الرئيسية / مجتمع واقتصاد / مجتمع / مواد مجتمعية مختارة / لاجئون سوريون يضطرون للعمل بأزهد الأجور والسبب أوراق الإقامة

لاجئون سوريون يضطرون للعمل بأزهد الأجور والسبب أوراق الإقامة

صدى الشام

أجبرت الحرب التي اشتعلت في سوريا منذ العام 2011 ملايين السوريين إلى الخروج من سوريا، إمّا هرباً بحثاً عن الأمان، أو فراراً من سوء الأوضاع الاقتصادية في بلد أصبح أكثر من 85% من سكانه تحت خط الفقر وفق إحصائيات دولية، حيث يقدّر عدد السوريين الذين غادروا البلاد منذ عام 2011 بأكثر من 11 مليون سوري، موزعين على دول العالم.

وكان لتركيا حصة الأسد بهذه الأعداد، بسبب الواقع الجغرافي، تركيا الدولة التي تمتلك الحدود الأطول مع سوريا، وبالذات مدينة حلب التي تعرضت لحصار خانق ثم تهجير أكثر من نصف سكانها نهاية عام 2016, قصد أغلبهم تركيا لتكون محطة جديدة في مشوار حياته.

منذ ذلك العام بدأت سياسة الباب المفتوح تجاه اللاجئين التي كانت تنتهجها تركيا، تتغير شيئاً فشيئا، فتم فرض فيزا الدخول على السوريين، وأصبحت شروط الحصول عليها شبه تعجيزية، وشددت الرقابة على الحدود البرية، وتوقفت الولايات بشكل تدريجي عن منح بطاقة الحماية المؤقتة ” الكملك ” حتى وصلت لتوقف كل الولايات في عام 2021, مما جعل تواجد الكثير من اللاجئين في الفترة بين 2016 وحتى الآن غير قانوني، بسبب عجزهم عن الحصول على أي وثيقة داخل تركيا.

محمد ش (35 عام)، أب لأربعة أطفال أحدهم من ذوي الاحتياجات الخاصة، هجّر من مدينته حلب، بعد المعارك التي دارت فيها سنة 2016, لينتقل بعدها إلى الريف الشمالي للمدينة، حتى 2019، ومن ثم دخل هو وعائلته الأراضي التركية عبر أحد المهربين، بعد أن دفع له مبلغا كبيراً، وهو يعمل الآن في أحد ورشات الخياطة في مدينة اسطنبول كبرى المدن التركية، دون أن يكون له أي من الأوراق الثبوتية سواء الشخصية أو المرتبطة بالعمل.

يقول محمد لـ “صدى الشام “: ” بعد التهجير الكبير من حلب 2016، حطت بي الرحال في الريف الشمالي، كنت قد قررت ألا أغادر وطني، لكن الظروف كانت أقوى، فلم يكن مكاننا الجديد آمناً، فلا تزال تتعرض المناطق هناك للقصف، كما أن فوضى السلاح، والإدارة الفاشلة للمنطقة جعلت الحياة صعبة جداً، فلا فرص للعمل، وإن وجدت فالمبلغ الذي ستجنيه طوال يوم كامل من العمل، قد لا يؤمن لك حتى ثمن الخبز، لذا كان علي اتخاذ قرار اللجوء إلى تركيا وهذا الذي حصل في نهاية العام 2019″

ويضيف محمد، منذ اليوم الأول لدخولي تركيا، ووصولي مدينة اسطنبول، تفاجأت بأن استصدار بطاقة الحماية المؤقتة قد توقف، وأن حصول السوري على ” الكملك” أصبح حلما من الأحلام.

ويكمل محمد، بعد يأسي من استصدار الكملك، انتقلت للبحث عن عمل، أستطيع من خلاله إعالة أسرتي، وتأمين احتياجات طفلي المقعد، كانت رحلة البحث تلك صعبة، واستمرت لأيام وأيام، أغلب الورش والمعامل، كانت ترفض تشغيلي لمجرد معرفتهم عدم امتلاكي ثبوتيات، فذلك قد يعرضهم لمشاكل قانونية.

واستدرك محمد، لكن في النهاية، وجدت إحدى ورشات الخياطة الصغيرة، وافق صاحبها على تشغيلي، مقابل راتب لم يكن أبداً يتساوى مع باقي العمال من الأتراك أو حتى السوريين الحاصلين على إذن للعمل ضمن ورشته، اضطررت للقبول دون الحد الأدنى للأجور المعتمدة، بسبب عدم امتلاكي للكملك، بكل تأكيد تعرضت ولا أزال أتعرض للاستغلال.

ويشكو محمد لـ ” صدى الشام ” وضعه النفسي الغير مستقر بسبب عدم امتلاكه “للكملك”, يقول : ” بات مكان العمل خانقاً بالنسبة لي, من الصعب أن تجد نفسك تعمل بطاقتك الكاملة, وأكثر من كل زملائك, ثم يكون أجرك أقل بكثير, فقط لأنك لاجئ لم تستطع الحصول على ورقة إقامتك, أحساس لعين أن تعرف أنك تستغل ثم تقبل بذلك, فقط لتستطيع تأمين لقمة عيشك, ثم إن الذهاب والإياب اليوم من العمل بات يشكل لي ولمن هم في وضعي كابوساً مرعباً, فقد نتعرض بأي لحظة للترحيل الفوري إذا ما واجهتنا في طريقنا أي دورية للشرطة, فنحن بنظر القانون, مخالفون”

أما علي س, 25 عام، والمنحدر من منطقة القلمون في ريف دمشق، فمعاناته لا تختلف كثيرا عن معاناة محمد من حيث عجزه عن الحصول على بطاقة الحماية المؤقتة وبالتالي إذن العمل، مما يجعله عرضة لاستغلال أرباب العمل.

يعمل علي الآن في مصنع لتدوير النفايات والحديد في مدينة مرسين التركية، براتب لا يتجاوز الـ 8000 ليرة تركية، وهو دون الحد الأدنى للأجور البالغ 11400 ليرة، رغم عمله في ذات المصنع لأكثر من سنتين.

قال علي لـ “صدى الشام ” أقل عامل من العمال الأتراك في المصنع والذين مسجلون بشكل قانوني يتقاضى ضعف راتبي، وله كامل الحقوق بالتعويضات الصحية، وهو مؤمن لو حدث له أي حادث أو طارئ، على العكس تماماً من حالتي، فلو تعرضت لأي طارئ لن يكون لي الحق في اي مطالب”

وأسهب علي ” لا أحد يقبل أن يعمل بهذه الرواتب التي أعمل بها ومن هم في مثل حالتي، لكن نحن مجبرون، ولم تتح لنا فرص أفضل، أسعى للبقاء قليلا هنا حتى أستطيع تأمين مبلغ من المال ولو باستدانته حتى أتمكن من الوصول لأوربا، فالحياة هنا بلا مستقبل ولا أمل في تقنين وضعنا، واعطائنا وثائق إقامة؟

القانون التركي والعمل واللاجئين.

المحامي عمار عز الدين

الحقوقي عمار عز الدين، عضو رابطة المحامين السوريين الأحرار، وضح لـ ” صدى الشام” التوصيف القانوني للسوري الموجود في تركيا، والمواد القانونية المرتبطة بعمله.

يقول عز الدين, ” لا يحمل السوريون في تركيا الصفة القانونية التي تفيدها كلمة لاجئ والتي تفترض مجموعة من الحقوق كتلك التي تتوفر في حالة لجوء السوريين مثلا إلى دول أوروبية  ولكنهم يندرجون تحت صفة الحماية المؤقتة و التي تم تنظيمها وفق حالة مؤقتة تعتمد في هيكلها على المادة /91/ من قانون الأجانب والحماية الدولية رقم /6458 /  لعام 2013 قانون الأجانب والحماية الدولية و لكن في مضمونها  تحرم اللاجئ من عديد من الحقوق و خاصة أن هذا القانون يعتمد في تطبيقه على تعليمات توضع من السلطة التنفيذية واللائحة التنفيذية الحماية المؤقتة رقم /6883 / لعام 2014  لمعالجة حالة طارئة ومؤقتة لذلك منح الحماية المؤقت مرهون بموافقة دائرة الهجرة على وضع اللاجئ و مع اتباع الحكومة التركية سياسة منع دخول اللاجئين أصدرت تعليمات تنفيذية بوضع اللاجئ الذي دخل حديثا بطريق غير مشروعة لتركيا في مراكز إيواء مؤقتة و يتم دراسة وضعه إما منحه حق الحماية المؤقتة أو ترحيله لذلك ليس شرطا أن كل من دخل على تركيا أن يحصل على الحماية المؤقتة و خاصة في هذه الظروف الحالية ”

وبين أن الشرط الأساسي لحصول العامل السوري بشكل قانوني أن يكون حاصل على الحماية المؤقتة وفي حال تشغيل العامل دون حصوله على حماية مؤقتة يعني مخالف للقانون يعرض العامل للترحيل وصاحب العمل لغرامة مالية

فقد نصت المادة /29 / من اللائحة التنفيذية للحماية المؤقتة رقم /6883/ لعام 2014 التي نصت على وصول إلى خدمات سوق العمل السماح بعمل السوريين الذين هم تحت بند قانون الحماية المؤقتة في تركيا وصدرت اللائحة التنفيذية رقم /8375/ لعام 2016 والتي تضمن عدة بنود وهي:

1- المادة /5/ بند 1 شرط الوقت: أن يكون اللاجئ تحت وصف الحماية المؤقتة لمدة 6 شهور على الأقل حتى يستطيع التقديم على طلب إن عمل

بند /2 / شرط صاحب العمل: يتم تقديم طلب تصريح العمل من قبل صاحب العمل.

بند /4/ لإعفاء: يُعفى العاملون في الزراعة الموسمية أو تربية الحيوانات من استخراج تصاريح العمل.
2- المادة /8/ حصة التوظيف: الالتزام بنسبة 10% من عدد المواطنين الأتراك العاملين في مكان العمل وفي حال وجود مكان عمل لا يستوعب 10 أشخاص يمكن تشغيله فيه سوري مقابل أن يكون البقية من المواطنين الأتراك العاملين في مكان العمل
3- المادة /10/ شرط الآجر: عدم إعطاء راتب أقل من الحد الأدنى للأجور

وكشف الحقوقي السوري، أن في حال تعرض العامل لأي ضرر في العمل أو إصابة وهو لا يملك كملك ” بطاقة الحماية” لن يستطيع المطالبة بأي حق من حقوقه ولا يستطيع التقاضي لأنه لا يملك وثيقة قانونية تثبت شخصيته القانونية ووجوده بشكل قانوني على الأراضي التركية

وعن الاستغلال الذي يتعرض له العامل الغير حاصل على أوراق ثبوتية أو إذن عمل، قال عز الدين : بداية يجب أن نؤكد أن من واجب اللاجئ حتى في معايير حقوق الإنسان أن يلتزم بقانون الدولة المتواجد على أراضيها و عمل اللاجئ دون الحصول على وثيقة قانونية أو أذن عمل يكون قد أنتهك قانون الدولة المضيفة وتنص المادة /5/ من قانون العمل التركي رقم /4857/ لعام 2003 على اعتبار ممارسة التمييز بين العمال حسب العرق واللغة والجنس والفكر السياسي أو المعتقد الفلسفي أو أي معايير مماثلة محظورة بموجب القانون، ويحظر أيضاً التمييز في الأجور حسب الجنس في الأعمال المماثلة وبالتالي فإن قانون العمل التركي يحفظ حقوق العمالة السورية في حال كانت تعمل بشكل نظامي وفق تراخيص عمل رسمية ويمنع أرباب العمل من استغلالها وهو ما قد يفسر إحجام أرباب العمل عن استصدار هذه التراخيص رغبة في تحقيق أكبر قدر من المكاسب والتصرفات التي تصدر من بعض أرباب العمل هي توصف استغلال ولا تحمل الدولة مسؤولية انتهاك حقوق الإنسان كون الدولة قد راعت في تشريعاتها و قوانينها الالتزام بمعايير حقوق الإنسان مع التحفظ على أنه يجب أن يتم تعديل القانون الحالي رقم /8375/ لعام 2016  بنص المادة التي تعطي الحق لصاحب العمل وحده باستخراج إذن العمل للعامل السوري لأنه يشكل استغلال من قبل صاحب العمل وحرمان العامل السوري من قيمة الحد الأدنى للأجور و الضمان الاجتماعي و التأمين الصحي وطرده تعسفيا من العمل وكافة الحقوق التي يتمتع بها العامل التركي  و يجب أن يستطيع لسوري بمجرد عمله أن يستطيع استخراج إذن العمل.

حصول اللاجئ على بطاقة الحماية المؤقتة معقد

حصول اللاجئ على بطاقة الحماية المؤقتة معقد في الوضع الحالي بحسب المحامي عز الدين الذي أشار إلى أنه يجب أن تراجع المنظمات الحقوقية المتواجدة في الولايات التي مازال ممكنا فيها منح الحماية المؤقتة وهي تتغير وفق قرار رئاسة الهجرة

يجب ان يسعى العمال السوريين بعد تنظيم إقامتهم بشكل قانوني بأن يبحثوا عن فرصتهم عبر مؤسسة işkur   التي تشكل صلة وصل بين أصحاب الأعمال والعمال عندها يضمنون إذن العمل وساعات عمل وفق القانون برواتب مناسبة لعملهم لا تقل عن الحد الأدنى للأجور وحماية صحية وقانونية من إصابات العمل.

إذن العمل لا يحمل تعقيدات قانونية ويوجد تسهيلات في استخراجه

وعن آلية وإمكانية استخراج إذن العمل حال وجود الحماية المؤقتة، أوضح عز الدين أنه يوجد تسهيلات في استخراجه للأجانب في تركيا وخاصة الذين يعملون لدى أرباب عمل أتراك مجرد تقديم عليه من قبل رب العمل التركي للعامل السوري، ولكن المعضلة تكمن في إقناع رب العمل التركي في استخراجه للعامل السوري

كان هناك تجربة في عام 2019  مؤسسة “يونايتد وورك”   United Work لإقناع رب العمل وتشجيعه على استخراج إذن العمل لموظفيه وذلك في مشروع تم إطلاقه في 9 ولايات تركية و هي (قيصري- إزمير- إسطنبول- أضنة – غازي عنتاب- هاتاي- مرسين- قونيا- أنقرة(  مقابل حصول كل عامل سوري على سيكورتا 6 أشهر مدفوعة من قبل المؤسسة المذكورة و سيحصل معه عامل تركي على السيكورتا بالمدة ذاتها، و يستطيع رب العمل بعد انقضاء هذه المدة إيقافها حتى لا يترتب عليه أجور دفعها في حال رغب بذلك و تساهم مثل هذه المشاريع في تخفيف الاستغلال للعامل السوري وتوعيته بشكل عملي للحقوق المكتسبة في حال حصوله على إذن عمل و تشجع أرباب العمل على تسوية الأوضاع القانونية للعاملين السوريين في حال تحمل هذه المؤسسات لمدة محددة للتأمين الاجتماعي الذي يجب أن يدفعه رب العمل للعامل السوري.

العمل بأجور أدنى من الزملاء يخلق مشاعر سيئة

الاخصائي النفسي د. عمر النمر

من جهة نظرة علم النفس للحالة النفسية للعامل في ظل الظروف السابقة، أوضح الدكتور عمر النمر، اختصاصي الإرشاد النفسي لـ صدى الشام، أن العامل السوري الذي اضطرته ظروف انعدام وجود وثائق وإذن عمل، للعمل بأجور أدنى من زملائه يولد لديه مشاعر سيئة بينها الحقد على الآخرين والغيرة والتحامل على زملاء العمل، الأمر الذي قد يؤدي إلى مشاكل بين العمال أنفسهم، بسبب الإحساس بالإجحاف.

وأضاف الدكتور النمر، أن فقدان العامل لشعور الأمان سواء الوظيفي أو غيره يضعه تحت ضغوط نفسية كبيرة جداً، أنتجت كما رأينا بكثير من الحالات، أمراضاً نفسية كثيرة كالاكتئاب.

ودعا النمر، إلى أن تعالج الدول المستضيفة للاجئين هذه القضايا للعمال من حيث تفاوت الأجور، أو من ناحية إعطاء الوثائق الشخصية.

 

 

 

“تم إنتاج هذه المادة الصحفية بدعم من “JHR”صحفيون من أجل حقوق الإنسان”

شاهد أيضاً

حرب الملصقات بين انصار اللباس الشرعي واللباس الحر

على صفحات الفيسبوك، وعلى جدران الشوارع، تدور في هذه الايام معارك ملصقات بين انصار اللباس …

كفى صمتاً: في اليوم العالمي لمناهضة العنف، نساء سوريات يروين قصصهن

مريم سريول – صدى الشام العنف ضد النساء: أزمة عالمية مستمرة على مدار عقود، كان …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *