مركز شام للبحوث والدراسات
باشر النظام مطلعالشهر الثالث من العام 2013 شن حملة شرسة على منطقة الغوطة الشرقية من خلال فرض حصار محكم على
جزأها الشمالي (الضمير- عدرا- المتحلق الشمالي /المجاور لدوما وحرستا/) وعلى
امتداد طريق المطار في الجزء الغربي لعزل الغوطتين الشرقية والغربية عن بعضهما، مع
البدء بحملة تطهير واسعة النطاق في الجزء الجنوبي بهدف تأمين مطار دمشق الدولي
الذي يعد المعبر المركزي لنقل الإمداد والسلاح والذي بسقوطه تسقط المدن والبلدات
الواقعة في جنوب وشرقي الغوطة، بينما تعد الأجزاء الشرقية من الغوطة صحراء خاوية
على عروشها لا يمكن التحرك ضمنها عسكرياً لكونها مكشوفة.
في إطار هذه الحملة تمكن النظام من السيطرة على بلدات
المنصورة والأحمدية والقيسا والزمانية والجربا والبحارية، ما دفع ثوار الغوطة للتحرك السريع ووقف
تقدم النظام بالإعلان عن معركة الفرقان في 15/5/2013 بمشاركة 23 لواء وكتيبة وفصيل تحت قيادة عسكرية
موحدة، فتمكن
الثوار من استرجاع بلدتي القيساوالبحارية وأجزاء واسعة من
بلدات الدير سلمان والقاسمية والزمانية.
تعد منطقة المطاحن (مطحنة الغزلانية) الواقعة
ما بين (حتيتة التركمان- سكا- الغسولة) أحد أهم مراكز تخزين القمح (بنائين ضخمين للصوامع)، ويوجد إلى جانب
الصوامع بناء المطحنة المكون من عدة أقسام تهتم بإعادة طحن القمح وتحويله إلى دقيق
لاستخدامه لاحقاً في صناعة الخبز.
يقدر إنتاج المطاحن
الثلاث الرئيسية في دمشق وريفها بطاقة إنتاجية يومية تبلغ 1100 طن موزعة على مطحنة
الغزلانية التي تنتج 425 طن يومياً، ومطحنة تشرين في عدرا (خارج الخدمة) وطاقتها
الإنتاجية 450 طن يومياً، ومطحنة بردى في السبينة (خارج الخدمة) وطاقتها الإنتاجية
225 طن يومياً؛ يشار إلى أن سوريا تعوض نقص الطحين عبر الجسر البري مع إيران (200
ألف طن)، إلى جانب استيراد 100 ألف طن من أوكرانيا، إضافة إلى عقدين لاستيراد
الدقيق عن طريق القطاع الخاص الأول لتوريد 30 ألف طن والثاني 25 ألف طن“.
كما جرى مؤخراً توقيع
عقد مع شركة خاصة لطحن القمح السوري في العراق بمعدل 100 ألف طن يومياً، بعد توقف
عدد من المطاحن السورية (22 مطحنة في حلب، 3مطاحن في حمص) على خلفية العمليات العسكرية التي يخوضها النظام بالقرب من
مراكز تواجد المطاحن.
معركة المطاحن
الأولى
بالعودة لقراءة
سريعة في معركة المطاحن الأولى، فقد تم اقتحام منطقة المطاحن في تشرين الأول 2012،
وكان الهدف الرئيسي للثوار حينها استهداف منطقة عسكرية على غرار استهدافهم أي حاجز
عسكري، لكنهم صدموا من هول كمية السلاح التي عثر عليها داخل المطاحن مع حراسة
محدودة العدد كي لا يثير النظام انتباه الثوار لأهمية تلك المنطقة، لدرجة أن
الكتائب التي قامت بتحرير المطاحن لم تتمكن من اغتنام ما يعادل خمس السلاح الموجود
داخل المطاحن خلال عملية انسحابها السريع، دون أن يتم التواصل مع بقية الكتائب
خشية تزايد نفوذها، ولم يكن في ذلك الحين لكيس الطحين أي قيمة تذكر إذ لم تكن
الغوطة محاصرة بينما كانت مداخل ومخارج الغوطة ما تزال بأيدي الثوار.
معركة المطاحن
الثانية:
اعتمد النظام
سياسة التجويع وضرب الحاضنة الشعبية قدر الإمكان عبر الحصار المحكم للغوطة الشرقية
كاملة، فمنع دخول وخروج المواد الإغاثية، مع قطع مادة الطحين بشكل كلي عن الأهالي
المحاصرين لعدة أشهر، وإحراق حقول القمح، لذلك قررت مجموعة من كتائب وألوية الغوطة
الشرقية إعادة تحرير منطقة المطاحن للمرة الثانية عقب إعداد وتجهيز متواصل.
قصور الأهداف
لا يمكن القول بأن
الثوار فشلوا خلال معركة المطاحن، فيبدوا أن الهدف المركزي للثوار اقتصر على فكرة
وحيدة وهي: كسر الحصار المفروض على الغوطة عبر نقل مخزون الطحين وتوزيعه داخل
الغوطة. لكن الهدف تحقق جزئياً حيث تمكن الثوار من تحرير المطاحن في زمن قياسي (لم
يتجاوز ساعتين)، ودون أي مقاومة فعلية، ونقل كمية جيدة من الطحين تكفي الغوطة لعدة
أشهر، لكن ما حدث من أخطاء حال دون تحقق هذا الهدف بشكل كامل نتيجة:
– عدم وجود جهة
مدنية لتولي عملية توزيع الطحين، وانشغال بعض الكتائب التي قدمت للمؤازرة بعملية
نقل الطحين وعدم العودة للمساهمة في المجهود الحربي.
– مسارعة الأهالي
بشكل فردي في القدوم إلى المطاحن لتأمين مادة الطحين التي افتقدوها كلياً لعدة أشهر،
مما جعلهم عبئاً على الثوار، إذ لم يتم قطع الطريق لمنعهم من الوصول نحو المطاحن.
– تقصير الجيش
الحر في عملية ربط مداخل ومخارج المنطقة بهدف منع المدنين من الوصول إلى الصوامع.
– ارتفاع حصيلة
الشهداء لدرجة جاوزت المائة شهيد، بعد قيام النظام باستهداف المطاحن بوابل من القصف
المركز بالهاون والمدفعية وراجمات الصواريخ وفي ظل تواجد مدني كبير حول المنطقة.
– غياب السلاح
النوعي اللازم لمجابهة المدرعات واقتصاره على ألوية محددة.
غياب الرؤيا
الإستراتيجية
من الواضح أن
سيطرة الثوار على المطاحن وضعهم على محور استراتجي مفتوح على مصراعيه، لكن معظم
الألوية المقاتلة لم تدرك أهمية ذلك، فاكتف بالنصر السريع (كسر الحصار الجزئي)،
لأن هناك كميات ضخمة جداً من الطحين مازالت داخل المطاحن ولم يتمكن من تبقى من
الثوار من إخراجها، ولعل قصور التخطيط، والاكتفاء بالأهداف الجزئية حال دون الوصول
للهدف الأساسي من المعركة، الذي يتجسد في (توظيف الأهمية الإستراتيجية للمطاحن)
إذ بدا جلياً لكل
المحللين أن النظام لم يكن مهتماً بكسر الحصار عن الغوطة بمقدار الخوف من تداعيات
سقوط المطاحن لكونها أحد أكثر الأبنية ارتفاعاً بحيث تشرف على معظم منطقة المرج،
مما يسمح للثوار بكشف ورصد مجمل النقاط العسكرية الرئيسية التابعة للنظام على ذلك
المحور.
ولعل الأهم في هذا
الجانب هو قرب المطاحن من طريق المطار حيث تبعد عنه بحدود 500 متر، وبالتالي كان
من الممكن إذا ما تمت السيطرة على طريق المطار الحيوي ، قطع طريق الإمداد عن
الجبهة الوسطى في الغوطة (المرج) (مفرقي البياض وحتيتة التركمان) والنقاط الممتدة
على طول الطريق (حواجز الجسر الرابع والخامس والعطار والسابع وزمان الخير) مع
إمكانية شل حركة النظام في مطار دمشق واستهداف طائراته التي بات يسخرها لنقل
السلاح ومعظم المقاتلين العراقيين الوافدين عبر
الخطوط الجوية الإيرانية إلى مطار دمشق الدولي.
ومن جانب أخر فإن
السيطرة على طريق المطار تعني إمكانية ربط الغوطتين الشرقية والغربية بشكل مباشر،
خاصة إذا ما تم حصار الأفرع الأمنية والعسكرية المتواجدة هناك (تحديداً إدارة
المخابرات الجوية التي مازالت تشكل أحد أعمدة النظام الرئيسية)، إلى جانب قطع الإمداد عن
قوات النظام التي تقاتل على جبهة العتيبة وهو ما يؤدي إلى حسم معركة الفرقان،
وكذلك يمكن الانتقال نحو الإطباق على السيدة زينب ووضعها بين فكي كماشة من جهة
الأحياء الجنوبية لدمشق (مخيمات اليرموك والتضامن) ومن جهة الغوطتين الشرقية
والغربية، وهو ما يعني عزل دمشق والانتقال من حصار فرضه النظام إلى إستراتيجية
الطوق حول دمشق.
يضاف إلى ذلك بأن
السيطرة على المطاحن تعني قلب الطاولة على النظام وتحويل الحصار الخانق الذي فرضه
على أهالي الغوطة لما يزيد عن سبعة أشهر إلى حصار حول دمشق، إذ تعد المطاحن نقطة
تغذية أساسية لدمشق والمنطقة الجنوبية في سوريا. وبالتالي فلو تمكن الثوار من
الاحتفاظ بالمطاحن لشهدت العاصمة وبعض المحافظات الجنوبية أزمة للخبز والطحين ولكان
من الممكن التفاوض عليها على غرار معمل الخميرة، وهي صيغة تسمح بعمل موظفي النظام
ولكن تحت حماية الجيش الحر، وذلك يعتبر نصر يتيح لهم التحكم بمركز استراتجي يمكن
توظيفه في أي تحرك مستقبلي. سواء لضمان قوت أهالي الغوطة، أو التحكم بطريق المطار.
من أجواء المعركة
قام النظام بحشد ما
يقارب 40 مدرعة وآلية عسكرية لاسترداد المطاحن، كما سحب جزءاً واسعاً من قواته
المتواجدة في منطقة المرج نحو المطاحن تحت غطاء من القصف العنيف والمركز، رغم
قناعته بأنه من الصعب تدميرها نظراً لبنيتها المحصنة، بدليل سقوط نحو ثمانية
صواريخ أرض- أرض على المنطقة، دون انهيار البناء، بنما وصلت أكياس الطحين إلى الأهالي
مليئة بالشظايا وقطع الزجاج، ولعل الأهم أنها كانت ممهورة بالدم النقي ليستشعروا
في ذاكرتهم أن النظام اضطرهم لدفع دماء الشهداء لقاء أكياس من الطحين.
بعد أربعة أيام من
المواجهات، تمكن النظام من استعادة السيطرة على المطاحن بما تبقى فيها من مخزون
استراتيجي، وقد صرح عدد من الناشطون وقادة بعض الكتائب بأنه لم تتم المشاركة من
جميع التشكيلات العاملة في الغوطة بالقدر المطلوب، في ظل تقاعس عن نصرة الثوار في معركة
المطاحن رغم العديد من المناشدات التي طالت الصفحات الإعلامية “نحن حررنا
ولكنا لسنا قادرين على الحماية بمفردنا”، لكن الاستجابة لم تكن بالقدر
المطلوب، وعليه فقد قدّر عدد الشهداء بنحو 100 شهيد، ونحو 500 جريح تفاوتت شدة
إصاباتهم، مع نفاذ جزء كبير من المخزون الطبي لمنطقة المرج.
النتائج:
–استشعر الثوار منذ
انطلاق معركة الفرقان تحت قيادة عسكرية موحدة، في أيار 2013 أن تنسيق المجهود
الجماعي هو مخرجهم الوحيد، والسبيل الأفضل للتعامل مع النظام، وتوضح ذلك في تمكنهم
من استرجاع بلدتي القيساوالبحارية وأجزاء
واسعة من بلدات الدير سلمان والقاسمية والزمانية، ولعل الانسحاب من المطاحن سببه
عدم التنسيق على نطاق واسع ما بين الكتائب والألوية المشاركة.
–بدا وضحاً للنظام بأنه
لا يمكن حصار الغوطة، وأن سبب نجاح الحصار هو تشتت وتشرذم الثوار، وغياب التنسيق
المشترك فيما بينهم.
–بات النظام يخشى
تقدم الثوار بشكل أوسع إلى مناطق حيوية يعتبرها خارج نطاق التهديد (اتستراد
المطار- مطار دمشق الدولي).
التوصيات:
–إنشاء غرفة عمليات مشتركة للغوطتين الشرقية
والغربية وأحياء دمشق الجنوبية.
–إتباع تكتيك عسكري
واضح قسم للاقتحام والهجوم، قسم للمؤازرة، قسم لربط الطرقات الرئيسية والفرعية.
–نصب وتجهيز المتاريس
مباشرة عقب السيطرة على مواقع إستراتيجية لمواجهة أي عملية اقتحام لاحق.
–وجود جهة
“مدنية” منظمة تساند الثوار وتتولى الأعمال ذات الطابع الاجتماعي،
فالواضح أن بعض الثوار انشغلوا بقضية الطحين، وهو ما شتت مجهودهم الحربي نوعاً ما.