الرئيسية / مجتمع واقتصاد / مجتمع / مواد مجتمعية مختارة / سوريات في مواجهة الزلزال.. جهود نسوية في ظل غياب مؤسسات الدولة
حفل عيد الفطر الذي أقامته الطالبات السوريات - صدى الشام

سوريات في مواجهة الزلزال.. جهود نسوية في ظل غياب مؤسسات الدولة

قتيبة سميسم – صدى الشام

برز دور النساء السوريات في تركيا من جديد بعد زلزال كهرمان مرعش في شباط الماضي والذي راح ضحيته ما يزيد عن خمسون ألف قتيل بحسب الإحصاءات الرسمية، حيث هرعوا لتلبية واجبهن الإنساني في تقديم العون على مختلف الأصعدة لتعويض عدم وجود دولة تخصهم بالعون.

رهام كردية 23 عام، وهي طالبة في فرع الرياضيات في جامعة سوتشو إمام في كهرمان مرعش استفاقت من صدمة الزلزال مبكراً، لتجد نفسها وعائلتها مجبرين على ترك منزلهم الذي لم يلفظهم بفعل الزلزال، إنما بجشع صاحبه رغبة منه بإيجار أكبر، فاضطروا للتوجه مع العائلات النازحة الى مدينة يني شهير بالقرب من أنقرة، حيث وجدوا المأوى في مدينة طلابية قام رجال أعمال سوريون بدفع ايجارات سكناتها في وسط انشغال الجهات الحكومية عن اللاجئين السوريين.
وفي حديثها لصدى الشام، تقول كردية: لقد نزحنا بشكل جماعي، كنا عشرون عائلة، وما أن شعرت بمأمن من الأرض حتى بدأت أستوعب وقع خبر وفاة اثنتان من معلماتي وعدد من زميلاتي المقربات، وكردة فعل لدفع العجز ورد ديون من فقدت تواصلت مع العوائل التي نزحت معنا، وطلبت أن يرسلوا أطفالهم من عمر 6 حتى 12 سنة، لأقوم بتحفيظهم القرآن، ولكنني فوجئت بوجود ما يزيد عن 2000 نازح سوري من مدن الزلزال معنا في السكنات.

أهل الخير على أشكالها تقع

تتابع كردية: بدأت واختي عائشة نواة فريقي، كان الانهماك بتعليم الأطفال يخفف من تفكيرنا بالحادثة، حتى تصادفنا بطالبات جامعيات سوريات من سكان المدينة يبحثون عن متطوعات لضمهن الى فريقهن والذي كان يهدف في بادئ الأمر لحماية الأطفال الناجين من التسيب المدرسي، فقمنا بالتنسيق مع منظمي حملة تسكين العوائل حيث قدموا لنا التسهيلات عبر منحنا الوصول في كل الأوقات الى جميع قاعات الأبنية، فأطلقنا فكرة وجود مدرسة سورية قائمة على تطوع العاملين فيها، وأطلقنا عليها اسم الحملة التي أمنت لنا وللعوائل المأوى، ومن هنا انطلقت مدرسة أمان بكادر خمسة طالبات جامعيات.
وتضيف: تجاوز عدد طلابنا في بداية انطلاقتنا 144 طالب وطالبة موزعون على الصفوف الابتدائية والإعدادية، وخلال ما يقارب الشهر بدأت السوريات ممن كانوا معلمات في الأصل بالتواصل معنا للانضمام للفريق، ما أتاح لنا أن نفتتح قسم روضة ضم 80 طفل، من عمر 4 حتى 6 سنوات بذلنا كل ما بوسعنا لتعليمهم القراءة والكتابة بالأحرف العربية.

من حفل تخريج طلاب الروضة – صدى الشام

النظر إلى نصف الكأس الممتلئ

الطالبة السورية خديجة المصطفى

أما خديجة المُصطفى 24 عامًا، وهي طالبة في قسم الهندسة المعمارية في جامعة اسكندرون، والتي وجدت في محنة نزوحها وعائلتها مع هذا الكم من السوريين فرصة للمشاركة في ترسيخ الهوية السورية في أذهان الأطفال الناجين من الزلزال فقد بدأت بتدريس مادة الجغرافيا لصفي الثالث والرابع الابتدائي بأسماء المدن السورية والتي أبدى طلابها حماسهم لترديدها بحسب وصفها.
حيث تقول المُصطفى في حديث لها مع صدى الشام: كل ما في الأمر أني كنت أرى عيون الأطفال تزداد بريقاً كلما حدثتهم عن وطنهم، حيث يتكلم كل من فيه بلغتهم العربية وكانوا يبدون الحماس لسماعهم بمناطق ينتمون اليها، هذا ما أعادني إلى أيام الحراك الأولى لأردد مع تلاميذي الأبيات الثورية ولنتخذ من نشيد “في سبيل المجد” تحية علمنا الصباحية، ومنها انطلقنا إلى أبيات “سأعود حاملاً النصر” وسط سباق بين الطلاب في حفظ الأبيات التي كانوا لا يفوتون فرصة في ترديدها.

تتابع المُصطفى: كان لدي تحدٍ شخصي يتمحور حول إخراج الأطفال من الحديث عما شاهدوه من دمار وكيف كانت غرفهم وأسرتهم ترقص بهم، إلى الشعور بالأمان، لذلك كان العامل النفسي لدى الأطفال هو كل ما أفكر فيه، حيث نسقت مع زميلاتي في الفريق فعالية سينما خاصة بالفتيات اشتملت على إعداد الفوشار والعصير لما يزيد على 35 فتاة، ليتابعوا فيلم خاص بالفتيات في محيط يشعرون به بالطمأنينة بين معلماتهم واصدقائهم، ولعل جملة إحداهن لي في نهاية الفيلم “أنسة رح تبقوا معنا عطول؟”، كانت أجمل ما سمعته في تلك الأيام.

فعالية السينما للفتيات – صدى الشام

وتضيف: كان سؤال تلك الطفلة العفوي يشحن همتي لأبذل قصار جهدي في اختلاق المسابقات والرحلات لهن، كي أمضي معهن أطول فترة ممكنة قبل أن يحين موعد مغادرتنا للمدينة، حيث كنت أنسق معهن رحلات دورية كما لو كنا أصدقاء في ذات السن.

جلسة ترفيهية برفقة الأطفال – صدى الشام

على قدر من المسؤولية

وعن بعض التحديات التي واجهتهن خلال مسيرتهن، وفي حديث لمايا سعدو 20 عاماً، وهي طالبة هندسة جيولوجيا في جامعة أكدينيز، تقول لصدى الشام: لعل مسؤولية وصول الأطفال الى المدرسة التي افتتحناها وعودتهم إلى بيوتهم دون أن يمسهم أذى كانت من أبرز التحديات التي واجهتنا، حيث إن معظم الأطفال كانوا في سن صغير وهم بحاجة إلى دروس في قطع الطريق والمشي على الرصيف والتي كنا بالفعل ننفذها بشكل عملي أثناء مرافقتنا لهم إلى أن يصلوا قاعة الصف قادمين من أبنيتهم وبالعكس، كان المارة في الطريق يشبهوننا تارة بسرب البط وتارة أخرى بقصة عازف المزمار الشهيرة.

وتتابع سعدو: لم يقف الأمر عند الأطفال، بل عملنا على الوصول لجميع فئات السوريين المتواجدين في المنطقة، حيث تواصلنا مع مديرية التربية التركية وطلبنا منهم فتح تدريبات خاصة بالنساء عن طريق بوابة التدريبات التي توفرها المديرية عبر تطبيق أي دولت، وبعد زيارتنا للسيد هالوك أوزديمير مدير التربية في منطقة ياهشيهان حظينا بالكثير من الترحيب والثناء على مشروعنا، ووجه بفتح تدريب مهني لتعليم النساء الرسم بالحرق على الخشب، وكان عدد المشاركات في التدريب الذي استمر مدة ثلاثة أشهر ما يقارب العشرين سيدة سورية، تعلمن من خلاله حرفة جديدة ليصدروا قطع فنية سيتم عرضها في معرض للتربية التركية في المنطقة.

ورشة التدريب بالحرق على الخشب – صدى الشام

فيما وجدت بعض المعلمات السوريات الفرصة لمزاولة مهنتهن التي قيدتها قرارات حكومية في وقت سابق، ومنهم ريم الشيخ محمد وهي معلمة لغة إنجليزية إذ تقول في حديث لها مع صدى الشام: منذ قدومي لتركيا قبل نحو خمسة أعوام لم أستطع مزاولة مهنة التعليم بسبب اغلاق المدارس السورية وتسريح المعلمين السوريين فيها، لقد اقتصر عملنا على بعض الدروس التطوعية لبعض المعارف.
وتتابع: لا تولي المدارس التركية اهتماماً كبيراً بتعليم اللغة الإنجليزية، وهذا ما شكل حاجة لدى الأطفال لتعلمها خارج أسوار المدرسة، حيث وجدنا هنا الفرصة لتعويضهم عن طريق افتتاح صفوف لتعليم اللغة الإنجليزية شملت طلاب الصفوف الدراسية من الثالث الابتدائي وحتى التاسع.

وتضيف الشيخ محمد: يسعدني أننا حظينا برضى الأهالي عما قدمناه، وسنواصل ما بدأنا به طيلة فترة بقاءنا هنا.

 

استطلاع رأي
وفي استطلاع رأي قامت بها صدى الشام شملت 124 شخص معظمهم من النساء المستفيدون من الخدمات التي قدمتها مجموعة المتطوعات من الطالبات والمعلمات السوريات للوقوف على رضى الأهالي عن الخدمات المقدمة صوت الأغلبية بـ راضٍ بنسبة 68 بالمائة فيما صوت 32 بالمائة بـ راضٍ تماماً، فيما أكد الغالبية بنسبة 81 بالمائة تأييدهم لعمل المرأة في المجال التطوعي.

وعن رغبتهم بالانضمام لأعمال تطوعية مستقبلاً لخدمة المجتمع صوتت نسبة 54 بالمائة بنعم وعبر 18 بالمائة عن رفضهم للفكرة فيما امتنع 28 بالمائة عن التصويت.

تم إنتاج هذه المادة الصحفية بدعم من “JHR” صحفيون من أجل حقوق الإنسان

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *