عدنان علي/
توشك الحملة العسكرية التي يقوم بها النظام وميليشياته على منطقة جنوبي دمشق أن تؤتي أوكلها بعد أكثر من عشرة أيام من القصف العنيف بالطيران الحربي والمدفعية والصواريخ، وذلك بعد التوصل إلى اتفاق مع فصائل المعارضة على خروجهم من المنطقة باتجاه الشمال والجنوب، مع عوائلهم و “من يرغب” من المدنيين في حين يتواصل تدمير منطقتي مخيم اليرموك والحجر الأسود بحجة محاربة تنظيم “داعش” الذي تشير معطيات عدة الى أن كثير من قادته غادروا بالفعل المنطقة قبل، وحتى خلال الحملة العسكرية الحالية، بالتنسيق مع قوات النظام.
وقبل ذلك، كان النظام قد تسلّم كامل منطقة القلمون الشرقي بعد تهجير فصائلها وعوائلهم وقسم من المدنيين باتجاه الشمال السوري في وقت يواصل النظام ومعه روسيا الضغط على فصائل ريف حمص الشمالي لمواجهة المصير نفسه، مع تواصل تعثر المفاوضات بسبب إصرار الجانب الروسي على عقدها في مناطق سيطرة النظام.
وأسال “تساقط” المناطق التي كانت بحوزة المعارضة في ريف دمشق لعاب النظام نحو مناطق الشرق السّوري، ليبادر بانتزاع بعض القرى التي كانت بحوزة ميليشيات “قوات سوريا الديمقراطية”، قبل أن تتمكن الأخيرة من استعادتها بدعم من طيران التحالف الدولي.
وبعد أكثر من عشرة أيام على من الحملة العسكرية العنيفة على مناطق ريف دمشق، توصل النظام وروسيا الى اتفاق مع فصائل المعارضة الموجودة في بلدات يلدا وببيلا وبيت سحم يقضي بترحيل “رافضي إتمام المصالحة” مع عوائلهم بسلاحهم الفردي ومن يرغب بالبقاء سيسلم سلاحه للجانب الروسي وإكمال التسوية مع نظام الأسد.
وحسب بيان للجنة التفاوض في المنطقة فإن مسؤولية حماية البلدات بعد تنفيذ الاتفاق تقع على الشرطة الروسية، على أن يلتزم النظام السوري بتقديم الدعم الإنساني للمتبقين في البلدات وتأمين العودة السريعة ل”كافة مؤسسات الدولة الاقتصادية والتعليمية والطبية والخدمية”.
وفي ما يتعلق بأصحاب الوضع التجنيدي (احتياط- تخلف) يمنحون تأجيلاً لمدة ستة أشهر، ويمكن لمن رغب بالتطوع بعد تسوية أوضاعهم أن يخدموا في جيش النظام.
كما يقضي الاتفاق مع الجانب الروسي بعدم دخول قوات النظام أو أجهزة مخابراته إلى البلدات الثلاث أو تنفيذ مداهمات فيها، وأن يتم حصر وجودهم في المحيط كحواجز تفتيش فقط، مع نشر قوات بين البلدات الثلاث والمناطق الخاضعة لسيطرة الميليشيات الشيعية.
وبحسب مصادر محلية، فإن وجهة المهجرين ستكون الى إدلب وريف حلب الشمالي، وربما نحو مدينة درعا أيضًا مشيرة الى أن وفد النظام وروسيا اشترط عدم إدخال أية مواد غذائية إلى مناطق سيطرة تنظيم داعش عبر حاجز العروبة، وذلك مقابل فتح حاجز ببيلا- سيدي مقداد تحت طائلة إعادة إغلاق المعبر في حال وجود أي خرق لهذا البند.
وكان النظام قد فتح حاجز ببيلا – سيدي مقداد يوم الجمعة، بشكل جزئي تنفيذاً للاتفاق، مع إجراء عمليات إخلاء لـ 15 مصاب باتجاه الشمال السوري عبر الهلال الأحمر السوري.
ويلفت عدد من الناشطين وشهود العيان إلى تدهور الحالة الإنسانية للمدنيين في منطقتي مخيم اليرموك والحجر الأسود نتيجة عمليات القصف وتشديد الحصار الغذائي، في حين ما زال العديد من المدنيين عالقين تحت ركام الأبنية في مخيم اليرموك جراء عمليات القصف، حيث لم يتمكن الأهالي من إنقاذهم بسبب عدم توفر الإمكانات والمعدات الضرورية.
اتفاق هيئة تحرير الشّام
وبالتوازي مع هذا الاتفاق، تم الإعلان عن التوصل إلى اتفاق آخر مع “هيئة تحرير الشام” في مخيم اليرموك يقضي بخروج المقاتلين وعائلاتهم إلى إدلب، مقابل الإفراج عن عدد من المعتقلين وإخراج عدد من أهالي كفريا والفوعة، بريف إدلب، حيث يقضي أحد بنود الاتفاق بإخراج المحاصرين من مقاتلي ميليشيات النظام وعائلاتهم في بلدتي كفريا والفوعة لريف إدلب، البالغ عددهم نحو خمسة آلاف على مرحلتين.
وبحسب وكالة أنباء النظام الرسمية “سانا” ينص الاتفاق على خروج المقاتلين وعائلاتهم من مخيم اليرموك إلى إدلب على أن ينتهي تنفيذ البنود قبل بداية شهر رمضان.
وأوضحت أن المرحلة الأولى من الاتفاق والتي بدأت أمس الاثنين سيتم خلالها نقل 1500 من أهالي كفريا والفوعة، إضافة إلى إطلاق سراح مخطوفي بلدة اشتبرق بريف حماة، البالغ عددهم 85 على مرحلتين، مقابل السماح برحيل نحو 150 من مقاتلي “هيئة تحرير الشام” إلى محافظة إدلب.
ولا يشمل أي من الاتفاقين السابقين تنظيم “داعش” الذي تتواصل المواجهات بينه وبين قوات النظام التي تحاول التقدم الى مواقعه من محورين رئيسيين، الأول من الغرب من جهة حي القدم حيث حققت هناك بعض التقدم، والثاني من الشرق من جهة المنطقة الفاصلة بين الحجر الأسود وبلدة يلدا، وتحديدا حي الزين ، حيث تحاول قوات النظام فصل الحجر الأسود عن يلدا، وذلك بعد ضغوط مارستها على قوات المعارضة هناك للانسحاب من المنطقة وافساح المجال لقوات النظام كي تحل مكانها.
في غضون ذلك، واصلت قوات النظام قصفها الجوي والمدفعي على المنطقة في أعقاب التقدم الذي أحرزته في منطقة القدم حيث سيطرت على عدد من النقاط أهمها حي الماذنيّة والعسالي والجورة والمنطقة الصّناعية، بما يعادل نحو 70 بالمائة من حي القدم.
وكان تنظيم “داعش” قد شن هجومًا موسعًا من ثلاثة محاور، من مواقعه في مخيم اليرموك والحجر الأسود على مواقع فصائل المعارضة الفاصلة بين الحجر الأسود ويلدا، وسيطر على موقع المشفى الياباني الحيوي وعلى مبنى القباني في يلدا، وذلك بعد انهيار تحصينات فصائل المعارضة نتيجة القصف الذي تعرضت له في وقت سابق من جانب طيران النظام.
وتسعى قوات النظام إلى حصر تنظيم “داعش” داخل جيب صغير في جنوبي دمشق وتقطيع أوصال مناطق سيطرته، وتشتيت قوته داخل الجنوب الدمشقي، لإجباره على تنفيذ اتفاق سابق جرى التوصل إليه بواسطة وجهاء من المنطقة، ويقضي بترحيل مقاتلي التنظيم إلى منطقة البادية السورية الشرقية.
اقترب النّظام من بسط سيطرته على كامل محيط العاصمة بعد تهجير مقاتلي المعارضة والأهالي الرّافضين لـ”المصالحة”.
القلمون في قبضة النّظام
في غضون ذلك، بسطتْ قوات النظام سيطرتها بشكل كامل على منطقة القلمون الشرقي بعد إتمام خروج مقاتلي الفصائل إلى الشمال السوري، وباتت المنطقة خالية من المقاتلين بعد خروج آخر قافلة تحمل على متنها 1500 مقاتل مع عائلاتهم من الرحيبة إلى الشمال السوري، وذلك بموجب “التسوية” التي فرضها النظام على الفصائل في المنطقة، والتي أدت إلى خروج مقاتلي الفصائل وعائلاتهم بعد تسليم أسلحتهم الثقيلة، مع بقاء الراغبين بـ”التسوية” مع النظام.
وشملت عمليات التّهجير مدن الرحيبة والناصرية وجيرود، وقبل ذلك الضمير، وشملت آلاف المقاتلين مع عوائلهم وبعض المدنيين، حيث استقروا شمالي مدينة حلب أو في مخيم “ساعد” في قرية معرة الإخوان شمال مدينة إدلب، وناحية جنديرس التابعة لمنطقة عفرين.
وكان القلمون الشرقي خاضعا لسيطرة عدة فصائل معارضة، أبرزها ” جيش تحرير الشام” بقيادة النقيب، فراس بيطار، و”جيش الإسلام”، إضافة لـ “قوات الشهيد أحمد العبدو” و”جيش أسود الشرقية”.
ريف حمص الشّمالي
وبالتوازي مع هذه التطورات في دمشق وريفها، صعّدت قوات النظام بشكل ملحوظ من قصفها على ريف حمص الشمالي وسط البلاد بغية الضغط على ممثلي المنطقة في المفاوضات التي يجريها النظام معهم وتستهدف إجبارهم على الرضوخ لمطلبه بتسليم المنطقة وتهجير مقاتليها إلى الشمال السوري.
ويشن الطيران الحربي الروسي وطيران النظام عشرات الغارات بالصواريخ الفراغية والإرتجاجية والبراميل المتفجرة على قرى المنطقة وخاصة الزعفرانة والمجدل وديرفول وعز الدين والحمرات وسليم ما أسفر عن ضحايا مدنيين وخروج مستشفى الزعفرانة ومستشفى الرستن عن الخدمة بشكل كامل.
ويعد مشفى الزعفرانة من اهم المشافي العاملة في ريف حمص الشمالي ويخدم أكثر من 25 بلدة وقرية يقطنها ما يقارب 70 ألف مدني في الريف المحاصر، كما يخدم مستشفى الرستن أكثر من 80 ألفا في المدينة والقرى المحيطة بها.
وحسب مواقع موالية للنظام فإن قوات “النمر” التي يقودها العميد في قوات النظام سهيل الحسن توجهت إلى شمالي حمص، ضمن التجهيز لبدء معركة تهدف إلى السيطرة على كامل المنطقة.
وأظهرت تسجيلات مصورة نشرتها تلك المواقع عشرات الرشاشات الثقيلة والآليات التابعة لتلك القوات في طريقها إلى ريف حمص الشمالي مشيرة الى احتمال شن عملية عسكرية في ريف حمص الشمالي وريف حماة الجنوبي اللذين خرجا عن سيطرة نظام الأسد، منذ عام 2012.
أدى القصف من النظام على ريف حمص إلى حركة نزوح كبيرة وفقدان الآلاف للخدمات الطبية نتيجة استهداف المشافي بشكل مباشر
وكانت قوات النظام حاولت خلال الأيام الماضية شن هجمات على الخاصرة الشرقية لشمالي حمص وخاصة على محوري سليم والحمرات، لكنها لم تحرز أي تقدم، بينما ألقى طيران النظام منشورات دعت المدنيين في ريفي حمص وحماة إلى مغادرة مواقع الفصائل، ما يشير إلى عملية عسكرية تُقبل عليها المنطقة.
يأتي ذلك في ظل تعثر المفاوضات التي تجري منذ بعض الوقت بين هيئة التفاوض الممثلة عن المنطقة وروسيا حيث انسحبت لجنة التفاوض من المفاوضات، بعد إصرار الجانب الروسي على نقل مكان الاجتماع من معبر الدار الكبيرة إلى فندق السفير في مدينة حمص الخاضعة لسيطرة النظام.
التّحرك شرقًا
وفي معرض استعجاله لبسط سيطرته على مزيد من المناطق، حرّك النظام قواته باتجاه مناطق سيطرة “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) شرقي نهر الفرات المدعومة من الولايات المتحدة، وذلك عقب اجتماع ثلاثي لمحور استانة (روسيا، تركيا، إيران) قيل إنه تم خلاله إعطاء الضوء الأخضر لقوات النظام من أجل التحرك باتجاه مناطق سيطرة (قسد).
وقد شنت قوات النظام الميليشيات المساندة لها هجوما على مواقع ميليشيات “قسد” تمكنت خلاله من السيطرة على قرى الجنينة، الجيعة، وشقرا ومنطقة العليان قبل أن تبادر “قسد” إلى شن هجوم معاكس وبمساندة من طيران التحالف الدولي، قالت إنها تمكنت خلاله من استعادة معظم ما خسرته.
وقد تسببت الاشتباكات المتواصلة بين الطرفين في موجة نزوح للأهالي في غربي دير الزور باتجاه بلدات الريف الشمالي.
وكانت قوات النظام قد سيطرت على أجزاء من محافظة دير الزور نهاية العام الماضي بدعم جوي روسي وبمساعدة الميليشيات الإيرانية وميليشيات “الدفاع الوطني” التي شكلت من الموالين للنظام من أبناء ريف دير الزور.
وعملت إيران على دعم معظم ميليشيات “الدفاع الوطني” في دير الزور وشكلت من كبرى عشائر المحافظة “لواء الباقر” الذي يأتمر بأمرها والذي عمل على استقطاب أبناء عشيرة البكارة للانخراط في صفوفه.
يأتي ذلك وسط تجدد الاشتباكات بين قوات “قسد” ومقاتلي تنظيم “داعش” على الضفاف الشرقية لنهر الفرات خاصة عند أطراف ومحيط بلدة هجين وسط معلومات عن تحضيرات تجري من قبل “قوات سورية الديمقراطية” والتحالف الدولي، لبدء عملية عسكرية في القطاع الجنوبي من ريف الحسكة، في محاولة للسيطرة على الجيب في الريف الجنوبي للحسكة والمحاذي لمناطق سيطرة التنظيم في الريف الشمالي لدير الزور.
وفي الغضون، وصلت إلى المنطقة مجموعة من القوات الفرنسية في إطار التنسيق مع القوات الأميركية الموجودة في المنطقة. وحسب مصدر محلي فإن هذه القوات التي يقدر عددها بخمسين جندي فقط، ووصلت إلى منطقتي تل أبيض وعين عيسى شمالي مدينة الرقة، لتنضم إلى القوات الأمريكية الموجودة في هاتين المنطقتين.
وكان وزير الدفاع الأمريكي جيمس ماتيس أعلن أمام الكونغرس أن فرنسا أرسلت جنودًا من قواتها الخاصة إلى سوريا خلال الأسبوعين الماضيين لتعزيز القوات الأمريكية في تلك المنطقة، مضيفًا أن القتال ضد تنظيم داعش مستمر حاليًا، وأن العمليات العسكرية للتحالف الدولي ستتكثف أيضًا على الجانب العراقي من الحدود مع سوريا.
وخسر تنظيم “داعش” معظم مناطق سيطرته في سورية بعد حملات عسكرية شنتها كل من “قوات سوريا الديمقراطية” وفصائل الجيش السوري الحر المدعومة من تركيا، فضلا عن قوات نظام الأسد، لتنحصر مناطق سيطرته هناك في بعض مناطق ريف دير الزور.