صدى الشام _ محمد أمين/
يتسيّد الموت والدمار مدينة الرقة التي تحوّلت – وفق شهادات ناجين من أهلها- إلى أنقاض أبنية تُجسّد مأساة مدينة دفعت ثمن حروب عبثية تسببت بمأساة تفوق الوصف، فيما يواصل طيران التحالف الدولي تدمير المدينة على رؤوس عشرات آلاف المدنيين الذين تحولوا إلى وقود معركة اقتربت من شهرها الثالث دون ظهور بوادر حسم عسكري.
ولا تزال معارك كر وفر تدور داخل مدينة الرقة بين قوات “سوريا الديمقراطية ـ قسد ـ”، وبين تنظيم “داعش” الذي بدأ يخسر مواقع مهمة له في المدينة نتيجة قصف طيران التحالف الدولي بقيادة واشنطن العشوائي الذي حوّل معظم المدينة إلى كتل دمار، ما يعيد للأذهان سيناريو مدينة الموصل العراقية الكارثي، وتحاول “قسد” التي تشكل الوحدات الكردية عمادها الرئيس السيطرة على قلب المدينة من خلال التحرك عبر محورين: شرقي قادم من شارع المنصور، وغربي قادم من حي “الثكنة”، كي تلتقي القوتان في الوسط، ومن ثم يصبح مسلحو “داعش” محاصرين في القسم الشمالي من المدينة الذي يضم مقرات الفرقة 17، والمحصنة من قبل التنظيم.
وأعلنت مصادر في “قوات سوريا الديمقراطية” الأربعاء أن الأخيرة تطوّق حيي “الدرعية”، و “المرور” بشكل كامل في الجهة الغربية لمدينة الرقة، مشيرة إلى أنها قتلت نحو 18 من مسلحي التنظيم أثناء محاولتهم الخروج من طوق الحصار، موضحة أن المنطقة لا تزال تشهد اشتباكات، وانتزعت قوات “سوريا الديمقراطية” منذ بدء معركة الرقة في السادس من حزيران الفائت، السيطرة على أحياء: السباهية، الرومانية، اليرموك، القادسية، بريد الدرعية، وقسم من نزلة شحاذة، المشلب، الصناعة، وأجزاء المدينة القديمة، البتاني، تل البيعة، وهشام بن عبد الملك، والجسر الجديد المقام على نهر الفرات الذي يحاذي مدينة الرقة من الجهة الجنوبية، كما سيطرت على أهم شوارع المدينة، وأبرزها شارع “القوتلي” الذي تعرض لدمار كبير، وفق ناشطين محليين نشروا صوراً على وسائل التواصل الاجتماعي تظهر حجم هذا الدمار، إضافة الى شارع “المنصور” الذي يتقاطع مع “القوتلي” بالقرب من المتحف الوطني، ولمّا تستطع “سوريا الديمقراطية” بَعْدُ السيطرة بشكل كامل على دوار “الساعة” أبرز الميادين في وسط مدينة الرقة ما يؤكد شراسة المعارك التي تدور في المدينة، حيث يحاول ما تبقّى من مسلحي التنظيم تكبيد القوات المهاجمة خسائر فادحة، ولم يعد أمام مسلحي التنظيم إلا خيار القتال حتى الموت بعد محاصرتهم داخل المدينة، حيث لم يترك التحالف الدولي لهم “مخرج نجاة”، وهو ما يفسر عدم حسم المعركة التي تقترب من الشهر الثالث، وتمتد مدينة الرقة السورية التي سيطر عليها تنظيم داعش في أوائل عام 2014، على مسافة تقدر بنحو 8 كيلو متر من الشرق للغرب، و4 كيلو متر من الجنوب إلى الشمال، وتضم أكثر من عشرين حياً و “حارة” تنسب لعائلات تقطنها، تعرض أغلبها الى دمار كامل.
في الغضون، لا يزال أكثر من عشرين ألف مدني يدفعون فاتورة المعارك الأغلى، حيث لا يكاد يمر يوم دون مقتل العشرات منهم بينهم عائلات كاملة أبيدت بقصف جوي من طيران التحالف الدولي الذي اختار سيناريو الموصل المعتمد على سياسة الأرض المحروقة لتمهيد الطريق أمام القوات المهاجمة، وتؤكد حملة “الرقة تُذبح بصمت”، المختصّة بتوثيق الانتهاكات في المحافظة أن عائلات كاملة أغلبها أطفال ونساء قضت بقصف طيران التحالف الذي يبدو أنه غير مكترث على الإطلاق بمصير مدنيي الرقة الذين تحولوا إلى دروع بشرية لدى مسلحي التنظيم، ودمّر طيران التحالف الدولي مرافق المدينة الحيوية بشكل كامل، آخرها كان مشفى “المواساة”، والذي دُمر الأربعاء بغارة جوية ليضاف إلى أغلب المراكز الصحية في المدينة التي باتت أنقاضاً، أبرزها المشفى الوطني.
وتؤكد مصادر محلية خرجت مؤخرًا من المدينة، واستقرت في مخيمات عين عيسى، ما يصل للإعلام عما جرى، ويجري في الرقة “لا يعكس حجم الكارثة”، مضيفة في حديث مع ” صدى الشام”: ما يجري يفوق الوصف، وعندما تنتهي المعارك يدرك العالم هول المأساة، ويواجه الباقون في الرقة مختلف أنواع الموت، حيث لا أدوية، ولا طعام، ولا ماء ولا كهرباء منذ أكثر من شهرين، إثر حصار مطبق فرضته قوات “سوريا الديمقراطية” على المدينة، كما تقف ألغامٌ سوّر بها التنظيم المدينة بالمرصاد بعشرات المدنيين الذين يحاولون الهروب من الموت قصفاً وجوعاً، إلى مناطق سيطرة قوات “سوريا الديمقراطية “، حيث ينشر ناشطو الرقة كل يوم أسماء ضحايا الألغام، وغير بعيد عن مدينة الرقة، تدور رحى معارك لا تقل ضرارة في ريفها الجنوبي الشرقي، حيث تحاول قوات النظام، وميليشيات إيرانية تساندها انتزاع السيطرة على بلدتي معدان، والسبخة من تنظيم “داعش” في طريقها نحو ريف دير الزور الغربي، وأقدمت قوات النظام الأربعاء على استخدام أسلحة كيمياوية – وفق مصادر محلية- ضد مسلحي التنظيم في قرية الغانم، ما أدى إلى مقتل نحو ثلاثين منهم، ويحاول التنظيم إيقاف تقدم قوات النظام إلى دير الزور، حيث تعد بلدة معدان بوابة الوصول إلى المدينة التي يسيطر التنظيم على معظمها.