صدى الشام- عمار الحلبي/
يجري الحديث مؤخّراً عن مشاركة لبنانية في عملية إعادة إعمار سوريا، عبر شركات من داخل وخارج لبنان باتت تحضّر نفسها للمساهمة في العملية، وذلك بالتزامن مع انخفاض وتيرة المعارك في جبهات سوريّة عديدة عقب سنوات شهدت تدميراً طال معظم المدن السورية خصوصاً حلب وحمص ودرعا وريف دمشق والرقة ودير الزور.
وبغض النظر عن استعجال النظام ومواليه في سوريا ولبنان لإعادة الإعمار بهدف إعلان انتهاء المعارك والدعاية لفكرة “النصر” المزعوم ومنح الأسد الشرعية، فإن المشاركة في أي عمليات من هذا النوع في العالم تأخذ طابعاً تجارياً بالعموم، إذ إن عملية التأهيل في الدول التي شهدت حروباً غالباً ما تكون مربحة لأي شركة تساهم فيها، لكننا هنا أمام دولة تحوم الشكوك أساساً حول إمكانات شركاتها.
153 مشروعاً!
يُقدّر عدد المشاريع الصناعية اللبنانية المطروحة للمساهمة في إعادة إعمار سوريا بـ 153 مشروعاً، وفقاً لمدير “Malia Invest Holding” شكيب شهاب، الذي قال في مداخلته أثناء جلسة “إعادة إعمار سوريا” التي عُقدت خلال اليوم الثاني لأعمال مؤتمر الطاقة الوطنية اللبنانية: “إنّه على السُّلطة اللبنانية أن تسعى منذ الآن إلى اتخاذ جملة من الإجراءات التشريعية والتنفيذية كي لا تفوت فرصة المشاركة في مرحلة إعادة الإعمار”، وفقاً لما ذكرت صحيفة “الأخبار” اللبنانية.
وقبل هذا التصريح، كشف سياسي لبناني عن شركات تؤسّسها في ألمانيا قيادات لبنانية للاستثمار السري في سوريا ويجري الحديث عن 200 مليار دولار كبداية لإعادة الإعمار.
وقال الوزير السابق عبد الرحيم مراد: “إنّ الحرب السورية باتت في خواتيمها، وستبدأ عملية البناء مع بداية العام الجديد، وهذا يعني أن الجميع سيتوجهون للعمل في سورية “اللبنانيون قبل السوريين”، معتبراً أنه “عندها ستحلّ مشكلة السوريين الذين سيعودون للمساعدة في إعادة إعمار بلدهم”، حسب قوله.
وتطرح هذه المساعي اللبنانية سؤالاً عن الدوافع الكامنة خلفها خصوصاً وأن نظام الأسد يعوّل بشكل كبير على أي إعلانات للمشاركة في هذا الإطار بما يدعم رؤيته ومزاعمه حول تحقيق “النصر على الإرهاب” حسبما تروّج وسائل إعلامه.
إمكانات ضعيفة
بعيداً عن أبعادها السياسية فإن مشاركة لبنان في عملية الإعمار هذه تشوبها الكثير من الشكوك، ولا سيما مع مقدرات هذا البلد الصغير.
وفي هذا السياق تساءل رئيس مجلس إدارة بنك BEMO رياض عبجي: “هل مرافئ لبنان مهيّأة للعب هذا الدور؟ هل تبحث الدولة اللبنانية في كيفية تطوير المرافئ؟ وهل تستطيع تحمل تكلفة هذه التحسينات؟”
ويحاول شكيب شهاب مدير “Malia Invest Holding”، أن يطرح حلولاً من جانبه عبر “تفعيل مرفأ طرابلس بوصفه قريباً من الحدود السورية”، مُشدّداً على ضرورة المباشرة بخطط تأهيل البنى التحتية من سكك حديد وغيرها، وعندها يستطيع الجانب اللبناني أن يُساعد في الإعمار انطلاقاً من خبرته في الاستشارات الهندسية وفي المشاريع السكنية، وخبرته الواسعة في مجال السياحة وكيفية تطويرها في سوريا بعد الحرب في بعض المناطق كاللاذقية وغيرها.
من جهته قال المدير العام لمؤسسة lCIS حسن مقلّد: “نحن نبحث منذ أربع سنوات في المشاريع المزمع إنشاؤها في المنطقة، لكن مشاريع الإعمار لن تأتي إلى اللبنانيين وهم في مكاتبهم”.
واعتبر أن “الجانب اللبناني له الأفضلية على باقي الدول من ناحية امتلاكه ميزة الممر البري الأفضل، وميزة الجيرة والاتفاقيات التجارية والاقتصادية الموقعة بين البلدين منذ أكثر من عشرين عاماً”، حسب وصفه.
وتابع: “في حالة إعادة إعمار سوريا، فإنّ القطاع الخاص سيعجز عن لعب أي دور من دون الدولة اللبنانية التي عليها أن تُباشر منذ الآن بإحياء علاقتها مع السلطات السورية، سعياً إلى حجز مقعد لها في الإعمار”.
ويواجه لبنان عدّة مشاكل أبرزها عدم وجود البنية التحتية الجاهزة للمشاركة في إعمار دولة أكبر منه حجماً، وفي نقل المستلزمات اللوجيستية ومواد البناء وغيرها.
دَور إشرافي لا أكثر
وفي حال نجاح لبنان في المشاركة في إعادة إعمار سوريا مستقبلاً، فإن هناك العديد من العوامل التي ستنعكس عليه إيجاباً وأبرزها الربح الاقتصادي والمنفعة التي سيحققها لهذا البلد، إضافةً إلى أنّه سيخلط الأوراق السياسية بعد أن كان متوقّعاً تفرّد روسيا وإيران بالمشاركة في هذه العملية باعتبارهم “حلفاء” يسعون لتحصيل أكبر المكاسب، ولا سيما أن بشار الأسد كان قد صرّح سابقاً أن “الأفضلية في إعادة الإعمار هي للدول التي وقفت إلى جانب سوريا وتلك الدول الصديقة”، على حد وصفه.
لكن كل هذه الطموحات تنسفها المعطيات الواقعية على ما يقول المهندس المعماري السوري المقيم في الداخل السوري أحمد الصالح، ويوضّح أنّه من الصعب جداً على لبنان المشاركة في الإعمار فعلياً، ويقول الصالح لـ “صدى الشام”: “من المعروف منذ عشرات السنوات وحتى اليوم أن السوريين هم من يقومون بإعمار لبنان فكيف يقوم المواطن اللبناني بإعمار سوريا وهو لم يساهم فعلياً في إعمار بلده أصلاً؟”، ويضيف أنه من خلال نظرة سريعة على عمل البلديات التي تقوم برفع المباني وترصيف الطرقات في ضواحي بيروت مثلاً، ستجد أن معظم العمال إن لم يكن جميعهم هم من السوريين وهم موجودون قبل اندلاع الثورة السورية، في حين أن مهمّة اللبنانيين تنطوي على الإشراف والتخطيط فقط، كون المواطن اللبناني غالباً لن يعمل في “الإسمنت أو البلاط أو الكهرباء أو غيرها من تلك الأعمال”.
ويرى أنّه في حال دخول لبنان في هذه العملية، فإن ما سيحدث هو مشاركة شركات لبنانية لتقديم الإشراف والخبرة فقط، في حين أن العملية ستتم بأيادٍ سوريّة، لافتاً إلى أن هذا الأمر سيكون مجحفاً بحق السوريين لو تمّ، كونهم يمتلكون هذه الخبرات أصلاً دون الحاجة للجوء إلى شركات لبنانية.
واعتبر أن ما تحتاجه سوريا في هذه المرحلة هو أربعة عناصر: الأولى هي التعامل الذكي والمُثمر مع أنقاض سوريا، وتدويرها بشكلٍ يضمن الاستفادة منها، والثانية هي تأمين المواد الأولية للبناء كون سوريا لا تملك أكثر من 10% منها، إضافةً إلى تأمين نقل هذه المواد إلى سوريا وهذا ما يتم غالباً عبر الموانئ، وأخيراَ اليد العاملة التي تُعتبر الأهم في هذه العملية بسبب نقصها في سوريا، وذلك عبر تقديم الأفضل للعمال والمهندسين السوريين في الخارج أو استقدام عمال غير سوريين.