الرئيسية / رأي / ورقة داعش في لعبة الحل الدولية

ورقة داعش في لعبة الحل الدولية

صدى الشام _ عبد القادر عبد اللي/

تأتي التصريحات التي ترسم الحلول والبيانات والرؤى للقضية السورية على موجات سرعان ما تصطدم بصخور الواقع، وتتبدد.

الأقوى اليوم على الساحة السورية هي التنظيمات التي تعتبرها موسكو علناً منظمات إرهابية مثل فتح الشام، وبقية مكونات جيش الفتح، وجيش الإسلام، مع العلم أن موسكو تعتبر كل من يقاتل ضد الأسد إرهابيا حتى وإن كان مسيحياً أرثوذكسياً، ولم تُغير نظرتها هذه حتى الآن.

حقق التحالف الدولي (روسيا-إيران)، الراعي العلني للأسد، نجاحات عسكرية مهمة على الأرض ضد فصائل ما يُسمى المعارضة المعتدلة. وبدأ الناطقون باسم هذا الحلف يحتفلون بانتهاء أزمتهم، وقضائهم على ما يسمونه الإرهاب، لأن داعش هي حصة الولايات المتحدة الأمريكية، وهي التي تقود الحرب ضدها.

ما خلط الأوراق على الساحة السورية فعلياً عمليةُ درع الفرات. فدخول مقاتلين سوريين بدعم ناري تركي قوي، وطردهم داعش من عشرات القرى، واستعادة بعض القرى الأخرى من حزب الاتحاد الديمقراطي (البي واي دي) فتح الباب أمام توثيق نجاحات عسكرية وخدماتية وإنسانية، ومن المأمول أن تجلب نجاحات إدارية أيضاً. أعادت هذه الخطوة إلى الواجهة مكوناً جديداً اتفق جميع الفرقاء في سورية على محاربته لأنه يحظى بالاعتراف الغربي هو الجيش السوري الحر.

صحيح أن المنطقة التي سيطر عليها المقاتلون السوريون بدعم تركي ليست كبيرة بالنسبة إلى مجموع المساحة السورية، ولكن الواضح أن الأتراك لديهم خطط أخرى على هذا الصعيد، وهذا ما أكده الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي غيّر سياسته السابقة التي كانت تعتمد على إطلاق تصريحات نارية، وتقف بمواجهته الولايات المتحدة الأمريكية، وتقهقره، إلى درجة أن الخارجية التركية عندما كانت تفاوض الأمريكيين على خطط في سورية، كان الأمريكيون يمثلون النظام السوري في تلك المفاوضات.

حاول الصحفيون في اللقاءات الأخيرة مع رئيس الجمهورية معرفة بعض تلك الخطط المزمع تنفيذها في سورية، فأصر أردوغان على عدم الإدلاء بأي تصريح، مكتفياً بالقول: “عندما تحدث سترونها”.

حتى الآن، يبدو أن مسار الأمور بدأ يميل قليلاً لصالح تركيا، فإذا كانت قد أدخلت المقاتلين السوريين ودعمتهم نارياً من البر والجو، وحظيت بدعم أمريكي محدود على هذا الصعيد، فإن نجاحها وبدء عودة اللاجئين، جعل دولاً أخرى كانت صامتة في البداية إزاء العملية مثل السعودية تعلن دعمها لها، إضافة إلى الحليف التركي المستمر قطر. وإذا كان الدعم القطري متوقعاً، فإن الدعم السعودي في الحقيقة جاء مفاجئاً لأن برودةً ما طغت على العلاقات بين المملكة وتركيا إثر الانقلاب العسكري الفاشل الذي حدث في تركيا، على الرغم من نفي الطرفين لبرودة من هذا النوع.

من جهة أخرى بدأت المباحثات العسكرية التركية الأمريكية للوصول إلى اتفاق حول تحرير الرقة والموصل بشكل متزامن. والملفت للانتباه في هذا الأمر أن الرئيس التركي قال للصحفيين في الطائرة أثناء عودته من الصين بأن هذه الاتصالات ستبدأ بعد أسبوع، ولكنها بدأت بعد يومين فقط من هذا التصريح.

تركيا بحاجة ماسة لهذه العملية، فهي ستعيد الجيش السوري الحر والإسلاميين المعتدلين إلى توازنات القوى القائمة في سورية، وهذا ما يعطيها فرصة كبرى، ويجعلها نداً حقيقياً للنظام.

وحزب أوباما الديمقراطي أيضاً بحاجة لهذه العملية من أجل تقديم نجاح مهم على صعيد ما يسميه “محاربة الإرهاب” من أجل دعم مرشحته للرئاسة هيلاري كلنتون.

ولكن على الرغم من أن الظروف كلها مناسبة للاتفاق، ليس من المتوقع أن تصل هذه المباحثات إلى نتائج واضحة على المدى القريب جداً. لأن هناك لاعب محلي مهم هو حزب الاتحاد الديمقراطي “بي واي دي” يرفض هذه العملية بشدة، وكان مقاتلو هذا الحزب قد تدربوا على يد ضباط أمريكيين وفرنسيين وإنكليز، ويتلقون الدعم المالي والعسكري والسياسي من الدول الغربية، وعلى رأسها الولايات المتحدة. وعلى الصعيد الإقليمي ليس من المعقول أن توافق إيران على عملية كهذه، وستسعى بكل ما أوتيت لمنعها، ولعل هذا ما جعل الرئيس التركي يقول حول عملية عسكرية واسعة: “الأمر متوقف على القرار الأمريكي”.

وقد نشرت الصحف التركية المقرّبة من الحكومة بأن هناك دعماً واسعاً لعملية تحرير الرقة والموصل انطلاقاً من الأراضي التركية، وبدور تركي فاعل، وحتى إن دولاً عربية لم تذكر أسماءها عرضت المشاركة بهذه القوات.

في الحقيقة أن هذه الأخبار إن لم تكن صحيحة فهي تمثل رغبة الحكومة التركية، لأن تركيا تستطيع استثمار المشاركة العربية مهما كانت رمزية في شرعية العملية العسكرية.

في هذه الخارطة السياسية والعسكرية المعقدة على الأرض يصعب التوصل إلى حل في سورية. وهذا ما يجعل القوى المتقاتلة على الأرض تخوض سباقاً عسكرياً محموماً لتحقيق مكاسب ما تستخدمها ورقة على مائدة المفاوضات. ولكن المفاوضات بين النظام والمعارضة السياسية السورية وما تمثله أو تدعي تمثيله على الأرض، لا يمكن أن تكون نتائجها بحسب الوضع الحالي إلا لصالح النظام.

الأمر الوحيد المتاح أمام تركيا في الفترة المقبلة هو كسب السعودية إلى جانبها، وإقناع الأمريكيين بالدخول لتحرير الرقة والموصل، فهي ترى أن هذه العملية تُجنب المدينتين العربيتين السنيتين تطهيراً عرقياً أو مذهبياً فيما لو دخلتهما قوات أخرى، كما حصل في المدن العراقية التي دخلتها قوات الحشد الشعبي، والقرى العربية التي دخلتها قوات سورية الديمقراطية ذات الغالبية الكردية.

حينئذ ستزول داعش كقوة عسكرية واقتصادية وجغرافية على الأرض، وسيحل محلها في سورية القوة التي أزيلت سابقاً وهي المعارضة المسلحة المعتدلة، ولعل هذه الحال الوحيدة التي من الممكن أن تفرض الحل على النظام السوري.

شاهد أيضاً

هذه أنا..بلا أقنعة

ميساء شقير/ غالية شاهين – خاص لصدى الشام   لطالما أجبر الخوف السوريين على الاختباء …

المساواة أم العدالة.. أيهما يحقق التوازن الحقيقي بين الجنسين؟

ميسون محمد في عصرنا الحديث، أصبحت المساواة بين الجنسين شعاراً يتردد كثيراً في كل مكان، …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *