الرئيسية / تحقيقات / المجالس المحلية بإدلب تواجه خطر الحلّ
المؤتمر السوري العام /الصورة: عامر السيد علي

المجالس المحلية بإدلب تواجه خطر الحلّ

صدى الشام - عمار الحلبي/

تواجه المجالس المحلية في محافظة إدلب، مصيراً قد ينتهي بحلّها، وذلك بعد سنواتٍ من العمل الساعي لتأسيس جسم مدني إداري يكون بديلاً عن مؤسسات نظام الأسد.

وكان تشكيل “حكومة الإنقاذ” نقطة تحول فاصلة في كافة أوجه العمل الإداري في شمالي سوريا، حيث تسلّمت هذه الحكومة زمام معظم الأمور الخدمية في قطاعات المياه والكهرباء والمواصلات والأسعار وغيرها.

وتتطلّع “حكومة الإنقاذ” اليوم، لاستكمال إمساكها بجميع المفاصل ولو تطلب الأمر استبدال أو حلّ المجالس المحلية.

لكن وفي المقابل لا يبدو الأمر بهذه السهولة إذ أن هذه المجالس أخذت شرعيتها من الشارع السوري وتمّ تأليفها بتوافق شعبي عبر الانتخابات المُباشرة، وهو ما يجعل إغلاق أي مجلس يُعتبر مصادرة للشارع الذي انتخب هذه المجالس.

وكانت تجربة المجالس المحلية بدأت عقب اندلاع الثورة السورية بوقتٍ قصير، واستطاعت أن تثبت وجودها في إدارة مناحي الحياة المدنية والخدمية، مروراً بتوزيع المساعدات الطبية والإغاثية والدفاع المدني وإعادة الإعمار والتطوير الإداري والمهني، وهذه المجالس ترتبط بالحكومة السورية المؤقّتة، ويبلغ عددها في محافظة إدلب 22 مجلساً.

إجراءات

قبل أكثر من أسبوع، أصدرت حكومة الإنقاذ “أمراً إدارياً” يقضي بحل جميع المجالس المحلية في المدينة، واستبدالها بمجلس موحد تم تشكيله، منتصف تشرين الثاني الماضي، وقالت الحكومة في بيان لها: “تلغى كافة القرارات والتوصيات المخالفة لهذا الأمر، ويُبلغ من يلزم بالتنفيذ”.

وبعد أيام على صدور الأمر الإداري، أصدرت “حكومة الإنقاذ” قراراً يقضي بحل مجلس أريحا المحلي واستبداله بمجلس آخر تابع لها، وجاء في القرار: “بناءً على مقتضيات المصلحة العامة يُعتبر مجلس مدينة أريحا المُشكّل بالقرار رقم 17 الصادر عن المديرية العامة للإدارة المحلية هو الممثّل الوحيد أمام الدوائر الرسمية في أريحا”.

وأضاف: “يتم حل جميع المجالس المحلية الموجودة بالمدينة ويتم تسليم كافة السجلات والأموال الخاصة بالمجالس المحلية للمجلس المذكور”، على أن “تُلغى كافة القرارات والتوصيات المخالفة لهذا الأمر”.

وجاءت هذه الخطوات من “حكومة الإنقاذ” بعد توسع نفوذها في شمالي سوريا، ولاسيما عندما تسلّمت كل المؤسسات المدنية من الإدارة المدنية التابعة لـ “هيئة تحرير الشام”.

وتؤكّد مصادر مطلعة لـ “صدى الشام” من داخل إدلب، أن إجراء “حكومة الإنقاذ” بحل مجلس أريحا المحلي وتعيين مجلس جديد تابع لها لن يتوقّف عند أريحا، بل سيشمل معظم المجالس المحلية وذلك في إطار توجّه لـ “حكومة الإنقاذ” لاستلام زمام المبادرة من جميع المجالس المحلية السورية.

مصادرة لرأي الأهالي

فور تلقّيه قرار “حكومة الإنقاذ” بضرورة حلّه ووضع مجلس جديد بدلاً منه، اعترض مجلس أريحا المحلّي على ذلك مُصدراً بياناً يوضّح فيه ردّه على القرار.

وقال المجلس في بيانٍ له: “رداً على قرار “حكومة الإنقاذ” الذي جاء فيه حل المجلس المحلي في مدينة أريحا وتسليم مشاريع المدينة التي يُديرها المجلس المحلي لمجلس المدينة المُعيّن من قبل “حكومة الإنقاذ”، إن الجهة الوحيدة المخوّل بحل مجلس أريحا المحلي هي أهالي المدينة، ولا يحق لأية جهةٍ أخرى ذلك”.

وأضاف البيان: “يرفض مجلس أريحا المحلي قرار “حكومة الإنقاذ” جملةً وتفصيلاً وخاصةً أنه جاء لمجلس أريحا بعينه وليس لجميع المجالس المحلية في المحافظة”، لافتاً إلى أن المجلس المحلي في أريحا “سيتابع عمله بدوامه الرسمي دون توقّف”.

وأبدى المجلس في البيان، استعداده التام لحلِّ نفسه ولكن بشرطٍ وحيد، هو “أن يتم إصدار قرار بحل جميع المجالس المحلية في المناطق المحررة بما يخدم مصلحة المواطن”.

هذا التوجه لم يتوقف عند مجلس أريحا بل انسحب أيضاً على نظيره في سراقب، الذي يُعتبر المجلس الوحيد الذي شهد انتخابات مباشرة عبر اقتراع المواطنين.

وقال رئيس المجلس المحلّي بسراقب مثنى محمد لـ “صدى الشام”: “لم تصلنا أي تبليغات حتّى الآن بحل المجلس المحلي من قبل حكومة الإنقاذ”، موضحاً أنه في حال وصل تبليغ كهذا “سيجتمع المجلس مع الإدارة والأعضاء والمجلس التنفيذي لمناقشة الأمر”. وأضاف أن مجلس سراقب هو المجلس الوحيد الذي شهد انتخابات مباشرة، مُعتبراً أن حلّ المجلس دون العودة للشارع الذي مدّه بالشرعية وانتخبه بنزاهة يُعتبر مخالفاً للقانون أولاً، وفيه مصادرة واضحة لحق أهالي المدينة وحريتهم في تقرير المجلس الذي سوف يحكمهم”، لافتاً إلى أن فترة حكم المجلس تنتهي وفقاً للانتخابات في شهر تموز من عام 2018، ولا يحق لأي جهة حلّه قبل هذا التاريخ.

وشهد المجلس المحلي في سراقب انتخاباتٍ مباشرة هي الأولى من نوعها في مناطق سيطرة المعارضة خلال شهر تموز الماضي، ونتج عنها تشكيل جسم المجلس الذي سيستمر حتى نهاية تموز من عام 2018 القادم.

وتابع محمد أن مجلس سراقب يعمل اليوم على أكمل وجه ويقدّم خدمات ممتازة تحقّق جميع متطلّبات الأهالي، لذلك لا يوجد أي داعي لإعادة الانتخابات.

وتابع: “نسمع من الأوساط العامة بعزم “حكومة الإنقاذ” إجراء انتخابات في مطلع عام 2018، ولكن هذه المعلومات ليست رسمية حتّى الآن لذلك لا يمكننا حالياً استباق الأحداث” لافتاً إلى أنه في حال كان هناك انتخابات عامة فمن الممكن أن يكون الأمر مقبولاً ولكن إذا تم التعيين مباشرةً من قبل “حكومة الإنقاذ” دون الانتخابات فهناك مشكلة.

وكان رئيس “حكومة الإنقاذ” محمد الشيخ، قال على هامش لقاء مع عدد من ممثلي المجالس المحلية ومنظمات المجتمع المدني العاملة في محافظة إدلب: “إن حكومته لا تتدخل في عمل المجالس، وأن عملها يقتصر على الإشراف على المشاريع الممولة من قبل حكومته، داعياً في الوقت ذاته إلى ضرورة إجراء انتخابات للمجالس المحلية ومجلس المحافظة بحكم انتهاء مدة ولايتها القانونية”.

وبالمقابل اعتبر المجلس المحلي في مدينة معرة النعمان، أن “حكومة الإنقاذ” لا تمتلك الحق في إعلان اجراء انتخابات، معتبراً أنها من مهمة الهيئة الانتخابية فقط.

اعتراض

في ردٍّ على خطوة “حكومة الإنقاذ” الأخيرة، اعتبر وزير الإدارة المحلية في الحكومة السورية المؤقّتة محمد المذيب، أن حل المجالس المحلية فيه انتهاك لحقوق حكومته، وقال المذيب لـ “صدى الشام: “لا يوجد أي عدائية بيننا وبين “حكومة الإنقاذ”، ولكن هم قاموا بهذه الحكومة لشق الصف علماً أن أغلب كادر “حكومة الإنقاذ” هم من كادر المؤقتة سواء موظفين أو معاونين وزراء”.

وأدان المذيب، قيام “حكومة الإنقاذ” بحل مجلس أريحا المحلي، قائلاً: “إن هذا العمل جاء نتيجة الهيمنة العسكرية لعملهم وليس له أية صفة إدارية أو مدنية”، لافتاً إلى أن المجالس المحلية تتبع للحكومة السورية المؤقتة بشكل مباشر إدارياً ومالياً وتنفيذياً.

ووصف قرار “حكومة الإنقاذ” بأنه “غير مسؤول” وليس له أي صلاحية بحل المجالس المحلية لأنها شُكلت بتوافق أهالي البلدات وفق القانون وإجراء انتخابات ديمقراطية.

وكشف أنه جرى تواصل بين الحكومة المؤقتة و”حكومة الإنقاذ”، بهدف التوصّل إلى حل واندماج، ولكن اتضح أن “هيئة تحرير الشام” ترفض التعامل مع الحكومة المؤقّتة والائتلاف وذلك لدواعٍ سياسية ودينية، بحسب المذيب الذي تابع: “نحن نرفض التعاون مع “حكومة الإنقاذ” المدعومة من قبل جهات إرهابية أو جهات غير معروفة”.

وحول رد الحكومة السورية المؤقّتة على إجراءات حل المجالس المحلية قال المذيب: “نحن جهة إدارية ومدنية ولسنا عسكرية وسنحاول اتخاذ الإجراءات والسبل السياسية لحل هذه الخلافات ومنها إصدار بيان من المجلس المحلي لمدينة أريحا بعدم قبول حل المجلس”، لافتاً إلى أنه في حال قبول الأهالي بحل المجلس فإن الحكومة المؤقّتة ليس لديها أي مشكلة بأن يكون هناك حل ودي بين الحكومتين لحل المجالس.

وبيّن المذيب، أنه لا يحقّ لـ “حكومة الإنقاذ” فرض أعضاء أو ممثّلين في المجالس المحلية على الأهالي لأنّهم هم من انتخبوها، معتبراً أن المجالس المحلية تقوم بمهام كبيرة، وأن حكومة الانقاذ لن تتمكّن من أن تدير هذه الملفّات على الأرض، لأن كل العاملين في المجالس مدرّبون على الإدارة ولديهم خبرة ونظام محلي ويتلقّون التعليمات من اللائحة الناظمة في وزارة الإدارة المحلية بالحكومة المؤقّتة.

وختم بأن “أغلب المنظمات سحبت عملها أو رفضت التعاون مع “حكومة الإنقاذ” منذ بسط “هيئة تحرير الشام” نفوذها، واستدرك: “لا نعرف ماذا يمكن أن تفعل هذه الحكومة مستقبلاً وسننتظر خطواتها القادمة”.

أمر محسوم

يؤكد مصدر حقوقي مطلع في محافظة إدلب، أن “حكومة الإنقاذ” تسعى إلى تسلّم مفاصل العمل بشكلٍ كامل في محافظة إدلب، ويقول المصدر الذي رفض الكشف عن هويته لدواعٍ أمنية لـ “صدى الشام”: “منذ المؤتمر التأسيسي لـ “حكومة الإنقاذ”، وما تلاه من تعيين للوزراء وهذه الحكومة لم يكن لديها أي خطط لمشاركة الحكومة المؤقّتة أو أي جسم آخر بسبب الشرخ الكبير بين الجهتين”.

وأضاف المصدر أن عجلة السيطرة لهذه الحكومة متسارعة جداً، حيث أنّها تمكّنت بسرعة كبيرة من التشكّل، واختيار الوزراء ثم تسلّم أهم الملفات الخدمية والمعيشية في محافظة إدلب خلال أسابيع عقب تشكيلها، وهو ما يجعل احتمالية قيامها بحل جميع المجالس أمراً محسوماً.

واعتبر المصدر أن الحكومة المؤقّتة تبدو ضعيفة وغير قادرة على فعل أي شيء على الأرض، بسبب تواجد معظم كوادرها خارج إدلب، والعداء الفكري والإيديولوجي بينها وبين فصيل “هيئة تحرير الشام” الذي يُسيطر على الجزء الأكبر من محافظة إدلب، مُشيراً في هذا السياق إلى أن الحكومة المؤقّتة تحاول الآن تقديم نفسها بصورة “الرجل الحكيم الذي لا يريد افتعال الخلاف”، غير أنّها في حقيقة الأمر لا تستطيع فعل أي شيء في محافظة إدلب سوى إصدار البيانات والامتعاض السياسي ومحاولة طرق أبواب الجهات الداعمة والحقوقية بانتهاك حقّها في تقديم الخدمات للمدنيين.

ولفت إلى أن ما يزيد عجز الحكومة المؤقتة في محافظة إدلب، هو أنّ دورها يتقلّص أمام المدنيين في حين أن دور “حكومة الإنقاذ” يتصاعد بشكل كبير، وهو ما يؤدّي إلى لجوء المدنيين لها بسبب امتلاكها لزمام إدارة شؤون حياتهم.

واعتبر أن الأمور سوف تسير نحو تسيير “حكومة الإنقاذ” للوضع في محافظة إدلب بينما تتسلّم الحكومة المؤقّتة إدارة أمور المدنيين في مناطق “درع الفرات” وجنوب ووسط سوريا، واصفاً هذا السيناريو بـ “السيئ” كونه يعمّق الشرخ في الجسم المعارض ولكنّه الأقرب إلى الواقع، إلّا في حال تدخّلت تركيا لتميل كفّة الميزان لصالح الحكومة المؤقّتة وهو ما استبعده المصدر ذاته حدوثه في الوقت الحالي.

لا ردّ من “حكومة الإنقاذ”

حاولنا التواصل مع “حكومة الانقاذ” لمعرفة هدفها من إنشاء المجلس الجديد في أريحا، واستيضاح مسألة اعتزامها إجراء انتخابات عامة مطلع العام القادم، وإلغاء دور المجالس المحلية، لكن تلك المحاولات لم تنجح.
وتواصلت “صدى الشام” مع مدير مكتب رئيس “حكومة الإنقاذ” محمد الشيخ، طالبين منه الإجابة على مجموعة من التساؤلات لكننا لم نلقَ أي رد حينها.

شاهد أيضاً

تنوع الجزيرة السورية الحضاري يضفي طابعا خاصا على احتفالات عيد الأضحى

  القامشلي – سلام حسن خاص لموقع صدى الشام: في ثاني أيام عيد الأضحى المبارك، …

أوراق باندورا: جزر العذراء البريطانية مخبأ شركات “ممول للنظام السوري”

في 23 كانون الثاني/ يناير 2017، بينما تحتشد الجهود للوصول لتسوية بين طرفي النزاع السوري …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *