وقد جاء الفيلم بعنوان “الصرخة المكبوتة” وتناول معاناة النساء السوريات في سجون نظام الأسد الذي استخدام الاغتصاب كسلاح حرب. وتمكن منتجو الفيلم من إقناع بعض النساء بالإدلاء بشهاداتهن، حيث أكدت هؤلاء النسوة أن سلاح الاغتصاب لم يستهدف فقط لتدمير المعارضة، وإنما استخدم كذلك لتقطيع أوصال العائلات، إذ تقبع أكثر من 40 ألف سيدة معتقلة في سجون النظام.
بين نارين
تحدثت المعتقلات عن معاناتهن وخوفهن من المجتمع بعد تعرضهن للاغتصاب، ووصفت صحيفة ليبراسيون الفرنسية ما ورد في التصريحات بأنه “نادر تقشعر له الأبدان، لنسوة لم يتحدثن قط عن محنتهن في سجون بشار الأسد، إنهن يردن، عبثاً، دفن هذا السر الذي شكل صدمة مزلزلة ومخجلة، في الوقت ذاته، لكل واحدة منهن”.
“سلاح الحرب” كما يصفه هذا الفيلم استخدمته قوات النظام على نطاق واسع “لكسر الرجل السوري”، على حد تعبير ضابطة سابقة في جيش النظام انشقت بداية الثورة، وتضيف الضابطة في شهادتها أن أي رجل شارك في الثورة السورية تعرضت إحدى نساء عائلته للاعتقال، وكانت رسالة الابتزاز في ذلك واضحة: إما أن تسلم نفسك وإما أن نحتفظ بزوجتك أو أختك، على حد تعبيرها.
وبحسب تحقيق فرانس2 فإن من تتعرض للاغتصاب ربما تطرد من عائلتها أو حتى تقتل لغسل العار إن كانت عائلتها محافظة لتصبح بذلك “مدانة لكونها ضحية”.
وتمكنت مُعِدات هذا الفيلم الوثائقي “مانون الوازو” و”آنيك كوجان” و”سعاد ويدي”، من إقناع بعض النساء بالإدلاء بشهاداتهن، وهو ما فعلته اثنتان منهن بوجه مكشوف، في وقت اختارت أخريات الحديث عن هذا الرعب دون كشف هوياتهن.
ولم تقتصر عمليات الاغتصاب على السجون ومراكز الاحتجاز، التي لا تعد ولا تحصى، في “أرخبيل تعذيب” النظام كما وسمت “هيومن رايتس ووتش” السجون السورية، وإنما مورس أيضاً عند نقاط التفتيش العسكرية أو خلال التفتيش في منازل الضحايا، كما تم تصوير بعض هذه الأفعال الشنيعة وأرسلت بعض أشرطة الفيديو إلى أزواج أو آباء الضحايا.
وتقول ليبراسيون إن فيلم “الصرخة المكبوتة” لا يحدد أين تعيش هذه النسوة في الوقت الحاضر، فربما يكن في الخارج أو في لبنان أو تركيا أو الأردن.
وتضيف أن بعضهن مهددات من أعضاء بنظام الأسد وصلهم خبر موافقتهن على الحديث عن التجربة المريرة التي مررن بها، وهن اليوم يشعرن بأنهن وحيدات، وهو ما عبرت عنه إحداهن بقولها “لا أحد يهتم بنا، ولا بمن نحن، ولا بما حدث لنا”.
وحوش
إحدى النساء المنشقات عن نظام الأسد تروي ما رأته قبل انشقاقها خلال خدمتها داخل الجهاز الأمني التابع للنظام، والتي خدمت لديه ثماني سنوات، وتلخص عمليات الاغتصاب الممتهنة من قبل نظام الأسد وشبيحته بأن هدفهم من كلمة اغتصاب “إذلال الرجل السوري”.
وتكمل الضابطة المنشقة شهادتها عن حالات الاغتصاب، بأنها كانت محصورة بداية ضمن الأفرع الأمنية فقط، لتتطور حالات الاغتصاب بمنهجية حيث أصبحوا يمارسونها على الحواجز وأمام أزواجهن في بيوتهم حتى أحياناً في الشوارع، حتى وصل المطاف بهم لتصوير حالات الاغتصاب داخل المعتقلات وإرسال الفيديوهات لمقاتليهم بأمر من قيادات الحملات، ليتم ممارسة الاغتصاب خلال الاقتحامات في حال لم يوجد الرجال في منازلهم ومحاولة إيصال هذه الفيديوهات إلى أزواجهن كنوع من الضغط.
وتروي الفتاة الأولى قصتها الفيلم بالقول: “فتت على غرفة لقيت فيها 3 وحوش! ألوا كانت تنين من فوقها ماسكينها، واحد من تحت ماسك رجليها، وواحد شالح ولابس قميص شيال وعم يغتصبها، منظر كتير بشع، منظر كتير سيء، بينفتح الباب، بفوتوا 3 حيطان، ضخمين كتير، أول واحد مد ايدو علي، فتحلي سحاب الجاكيت، طلعت على جسمي عمحاول أنو غطيه وهوي عميشيل أواعيي غصب عني، صرت عمحس عم افقد الإحساس، فستان عرسي تلطخ بالدم الأسود، على قد ما كان أبيض وحلو، كان كلشي فيي عم ينهار، كان كلشي فيي عم يروح”.
أما القصة الأخرى فترويها “مريم” وهي طالبة جامعية وموظفة، متزوجة ولديها أولاد، في بداية الثورة شاركت المظاهرات السلمية في حماة إلى حدوث مجزرة الحرية التي ذهب ضحيتها 750 متظاهراً بينهم 350 طفلا، فشاركت في المشفى الميداني بمنطقة الحميدية لتمارس التمريض وإسعاف الجرحى.
وبعد أن مضى على عملها الميداني في إسعاف المتظاهرين أربعة شهور، قررت زيارة أهلها وأولادها لتبدأ المأساة، فبعد وصولها بلحظات تم اقتحام منزل أهلها من قبل قوات الأمن واعتقالها بطريقة وحشية ووضعوها داخل المصفحة لتتفاجأ وجود فتيات أخريات، بينهن سيدة كبيرة في السن 55 سنة لتبدأ ممارسة التعذيب والضرب وصولاً إلى الفرع، وعرضهن على المقدم “سليمان”، وتبدأ عمليات الشبح والتعذيب.
في المساء، تضيف “مريم”، يتم اختيار المعتقلات الجميلات وأخذهن إلى مكتب المقدم “سليمان”، وفي آخر المكتب يوجد باب يؤدي إلى غرفة أخرى داخلها سريران وطاولة المشروبات الكحولية، التي كان “المقدم سليمان” يعزم عليها لمشاركة اغتصاب المعتقلات، وبحسب مريم، بدؤوا باغتصاب صديقتها أمامها وصديقة أخرى كانت حاملاً في الشهر السابع ومن شدة الاغتصاب ولدت مولودها أمام عينها ليصل دورها ليتم اغتصابها متناوبين عليها أربعة من بينهم العميد “جهاد”.
عيّنة صغيرة
قصة أخرى لمعتقلة خرجت من معتقلات نظام الأسد عن طريق عملية تبادل للأسرى كانت معتقلة ضمن سجن سري يدعى “آفاق” حيث من الصعب خروج المعتقلين منه أحياء، لأنها حينما كانت تسير ضمن ممرات المعتقل، ترى جثث المتعقلين، وتجبَر النساء على السير فوقهم كنوع من الترهيب للإدلاء باعترافاتهن، وتقول هذه المرأة أنه كان هناك خمس حالات انتحار لعدة معتقلات نتيجة ممارسة الاغتصاب عليهن بشكل وحشي خلال فترة وجودها داخل السجن.
وتعليقاً على الفيلم وما ورد فيه من شهادات يقول أحد الصحفيين الذين أنجزوه ويدعى مانون لوازو، إن تلك الشهادات المؤلمة التي عرضها العمل تشكل ثمرة ساعات طويلة من المناقشات مع عدد من السجينات السابقات، لافتًا إلى أن “مَن قبلن الحديث لسن سوى عينة صغيرة مما يحدث من تعذيب واعتداءات في السجون السورية”.