الرئيسية / سياسي / سياسة / بين الرياض وجنيف وسوتشي ..  القضيّة السوريّة على مفترق طرق

بين الرياض وجنيف وسوتشي ..  القضيّة السوريّة على مفترق طرق

صدى الشام _ عدنان علي/

مع قُرب انتهاء “مرحلة داعش” تتجه القضيّة السوريّة نحو مفترق طرق، وإرساء حل تؤسّس له القوى الدولية والإقليمية الرئيسية الفاعلة في هذه القضية خاصةً خلال العامين الماضيين، وهي روسيا وايران إضافة الى تركيا، والتي اجتمعت مؤخراً في منتجع سوتشي الروسي على البحر الأسود من أجل وضع اللبنات الأساسية على طريق هذا الحل.

وبالرغم من نجاح المعارضة السورية خلال اجتماع الرياض الأخير في تشكيل وفد تفاوضي موحد خلال اجتماع الرياض، إلا أن ثمة تحدّيات عدة تواجه هذه المعارضة في المرحلة المقبلة، وفي مقدمتها سعي روسيا، لاستبدال مسار جنيف باجتماع سوتشي، وسط ضغوط قوية على المعارضة للقبول بهذا التحول، ووسط تشكيك بمدى قدرة وأهلية الوفد الذي تم تشكيله في الرياض لمواجهة هذه الضغوط.

وفيما قال نصر الحريري الذي عُيّن رئيساً لوفد التفاوض للمعارضة السورية إن المعارضة مستعدة لبحث جميع القضايا في مفاوضات جنيف المقرر أن تعقد في 28 تشرين الثاني الجاري، واصفاً مؤتمر “سوتشي” الذي دعت إليه روسيا بأنه “لا يخدم العملية السياسية”، أشاد المبعوث الدولي إلى سوريا ستيفان دي ميستورا بالجهود التي بذلتها روسيا لإرساء أسس العملية السياسية في سوريا. وقال خلال لقاءات أجراها في موسكو مع وزيري الخارجية سيرغي لافروف والدفاع سيرغي شويغو إنه يأمل بمناقشة آفاق العملية السياسية السورية في جنيف، وخاصة مواضيع الانتخابات والدستور.

وكانت روسيا حددت 2 كانون الأول المقبل موعداً لعقد مؤتمر “الحوار الوطني” في سوتشي.

ورأى محللون ان روسيا تسعى من خلال مؤتمر “سوتشي” إلى تعديل الدستور الحالي والتمهيد لانتخابات جديدة، وفق مصالحها ورؤيتها، وإعلان قيادة أو مجلس لـ “مؤتمر الحوار الوطني” خلال ذلك المؤتمر.

فرض التصوّر الروسي

ويبدو أن الأمور تتجه بالفعل إلى حل ما بمعزل عن إرادة السوريين جميعاً؛ معارضة ونظام، حيث باتت مفاتيح الحل بيد الآخرين وعلى وجه الخصوص روسيا وإيران وتركيا وأمريكا والسعودية، الذين توافقوا كما يبدو على أسس هذا الحل الذي لا يتضمن تنحي بشار الأسد مع بدء المرحلة الانتقالية كما تطلب المعارضة. وسَعَت روسيا بنجاح كبير حتى الآن إلى إفراغ جنيف وقرارات الأمم المتحدة من مضمونها لأنها واضحة بمؤشراتها للانتقال السياسي وبالتالي رحيل النظام، وهذا ما لا يريده الروس، لذلك خلقوا مسار أستانا والآن مسار سوتشي للمناورة على قرارات مجلس الأمن ومسار جنيف.

ويحاول الروس وفق اللواء المنشق محمد حاج علي خلق توازنات دولية وإقليمية من أجل خلق بيئة تسمح لهم بفرض حل الأمر الواقع، معتبراً أنهم نجحوا جزئياً بذلك من خلال تفاهمهم مع تركيا والسعودية.

وبشأن الخيارات المتاحة أمام المعارضة، رأى حاج علي أن الخيارات محدودة أمام المعارضة ولعل أبرزها خيارين: القبول ببقاء الأسد لمرحلة يتم الاتفاق عليها، “وأعتقد أن هذا ما سيحصل” كما يقول، “أو أن يتوحدوا سياسيين وعسكريين وحاضنة شعبية لتحمل أعباء مواجهة هذا المشروع الترويضي للثورة السورية وهذا الخيار مستبعد أو غير ممكن التحقيق بعد سبع سنوات من فشل الأداء السياسي والعسكري وتشظي رجالات الثورة السورية”.

 

 إقصاء وإضعاف

سبق مؤتمر الرياض إعلان المنسق العام لهيئة التفاوض رياض حجاب وعشرة من أعضاء الهيئة استقالتهم من مناصبهم بعد أن صنفوا على أنهم “متشددين” داخل هيئة التفاوض، ما ترك الساحة مفتوحة لملء أماكنهم بشخصيات أكثر قبولاً وتجاوباً مع الحل الروسي والإقليمي.

ونتج عن اجتماع الرياض انتخاب هيئة تفاوض جديدة من 36 عضواً على رأسها نصر الحريري رئيس وفد المعارضة إلى مفاوضات جنيف.

وقد أثير كثير من اللغط حول مدى أهلية هذه الهيئة التي قامت على أساس المحاصصة الحزبية مع إهمال عنصر الكفاءة والاختصاص إلى حد كبير.

وأعلنت بعض الشخصيات والكيانات المدرجة في وفد الهيئة عن انسحابها منها احتجاجاً على طريقة تشكلها. وقال أحد المستقيلين وهو القاضي خالد شهاب الدين إن “الهيئة لم تقُم في تشكيلها على اختيار المختصين والاحترافيين، إنما توجهت نحو المحاصصة، بالرغم من اقتراح الأمم المتحدة بالتوجّه لأن يكون أعضاء الوفد من المهنييّن”.

كما أعلن عضو الهيئة العامة لمؤتمر الرياض 2 جمال الورد استقالته بسبب رفضه لما دعاه “الخطاب المتراخي الغامض واللغة الضعيفة المستخدمة في البيان الختامي، وعدم تبني موقف واضح يتبنى خطاب الثورة، التي قامت على مبدأ رئيسي وهو إسقاط نظام الإجرام في سوريا، والوقوف في وجه داعميه في المنطقة ومحاسبتهم”.

ورأى بعض المراقبين أنه رُوعيَ في تشكيلة الوفد استبعاد المحسوبين على قطر من اجتماع الرياض، وإحلال ممثلي ايران وروسيا مكانهم، فيما اعتبر عضو هيئة التنسيق الوطنية المعارضة إدوار حشوة أن انتخابات الهيئة العليا للتفاوض أقصت الإخوان المسلمين وحزب الشعب الموالي لهم، وأضعفت الائتلاف إلى درجة كبيرة وزادت من نسبة المستقلين على حساب الأحزاب. وبعد أن أعلن حشوة عبر صفحته على “فيسبوك” انسحابه من “العليا للمفاوضات” ومن “هيئة التنسيق” دون توضيح الأسباب، رأى أن ملف المعارضة صار في عهدة الروس، معتبراً أنه رغم “كل الضجيج فإن الأسد سيبقى إلى ما بعد انتخابات الفترةً الانتقالية، ووفد المعارضة سوف يحضر مؤتمر سوتشي” متوقعاً تصاعد وتيرة الانسحابات الحزبية والفردية من صفوف المعارضة.

وعقد مؤتمر الرياض بمشاركة أكثر من 140 شخصية تضم تيارات وأحزاباً وقوى سياسية وعسكرية، بهدف تشكيل وفد موحد للمعارضة السورية إلى اجتماع جنيف المقبل.

ومن أبرز المشاركين في المؤتمر الائتلاف الوطني السوري بثلاثة وعشرين عضواً على رأسهم رئيس الائتلاف رياض سيف، إضافة إلى منصة القاهرة التي شاركت بواحد وعشرين عضواً أبرزهم فراس الخالدي رئيس منصة القاهرة، والفنان والناشط السياسي جمال سليمان، وكذلك الفصائل العسكرية شاركت بواحد وعشرين اسماً أبرزها محمد علوش وبشار الزعبي، إضافة الى أكثر من سبعين شخصية مستقلة وأعضاء مجالس محلية سورية، فيما أعلن رئيس منصة موسكو قدري جميل أن المنصة لن تشارك في الاجتماع برغم حضور ممثل عنها الاجتماعات .

معارك على الأرض

وتترافق هذه التحركات السياسية مع اشتعال الجبهات في أكثر من موقع من الأراضي السورية خاصة في دمشق ومحيطها وفي شرق البلاد إضافة إلى الريف الحموي.

وقد تمكن تنظيم “داعش” من استعادة السيطرة على مدينتي القورية والعشارة بريف ديرالزور الشرقي بعد معارك مع قوات النظام والميليشيات الأجنبية المساندة لها.

وقالت مصادر محلية إن التنظيم تمكن من قتل وأسر قرابة 30 عنصراً من ميليشيا الدفاع الوطني والتي تسمى “الطرماح” وهي تابعة لقوات سهيل الحسن، ما أدى لانسحاب آليات النظام باتجاه البادية ومنطقة الميادين، فيما شن طيران النظام الحربي غارات جوية مكثفة على المنطقة أسفرت عن مقتل وإصابة عشرات المدنيين إضافة إلى إلحاق دمار واسع بمنازلهم.

وتشهد مدينة البوكمال معارك كر وفر بين تنظيم “داعش” وقوات النظام والميليشيات المساندة لها منذ إعلان قوات النظام السيطرة على المدينة في 18 تشرين الثاني الجاري.

ويعتمد التنظيم في الآونة الأخيرة على الهجمات المباغتة، بعد خسارته زخمه العسكري، فضلاً عن سيطرة قوات النظام والميليشيات الكردية على أكبر وأبرز معاقله في شرق دير الزور.

محيط دمشق

 وفي دمشق ومحيطها، يشن الطيران الحربي التابع للنظام غارات عدة على مدن وبلدات لغوطة الشرقية أسفرت عن سقوط عشرات الضحايا بين المدنيين، في ضوء المعارك المتواصلة في محيط إدراة المركبات العسكرية بمدينة حرستا، حيث تحاول قوات النظام والميليشيات المساندة استعادة المواقع التي تقدمت إليها مؤخراً فصائل المعارضة في تلك المنطقة.

واستقدمت قوات النظام تعزيزات عسكرية كبيرة من مدينتي درعا وحمص إلى أطراف الغوطة الشرقية وجبهة إدارة المركبات، حيث نجحت “حركة أحرار الشام” في وقت سابق بالسيطرة على معظم مباني الإدارة.

كما صدّ مقاتلو “فيلق الرحمن” التابع للجيش السوري الحر محاولة اقتحام جديدة لقوات النظام والميليشيات الموالية لها لحي جوبر شرقي العاصمة دمشق، حيث تحاول قوات النظام عبر تسخين جبهة جوبر التخفيف من حدة المواجهات التي تخوضها في إدارة المركبات بمدينة حرستا.

وكانت الغوطة الشرقية انضمت إلى مناطق “خفض التصعيد” المتفق عليها في محادثات أستانا بين الدول الضامنة (تركيا وروسيا وإيران)، إلا أن نظام الأسد لم يوقف قصف المدينة.

ويتضمن الاتفاق “فك الحصار عن المنطقة وإدخال المواد الأساسية، دون معوقات، مع الاهتمام بإطلاق سراح الموقوفين والمعتقلين من الأطراف المعنية بهذا الاتفاق”، لكنه بقي دون تنفيذ.

ريف حماة

كما اشتدت وتيرة المعارك في ريف حماة الشرقي بين “هيئة تحرير الشام” والحزب التركستاني من جهة، وكل من قوات النظام والميليشيات التي تقاتل معها وتنظيم “داعش” من جهة أخرى.

وتصدت “هيئة تحرير الشام” لعدة محاولات تقدم لقوات النظام إلى المناطق المحررة بريف حماة الشرقي، حيث يحاول النظام مدعوماً بميليشيات محلية وأجنبية التقدم إلى قرية البليل وتل البليل في ريف حماة الشرقي، وقرية الشطيب بريف إدلب الجنوبي إلا أن جميع المحاولات باءت بالفشل وتكبدت فيها قوات النظام خسائر بالعناصر والآليات، بالرغم من عشرات الغارات الجوية التي نفذتها طائرات النظام على مناطق الاشتباك والعديد من القرى في المنطقة.

وبدأت قوات النظام عملية عسكرية انطلاقاً من محور أثريا- وادي العزيب، وسيطرت خلالها على منطقة جب أبيض ومساحات محدودة في محيطها، وذلك بعد تجاوز المناطق التي تقدم إليها تنظيم “داعش” في ريف حماة الشرقي.

الوضع الإنساني

وتترافق العمليات العسكرية مع تردي الوضع الإنساني في عموم الريف الحموي وريف إدلب الجنوبي. وقد توفى طفلان رضيعان بريف حماه الشرقي في مخيمات سنجار نتيجة البرد الذي بدأ يدقّ ناقوس الخطر في شتاء جديد.

وقال مسؤول المخيمات في منطقة سنجار والمنسق العام للمنظمات إنّ الوضع في مخيمات سنجار يزداد سوءاً حيث هناك ثلاثة آلاف عائلة من نازحي ريف حماة الشرقي -الذي هُجّر بالكامل- بلا مأوى وهم يفترشون العراء. و في ظلّ الهجمة الشرسة على ريفي حماة وإدلب وصل عدد النازحين إلى مئة وعشرين ألف نسمة .

وقال ناشطون إنه مع مطلع الشهر التاسع بدأت حملة قصف مدفعي وجوي على القرى المتاخمة لمناطق النظام في ريف حماة الشرقي، ثم توسع القصف الجوي وطال قرى العمق المحررة بريف حماة الشرقي، بالإضافة إلى المخيمات وقرى ناحيتي سنجار والتمانعة، حيث تسبب القصف باستشهاد وإصابة عشرات المدنيين، ونزوح تام للأهالي بالمنطقة بعد تقدم النظام في قرى الحمرا والسعن” .

وقد خرج معظم المدنيين دون أمتعتهم إلى القرى الآمنة، ومع دخول فصل الشتاء زادت معانتهم من نقص في الخيام وإهمال من المنظمات الإغاثية التي قدمت بعضها مساعدات خجولة مقارنةً بالعدد الكبير من النازحين.

شاهد أيضاً

الرئيس السوري أحمد الشرع: رفع العقوبات عن سوريا بداية لمرحلة جديدة من التعافي والبناء.

في كلمة مؤثرة ألقاها الرئيس السوري أحمد الشرع، استعرض تاريخ البلاد المأساوي تحت حكم النظام …

الشرع يشكر فرنسا و يؤكد : مستقبل سوريا سيصنع داخلها و ليس في العواصم البعيدة .

في زيارة رسمية إلى فرنسا، أطلق الرئيس السوري أحمد الشرع سلسلة من التصريحات اللافتة، تناول …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *