محمد صالح/
تكبدت الليرة السورية الأسبوع الماضي، خسائر فادحة أمام الدولار، لتسجل أدنى مستوى لها منذ بداية الثورة السورية، حيث وصل سعر الصرف لأكثر من 450 ليرة، رافعاً معه أسعار كل شيء يتأثر بسعر الدولار، لاسيما الذهب الذي وصل سعره إلى 14700 ليرة.
ركوب الموجة
المركزي ودون سابق إنذار، رفع يوم السبت 13 شباط (رغم أنه يوم إجازة وعادة لا يصدر فيه أي نشرة لأسعار العملات) سعر دولار الحوالات 10 ليرات جديدة، دفعة واحدة، ليصبح بـ 364 ليرة، بعد أن كان قد رفعه الخميس 11 شباط بمقدار 20 ليرة.
جنون التصريحات
حاكم مصرف سوريا المركزي أديب ميالة، برر الارتفاع المفاجئ لسعر الصرف، بأنه عائد إلى ارتفاع الطلب على القطع الأجنبي بشكل غير مسبوق في المناطق الشمالية من البلاد، عازياً ذلك إلى “انسحاب العديد من الجماعات الإرهابية المسلحة وعائلاتهم باتجاه الحدود التركية هربا من الضربات العسكرية للجيش العربي السوري في هذه المناطق، مصطحبين معهم كمية كبيرة من القطع الأجنبي”، على حد قوله.
وزعم بيان للمصرف، أن “كل عائلة من هؤلاء تحتاج ما يقارب الـ 10آلاف دولار أمريكي لاجتياز الحدود التركية والوصول إلى أوروبا، وهو ما أدى إلى انتقال جانب من هذا الطلب المتصاعد نحو محافظة دمشق، وساهم ذلك في رفع سعر الصرف فيها بشكل كبير”.
وأعاد حاكم المصرف طمأنة السوريين بالقول، “إن سعر الصرف سيعود إلى مستوياته المقبولة، وذلك مع الاستمرار السريع لانتصارات الجيش العربي السوري في المناطق الشمالية، وصولاً إلى تأمين وضبط الحدود الشمالية ما سيحول دون تدفق المزيد من القطع الأجنبي إلى خارج البلاد”، على حد زعمه.
ماذا علق السوريون؟
وصول سعر الدولار إلى هذا الرقم القياسي الذي لم يسجل من قبل، فضح كل مقولات حاكم مصرف سوريا المركزي أديب ميالة، الذي يروج في أي تصريح يدلي به لوسائل الإعلام بأن الدولار سيعود إلى سعره الأصلي مقابل الليرة بسبب ضبط الأسواق والمضاربين واستقرار الوضع، لكن الارتفاع الحاصل دفع المؤيدين للنظام للخروج عن صمتهم، لينشروا سيلا من المنشورات على صفحاتهم في “فيسبوك”، ساخرين من ميالة وطريقة معالجته لارتفاع سعر الصرف.
وصول سعر الدولار إلى هذا الرقم القياسي الذي لم يسجل من قبل، فضح كل مقولات حاكم مصرف سوريا المركزي أديب ميالة، مما دفع بعض الموالين لوصف تصريحاته بـ”كذبة الموسم”
الصحفي الاقتصادي تامر قرقوط، كتب على صفحته في “فيسبوك”: “ينقلب السحر على ميالة”، واصفاً مبرر ميالة بـ (كذبة الموسم)، حيث قال: “لدى أديب ميالة حاكم مصرف سوريا المركزي تفسير واحد لتراجع قيمة الليرة أمام الدولار، وهو كان يؤكد دائماً أنه مع الإنجازات التي يحققها الجيش سيتحسن سعر الصرف. الآن ماذا يسمي ميالة ما يجري في حلب، إنجاز أم لا؟ ومع ذلك يشير إلى أن الطلب الزائد على الدولار في حلب أدى هذا الارتفاع، هل جحافل الهاربين إلى تركيا، من حلب، ينتظرون تبديل ليراتهم السورية إلى دولار؟ بصراحة هذه تستحق أن نطلق عليها كذبة الموسم يا ميالة!! بالمناسبة في تركيا تستطيع تبديل أي عملة بأخرى”.
بدورها كتبت صفحة “سوريا فساد في زمن الإصلاح” الموالية للنظام، تعليقاً على كلام ميالة، “على ما يبدو إننا أخطأنا عندما طالبنا أديب ميالة بالظهور وشرح ما يجري وأسباب ارتفاع أسعار الدولار، لأن آخر تبرير بصراحة، من المعيب أن يخرج من فم سوري. حين يخرج تصريح عن المصرف المركزي يقول: سبب ارتفاع سعر صرف الدولار هو خروج الكثير من المسلحين، فهذا يعني أنه بخروجهم جميعا سيرتفع السقف أكثر بكثير. هامش: المواطن ليس غبيا يا مدعي الذكاء”.
أين وائل الحلقي؟
تبريرات ميالة غير المنطقية، رافقها تجاهل من حكومة النظام للارتفاع غير المنطقي للورقة الخضراء، حيث لم يظهر أي مسؤول في السياسة النقدية لطمأنة المواطنين. الأمر الذي اعتبره بعض المحللين مثيراً للريبة، لافتين إلى نيّة ترك الدولار يرتفع لمستوى قياسي جديد وتثبيته عنده.
يُعتبر تجاهل حكومة النظام للارتفاع غير المنطقي للدولار مثيراً للريبة، وهو ما يشير إلى نيتها ترك الدولار يرتفع لمستوى قياسي جديد وتثبيته عنده.
الدولار “مفقود”
محلات الصرافة في مناطق سيطرة المعارضة امتنعت عن بيع الدولار للتجار والأهالي، مكتفية بشرائها بالليرة السورية، وذلك لعدم استقرار سعر الدولار، وكون الصرافين يتوقعون استمرار انخفاض قيمة الليرة وارتفاع سعر صرف الدولار.
وأرجع صاحب أحد محال الصرافة في إدلب في تصريح لـ”صدى الشام”، سبب الامتناع عن بيع الدولار إلى احتمال وصول سعر الصرف إلى مستويات قياسية جديدة، فضلاً عن عدم ورود معلومات عن استعداد المصرف المركزي التابع للنظام ضخ الدولار في الأسواق، لمحاولة الموازنة بين العرض والطلب، وبالتالي الحد من انخفاض قيمة الليرة.
تفسير محتمل
المحلل الاقتصادي علي المحمد، وفي تصريح لـ”صدى الشام”، قال إن “ارتفاع الدولار سببه امتناع المركزي عن التدخل في السوق والمضاربة الكبيرة فيه”. مضيفاً إن “المركزي وحكومة النظام لم يعد بمقدورهما التدخل أكثر في سوق الصرف، لعدم توفر السيولة الكافية لهذا التدخل”.
خبير اقتصادي: روسيا ليس بنيتها مساعدة النظام ماليا، وإيران لم يعد بمقدورها الاستمرار بدعم النظام، والعام الحالي سيكون عام “الدلورة”.
وتوقع المحمد، هبوط سعر الصرف فوراً في حال تدخل المركزي، منوهاً أن الأمر مرتبط بالدولار وحركته اليومية أمام الليرة.
جنون التشظي
المركز السوري لبحوث السياسات أصدر تقريراً عن الاقتصاد السوري لعام 2015 تحت عنوان “جنون التشظي”، وقد رصد فيه آثار الحرب على الاقتصاد وعلى المجتمع السوري، بالتعاون مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي. حيث أشارت تقديرات التقرير إلى أن استمرار ضخامة العجز التجاري المسجل في العام الماضي، الذي بلغت نسبته نحو 27.6% من الناتج المحلي الإجمالي، “وضع الاقتصاد السوري في حالة من الانكشاف، واستهلاك للاحتياطيات الأجنبية، وبالتالي تراكم عبء الديون الملقاة على كاهل الأجيال التالية”.
وبحسب التقرير، بلغت الخسائر الاقتصادية الإجمالية في سوريا حتى نهاية 2015، حوالي 254.7 مليار دولار، أي ما يعادل 468% من الناتج المحلي الإجمالي، منها نحو 59.6 مليار دولار خسائر مقدّرة خلال العام الماضي.