صدى الشام- مثنى الأحمد/
يأبى الاتحاد الإسباني لكرة القدم حتى هذه اللحظة اللحاق بركب بطولات عالمية عبر إدخال التكنولوجيا ضمن الأنشطة الرياضية التي يشرف عليها متجاهلًا حاجة دوري بقيمة “الليغا” لهذه الوسائل وخصوصًا تقنية “خط المرمى” التي تُستخدم لحسم الجدل حول تسجيل هدف من عدمه بناءً على تجاوز الكرة لخط المرمى.
وبدأت الأصوات تتعالى داخل أروقة الكرة الإسبانية مؤخرًا بعد اللغط الكبير الذي تسبب به الهدف غير المحتسب لبرشلونة في مباراته مع ريال بيتس مطلع هذا الشهر والذي أثبتت جميع الإعادات التلفزيونية صحته بعد تجاوز الكرة لخط المرمى بأكثر من 20 سم.
وأدى عدم احتساب هذا الهدف إلى خسارة النادي الكتالوني لنقطتين قد تكونان سبباً بتغيير مسار الدوري، كما أن تكرار مثل هذه الهفوات الفادحة من قبل الحكام قد يؤدي لمشاكل أكبر في المرات القادمة خصوصًا مع دخول الدوري في مرحلة حساسة، وربما يكون نادٍ آخر هو الضحية القادمة كالريال المتصدر أو أحد الأندية المنافسة على البقاء وعندها تكون المصيبة إذا ما هبط فريق إلى الدرجة الأدنى.
وفتحت حادثة الهدف الملغى للبرسا الباب أمام احتمال قيام بعض الأندية الإسبانية بخطوات تتجاهل فيها اتحادها من خلال تطبيق التكنولوجيا لتفادي وقوع “ظلم” من هذا النوع غير المقصود على الأقل في ملاعبها.
ويعتبر برشلونة سباقاً في مثل هذه الخطوات الذاتية إذ لم يتردد “لويس انريكي” في استخدام طريقة تمنحه التحكم في أدوار لاعبيه مستعينًا بتقنية “الأفعى” التي تعطيه قراءة كاملة عن تحركات كل لاعب داخل الملعب من خلال تثبيت جهاز مصغر بثيابه أو أي مكان من جسمه خلال المباراة، ويعدّ “إنريكي” أول من استخدم هذه التقنية في إسبانيا، لكن “فيفا” منعت استخدامها في المباريات باعتبارها جسمًا غريبًا لا يجوز للاعب وضعه.
“عين الصقر”
ويُعد استخدام تقنية خط المرمى نسخة مطورة عن تقنية مماثلة تدعى “عين الصقر” سبق أن شاعت في العديد من الرياضات أبرزها كرة المضرب والكريكت، وهي تعتمد على شبكة مرتبطة بنظام حاسوبي وتقوم على محاكاة ما يحصل في الواقع بالنسبة للرياضات التي تستخدمها والتي تنطلق من فكرة تعقب الكرة.
تعمل هذه التقنية عن طريق 6 كاميرات ذات إرسال لبث الفيديو إلى الحاسوب من أجل حساب مسار الكرة، وبالإمكان تحديد مكان سقوط الكرة بدقة تصل إلى 3 ملم عن بعد الكرة عن الخط.
دخول التكنولوجيا
تعتبر مشكلة تحديد دخول الكرة بكامل محيطها داخل المرمى مسألة قديمة تسببت سابقًا بجدل أكبر، وهو ما يزال مستمرًا منذ مونديال 1960 حيث لم تثبت الكاميرات العادية في ذلك الوقت إذا ما دخلت الكرة شباك المنتخب الألماني أم لا حين سجل “جيوف هورست” هدفًا للمنتخب الأنكليزي أثبت صحته مساعد الحكم الذي أخبر حكم المباراة أن الكرة تجاوزت الخط، ليتم احتساب الهدف، ما أغضب الشارع الرياضي الألماني ككل.
وحاول الاتحاد الدولي لكرة القدم وضع حد لهذه المشكلة عبر زيادة عدد الحكام إلى خمسة بدلًا من ثلاثة فقرر وضع حكم عند خط كل مرمى، كما تم استخدام سماعات وميكروفونات لاسلكية تتيح فرصة التخاطب بين الحكم الرئيس ومساعديه من أجل تقليل نسبة الأخطاء في المباريات، الأمر الذي أدى إلى الحد من هكذا حالات لكن ليس بشكل كامل.
ومع كل ذلك بقيت المطالبات بتطبيق التكنولوجيا في كرة القدم، فقامت اليابان بابتكار كرة قدم مزودة بجهاز كمبيوتر في داخلها يعطي إشارات معينة لحكم المباراة في حال تجاوز الكرة خط المرمى بعدما اشتكى كثيرون من الظلم والأهداف الصحيحة غير المحتسبة، واستخدمها الفيفا رغم التحفظات.
كذلك أنتجت إحدى الشركات العالمية جيلًا جديدًا من الكرات الذكية المستخدمة في لعبة كرة القدم، أطلق عليها اسم “سيترس”، وتتميز هذه الكرة بخصائص متعددة، إذ إنها شفافة ولا تفقد الهواء في داخلها ويمكن رؤية محتواها الداخلي بالعين المجردة.
ويعتمد عمل تلك الكرات على أساس الخصائص الميكانيكية للمواد المكونة لها، فهي مصنوعة من مادة “الاستومر” لتكتسب المرونة اللازمة مقارنة بكرات القدم العادية، كما تحتوي على لواقط ومعالج بيانات داخلها ويتغير لونها لعرض الحالات المسجلة في المباريات كالهدف والتسلل والركلة القوية وسرعة الركلة ولمسة اليد وغيرها.
وأُدخلت تكنولوجيا “عين الصقر” إلى ملاعب كرة القدم وأصبحت تعرف بتقنية خط المرمى أو “Goal-line technology” وتستخدم لتحديد دخول الكرة بكامل محيطها خط المرمى من عدمه وذلك بمساعدة الأجهزة الإلكترونية، حيث تساعد الحكم على تحديد مشروعية الهدف من عدمه، فتعمل على إرسال تنبيه لساعة الحكم الرئيس في حال تَجاوزِ الكرة خط المرمى.
تعمل هذه التقنية عن طريق تركيب 14 كاميرا عالية الدقة والسرعة بواقع 7 كاميرات لكل مرمى تقوم بالتقاط الكرة وترسل إشارة لساعة الحكم في حال تجاوزها خط المرمى خلال ثانية واحدة فقط ، ويتم مسح مكان الكرة باستمرار وبالإمكان تحديد مكانها حتى لو كانت محجوبة.
وبعد الكثير من الشد والجذب وافق مجلس الاتحاد الأوروبي لكرة القدم في 5 حزيران 2012 على استخدام تقنية خط المرمى، ثم تلتها الموافقة من قبل الاتحاد الدولي لكرة القدم في يوليو 2012.
وتم استخدام تقنية خط المرمى لأول مرة في عالم كرة القدم في بطولة كأس العالم للأندية 2012 والتي أقيمت في اليابان، وجرى استخدامها أيضًا خلال بطولة كأس العالم 2014 في البرازيل.
واعتمد الاتحاد الأوروبي لكرة القدم “يويفا” تكنولوجيا “خط المرمى” المطورة من شركة “عين الصقر” في كأس أمم أوروبا الأخيرة والتي أقيمت في فرنسا، كما تم استخدامها أيضًا في ملاعب الدوري الإيطالي والدوري الألماني بالإضافة إلى الدوري الفرنسي انطلاقًا من موسم 2015/2016.
وأعلنت رابطة كرة القدم الإنكليزية عن موافقة أندية الدرجة الأولى على استخدام تقنية “خط المرمى” ابتداءً من الموسم المقبل 2017/2018 في انتظار المصادقة على القرار بشكل رسمي في الصيف المقبل، فيما لا يزال الدوري الإسباني ينتظر بدْء استخدام هذه التقنية.
معارضون للفكرة
رغم أن تقنية خط المرمى قادرة على إنهاء أي جدل قد يحصل نتيجة تسجيل الأهداف إلا أن لهذه الفكرة الكثير من المعارضين، إذ يرى بعض المراقبين أن متعة كرة القدم في الأخطاء والجدل الناتج عنها، كما هي رؤية رئيس “فيفا” السابق السويسري “جوزيف بلاتر”.
بينما يتحدث كثيرون عن عدم إمكانية تطبيقها في أغلب الدول بسبب تكلفتها العالية، مما يجعلنا نشاهد هذه الأدوات التكنولوجية تطبق بدوريات درجة ثانية وثالثة في بلدان مثل اليابان وسويسرا، ولا نشاهدها في دوريات أكثر عراقة كالدوري البرتغالي والأرجنتيني وغيرها الكثير.
ونظراً لأن تقنية “خط المرمى” تمكنت من حل مشكلة حسم تسجيل الهدف من عدمه، تبقى تحديات أخرى تواجه مسؤولي الكرة حول العالم ولعل أبرزها تأكيد وقوع اللاعب بالتسلل فكثير من الأهداف أُلغيت رغم صحتها وكثير منها احتسبت وكان مسجلها في موقف تسلل، فهل تحل التكنولوجيا الأخطاء البشرية بالمجمل.