صدى الشام/
بعد حملة دامت خمسة أشهر، استعادت قوات مدعومة من أمريكا عاصمته “داعش” السابقة مدينة الرقة، كما سيطرت قوات نظام الأسد على معظم أراضي واسعة في محافظة دير الزور القريبة من الحدود العراقية.
ومنذ أن هزم التنظيم في الموصل، أكبر معاقله في العراق، خسر “داعش” أيضاً مدناً استراتيجية، مثل الحويجة وتلعفر والقائم. لكن وفي ذات الوقت، تمت مهاجمة مدن كبرى باسم التنظيم، ومنها نيويورك، ولندن، وبرشلونة، من ضمن مدن أخرى بعيدة عن سوريا والعراق.
وفي بحث نشرته مجلة “ناشونال إنترست”، أبرزت جاكلين سازرلاند، مستشارة الإرهاب والحرب غير النظامية لدى جمعية يانغ بروفيشينال الأمريكية، والمحللة بارزة التي تركز على الأمن في شركة شيروف للاستشارات الأمنية الدولية، كيفية استمرار أنصار “داعش” حول العالم في العمل باسمه.
تأسيس
وتقول الباحثة إنه غالباً ما افتُرض خطأً بأن التفات “داعش” إلى محوره الخارجي البعيد عن منطقته الأصلية، والعمل على مهاجمة مدن كبرى، ما هو إلا عمل انتقامي يائس ليحتفظ بمكانته، بعد هزائمه في الميدان.
ولكن توقيت تأسيسه لفرع عملياته الخارجية تحت اسم “الأمني” المكلف بالتخطيط لعمليات خارجية يدحض تلك الفرضية.
وتشير الباحثة إلى أن الفرع “الأمني” يشكل منظمةً فرعية تابعة لـ “داعش” في سوريا تأسست في ربيع 2014، ما يعني أن “داعش” وقبل أشهر من إعلان أبو بكر البغدادي خلافته، كان يضع لبنات البنية الأمنية لشبكة إرهابه الخارجي. وهذا بدوره يؤكد أن التنظيم كان يمهد لمهمته الخارجية، بالتزامن مع ادعائه تأسيس خلافة، وليس كردّ فعل على خساراته المتلاحقة.
وكما أفادت شهادات منشقين عن “داعش” فقد نقل التنظيم مقره “الأمني” من سوريا إلى ليبيا، وتبين الوثائق أن سلمان عابدي، مفجر مسرح أرينا في مانشستر، التقى عندما كان في ليبيا أعضاءً كباراً في فرع “داعش” للعمليات الخارجية، ما يثبت أن الشبكة كانت تسهّل تنفيذ عمليات من خلال قاعدتها الجديدة المفترضة.
وإذا ثبت أن “داعش” نقل فرع “الأمني” إلى ليبيا، سيسمح ذلك لعملاء التنظيم من المدربين جيداً، بالتخطيط لهجمات من منطقة على أبواب أوروبا.
لذلك ترى الباحثة، ضرورة سعي مسؤولي مكافحة الإرهاب لتطوير استراتيجية تفيد في تقويض وتدمير “داعش” في صورته المصدّرة إلى العالم.
اقتراب الخطر
في آب 2016، كانت صحيفة “نيويورك تايمز” أول من نشر تقريراً حول العمليات الداخلية لـ “الأمني” بالاستناد لمعلومات تم الحصول عليها من خلال آلاف الوثائق التي كشفت عنها استخبارات فرنسية وبلجيكية وألمانية وأسترالية.
وكشفت تحقيقات الصحيفة أن عملاء “داعش” لم يرسلوا من سوريا إلى أوروبا لتنفيذ هجمات، بل إنهم دُربوا تحت قيادة المتحدث باسم “الأمني” وزعيمه السابق محمد العدناني.
والأهم منه، كانت موجة هجمات “داعش” في تموز 2016، والتي افترض مسؤولون غربيون أنها عشوائية وغير مترابطة، لكنها تمت في الواقع بإشراف مسؤول من “الأمني”. وكان المخططون لهجمات باريس من عملاء الأمني، ومثلهم صانعو القنابل التي استخدمت في هجمات مطار بروكسل.
وتقول ساندرز إنه بالنظر لنجاح “الأمني” بالتخطيط لهجمات دولية من مقره في سوريا، أي على بعد آلاف الكيلومترات عن أوروبا، فإن اقترابه من حدود القارة القديمة (أوروبا) يثير القلق.
وحسب الباحثة، فإن ما لم يُعرف بعد، هو علاقة الأمني في ليبيا بمجموعة تسمى كتبية البتار الليبي( كي بي إل)، المكونة من الجهاديين الليبيين الذين قاتلوا ضد قوات الأسد في سوريا، وشكلوا وحدة من المقاتلين للحرب تحت راية “داعش”.
تخطيط لعمليّات
ويدعي كل من “كي بي إل” و”الأمني” تدريب عبد الحميد أبا عود، مهندس هجوم باريس، والتخطيط لعمليات إرهابية في أوروبا.
وفي رأي سازرلاند، إذا ثبت أن “الأمني” نقل مقره إلى ليبيا، وإذا كانت علاقته بوحدة كي بي إل حقيقية، سيكون لذلك تبعات خطيرة على الأمن الدولي.
ولا يعود ذلك لقرب ليبيا من أوروبا وحسب، ما يسهل إمكانية تنفيذ هجمات من عملاء “داعش”، بل لأن فرعه الأمني سيتمكن من الاستفادة من وسائل التهريب الواسعة في ليببا، ومن مخزونها من الأسلحة والعتاد الحربي.
لذا تدعو الباحثة للتعامل مع خطر “الأمني” بجدية بالغة، وتخصيص موارد لمنعه من النمو من الناحيتين الاستراتيجية والتكتيكية.