صدى الشام- مثنى الأحمد/
بعد انتقال الفرنسي “بول بوغبا” إلى مانشستر يونايتد في صفقة أبرمها النادي الإنجليزي مع نظيره يوفنتوس الإيطالي وبلغت نحو 89 مليون جنيه إسترليني، قال حينها “جون سميث” وكيل اللاعبين الشهير ومؤلف كتاب “الصفقة” لصحيفة “ميرور” إن الأمر ليس سوى مسألة وقت فقط حتى يصل سعر لاعب كرة القدم إلى 200 مليون جنيه استرليني ويُقدر راتبه بمليون جنيه أسبوعيًا.
وفيما تنبئ “سميث” بأن ذلك لن يستغرق أكثر من عام حتى يصبح حقيقة تفرض نفسها على أرض الواقع، فقد بتنا اليوم نسمع عن اقتراب باريس سان جيرمان من ضم المهاجم “نيمار دا سيلفا” مقابل دفع 222 مليون يورو، مقابل كسر العقد الذي يربط اللاعب مع نادي برشلونة، في حين كشفت وسائل إعلامية أن راتب الدولي البرازيلي مع النادي الفرنسي سيصل إلى 30 مليون يورو خالية من الضرائب.
وبالإضافة لذلك فقد أصبح واضحًا للجميع الرغبة الجامحة عند ريال مدريد للتعاقد مع الشاب “كيليان مبابي” عن طريق تقديم 180 مليون يورو لنادي موناكو، وسط اهتمام كبير باللاعب الفرنسي من عدة أندية أخرى تواصلت مع ناديه بعروض لا تقلّ قيمتها عن 100 مليون.
وليس كل شيء في عالم الصفقات، فقد شاهدنا كيف أصبح سعر اللاعب المدافع (الذي يكون بالعادة أقل من باقي المراكز) يصل إلى 54 مليون جنيه إسترليني، كما حصل في صفقات قام بها مانشستر سيتي الإنجليزي بعد ضمه لـ “بنجامين مندي” من موناكو، و”كايل ووكر” بـ 50 مليون جنيه من توتنهام.
هذه الأسعار الجنونية دفعت الوسط الرياضي إلى طرح الكثير من الاستفسارات والتساؤلات، بعضها كان ناقدًا لتلك الأندية وما تقوم به، مطلقةً تحذيراً من خطر قادم يهدد مستقبل كرة القدم إن استمر الوضع على ما هو عليه الآن، إذ اعترف “جيانلويجي بوفون” أنه لا يفهم المستوى الذي وصلت إليه أسعار اللاعبين في موسم الانتقالات الحالي، معتبرًا أن “هذا الشيء وهمي”.
ففي تصريحات لصحيفة “غازيتا ديللو سبورت”، تساءل الحارس الإيطالي “لماذا سعر نيمار 222 مليون يورو وليس 600 مليون يورو؟ جدّي كان يقول لي دائمًا : استمرّ في نفخ البالون، ولكنه سينفجر في النهاية”.
لكن كيف وصلنا إلى هذا الحد من ارتفاع أسعار اللاعبين لدرجة أصبحت الـ 10 و 20 مليون مبالغ لا تذكر في سوق الإنتقالات؟ ومن المسؤول عن كل ذلك؟
تنافس
شهدت السنوات الخمس الأخيرة ارتفاعاً كبيراً في دخل وميزانية الأندية الأغنى في أوروبا والتي يأتي في مقدمتها مانشستر يونايتد، ريال مدريد، برشلونة، وبايرن ميونخ. حيث بلغ ارتفاع الدخل لهذه الأندية الأربعة 664 مليون يورو بين عام 2013 ونهاية 2016، وذلك بالتوازي مع وجود أندية أخرى تتمتع بميزانيات قوية لا يستهان بها.
هذا الارتفاع في الدخل إلى جانب شدة المنافسة، جعلَ هذه الأندية تدفع أكثر للحصول على اللاعب الذي تُريده، وذلك في سبيل قطع الطريق على المنافسين، وهذا ما كان واضحًا في صفقات كثيرة من بينها ما حدث مؤخرًا بين مانشستر يونايتد وتشيلسي بخصوص البلجيكي “روميلو لوكاكو” الذي ذهب في النهاية إلى “أولد ترافورد” مقابل 85 مليون يورو.
وبالتأكيد فإن كل الأندية الكبرى تقوم بتدعيم فرقها بشكل دوري، وهذه التدعيمات تقوم على أساس ما يحتاجه المدرب وميزانية النادي، التي يُفترض ألا تزيد عن أحد عشر لاعبًا مع البدلاء، لكن الميزانية ترتفع باستمرار ودخل النادي ينمو، وهنا لا تجد إدارة النادي أي مشكلة في رفع أجر اللاعب أو زيادة سعره طالما لا توجد أزمات مالية تعيقها.
أدوار مؤثّرة
أصبحت كرة القدم حاليًا أرضاً خصبة للمستثمرين الذين وجدوا فيها موردًا آخر لزيادة نشاطاتهم الاقتصادية، ولدعم هذه النشاطات عمد هؤلاء إلى المبالغة في دفع الأموال لاستقدام لاعبين كبار والاستفادة من أسمائهم كعلامة تجارية تزيد من القوة الاقتصادية للنادي، ومع وجود رغبة لدى ملّاك الأندية في حصد الأخضر واليابس، وُلد سوق جديد للاستثمار ينجح فيه مَن يدفع أكثر.
كما بات التوقيع مع أحد اللاعبين من أفضل الطرق لدى رؤساء الأندية الكبرى لتلميع صورتهم قبل خوض غمار الانتخابات، وهذا ما حدث في صفقة انتقال الويلزي “غاريث بيل” من صفوف توتنهام هوتسبير الإنجليزي إلى ريال مدريد، إذ حرص حينها رئيس الملكي “فلورنتينو بيريز” على إنجاز صفقة من العيار الثقيل تدعم موقفه في الانتخابات، فما كان منه إلا أن دفع 100 مليون يورو للظفر بخدمات اللاعب.
التحكّم في السوق
مع تزايُد الطلب على اللاعبين أصحاب الأسماء اللامعة، ظهرت مهنة جديدة في عالم كرة القدم وهي وكيل اللاعب الذي أصبح لاحقًا شخصًا ذو نفوذ كبير، ويخوض هؤلاء الوكلاء حروباً طاحنة فيما بينهم ليفوز كل منهم بأحقية تسويق نجمه، الذي تشكل إعادة بيعه فرصة لجني الكثير من الأموال بالنسبة للوكيل.
كما بات وكلاء اللاعبين يتحكمون في سوق الانتقالات، وساهموا بالارتفاع الجنوني في بورصة اللاعبين، عبر التلاعب بمسؤولي الأندية وفتح باب المفاوضات مع أكثر من نادٍ للوصول إلى أعلى سعر، بالإضافة لضغطهم على مسؤولي الأندية لدفع مبالغ “سمسرة” لإرساء الصفقات لمصلحتهم.
وتعتبر صفقة البرازيلي “نيمار” حين انتقل من صفوف سانتوس البرازيلي إلى برشلونة الإسباني، دليلاً على ذلك، إذ أن والد اللاعب ووكيل أعماله “دا سيلفا سانتوس” تلقى مبلغ 40 مليون يورو عمولة من رئيس النادي الكتالوني “ساندرو روسيل” ليحصل على توقيع ابنه.
كذلك حصل “مينو رايولا” وكيل أعمال لاعب الوسط الفرنسي “بول بوغبا” على عمولة خيالية لتسهيل انتقال موكله من نادي يوفنتوس الإيطالي إلى صفوف مانشستر يونايتد الإنكليزي، فوفقًا لما أكدته بعض وسائل الإعلام الإنكليزية فإن عمولة “رايولا” تخطت الـ30 مليون يورو في الصفقة التي بلغت قيمتها المعلن عنها لوسائل الإعلام 100 مليون إسترليني، بخلاف ما يتقاضاه اللاعب، وبالتأكيد أدى دفع هذه العمولات إلى ارتفاع سعر اللاعب بالنهاية.
المواهب
أثّر دخول الوسائل العلميّة الحديثة إلى عالم كرة القدم في أسعار اللاعبين الشباب بشكل واضح، حيث كان التعاقد مع اللاعب الشاب سابقًا مغامرة بالنسبة للأندية تنجح أو تفشل، لذلك كانت الأندية لا تدفع مبالغ كبيرة لقاء التعاقد مع لاعب صغير السن وقادم من قارة أخرى، لكن ظهور شركات متخصصة في الإحصاء تعتمد على أساليب حديثة في عملها أدى إلى كشف المواهب مبكرًا، لتقوم هذه الشركات لاحقًا بتقديم تقارير مفصلة للأندية تكشف من خلالها قيمة الشاب وإمكانياته الفنية.
وعلى هذا الأساس أصبحنا نلاحظ سطوع أسماء لاعبين في أعمار صغيرة قبل مجيئهم إلى أوروبا، وهنا يلعب الإعلام دوره في هذا الموضوع، حيث تتناقل القنوات والمواقع الإلكترونية أسم اللاعب وصوره حتى تتشكل هالة إعلامية كبيرة حوله، الأمر الذي يدفع ناديه إلى المطالبة بمبالغ مرتفعة من أجل الاستغناء عنه، ومثال ذلك اللاعب البرازيلي صاحب الـ 16 ربيعًا “فينيسيوس جونيور ” الذي انتقل إلى ريال مدريد مقابل 45 مليون يورو، بينما لم يكن يتجاوز سعر من هم في عمره سابقاً 5 ملايين في أحسن الأحوال.