صدى الشام _ جلال بكور/
بعد توقفه عن القصف والقتال لمدة ثلاث سنوات تقريباً وبعد قيام المعارضة السورية المسلحة في المنطقة بتصفية ما يسمى بـ”الخوارج” بدأ نظام الأسد بحملة عنيفة وتصعيد أسفر حتى ساعة كتابة المقال عن مقتل أكثر من ثلاثين مدنياً وجرح العشرات، وغالبيّتهم من النازحين.
الحديث هنا عن شرقي دمشق، والمنطقة الواصلة بين الغوطة الشرقية والعاصمة (حرستا الغربية، القابون، برزة، تشرين)، هذه المنطقة التي تخضع لهدنة وتهدئة منذ عام 2014 فجأة يرغب النظام في القضاء على المعارضين فيها بعد مهادنتهم لمدة ثلاث سنوات تقريباً، تزامناً مع الفشل خلال تلك المدة في اقتحام الغوطة بشكل كامل، رغم إحرازه تقدماً في بعض المناطق بفعل الكثافة النارية.
وبينما كانت الغوطة تتلقى القصف والمجازر وتصد محاولات الاقتحام، كان شرقي العاصمة يعيش حصاراً جزئياً لكن ضمن هدوء نسبي وخروقات للهدنة فقط من جهة النظام، والحجة كانت جاهزة “استهداف النصرة وداعش”.
هذا ما قد يدخلنا في التكهن والتخمين والتحليل أو ربما قول شيء من الحقيقة، فالجميع حالياً يرجع أسباب الحملة إلى رغبة النظام في الضغط على المعارضة من أجل تحقيق مكاسب في مؤتمر جنيف، لكن النظام في الواقع يريد الخلاص من المعارضة في العاصمة ومحيطها، وهي النقطة الوحيدة التي تجعل من النظام وحلفائه في “ذروة النصر”.
لقد كسبت المعارضة السورية المسلحة من خلال الهدنة في شرقي دمشق ما لم يكسبه النظام، واستفادت من شريان حياة ولو كان صغيراً من أجل كسر الحصار على الغوطة، وهو طريق يمتد من شرق دمشق إلى حرستا ثم باقي الغوطة، بينما يظن الكثيرون أن خطوط إمداد المعارضة هناك تأتي فقط من القلمون الشرقي، وهو ما ينبغي أن يجعل النظام يركز ضغطه على المنطقة الواصلة بين ريف دمشق الشرقي والقلمون.
لكن شرقي دمشق فعلياً هو نقطة تغذية حقيقية للغوطة الشرقية، وعلى هذا الأساس أراد نظام الأسد مؤخراً قطع الإمداد عن الغوطة بالكامل قبل الدخول في المعركة، وبالتالي فالنظام يهاجم شرقي دمشق ليس للضغط على جنيف، إنما من أجل التهيئة لما بعد جنيف، وبناءً على ذلك فقد قرر النظام إيقاف الحملة على الغوطة أو تخفيفها ريثما يقوم بالسيطرة على أحياء شرقي دمشق لقطع أحد شرايين الحياة إلى الغوطة حسب ظنّه.
كانت تلك الأحياء تُعدّ بحكم الساقطة نظرياً لدى النظام لِكون المعارضة المسلحة فيها لا تملك زخماً عسكرياً يُمكّنها من الصمود، إنما في حال الهجوم المحتّم سوف تنسحب باتجاه الغوطة الشرقية عبر الشريان ذاته، لذلك لم تكن تفكر في الانسحاب أو القيام بعمل عسكري مؤلم للنظام في العاصمة يدفعه فعليّاً لاقتحام تلك الأحياء، وبسط سيطرته عليها.
ومن خلال التصعيد ضد أحياء شرقي دمشق يريد النظام دفع المعارضة إلى الرد بعمل عسكري يعطيه الذريعة للتصعيد أكثر وتدمير هذه الأحياء تمهيداً لتهجير أهلها أولاً، وثانياً يريد التهيئة لما بعد لقاء جنيف لأنه يعي أن الاجتماع لن يخرج بشيء وسيكون مُعطّلاً، وثالثاً يسعى النظام للسيطرة على العاصمة بالكامل وتأمين طريق دمشق- حمص بشكل نهائي تمهيداً لبدء السيطرة على ريف دمشق.
وإلى جانب ذلك ينبغي ألا تفوتنا الإشارة إلى المكسب السياسي للنظام وحلفائه حيث يريد المجتمع الدولي إثبات قوة النظام وسيطرته على العاصمة للترويج لفكرة أن المعارضة غير قادرة على إسقاط دمشق وبالتالي إنشاء قوة عسكرية وسياسية تمكنها من حكم سوريا، وبالنتيجة فإن أي اجتماع بخصوص سوريا، وأي حل سياسي سيطرح لن يكون فيه مستقبل سوريا خالياً من بشار الأسد.