جلال بكور/
اللغز المحير الذي ما يزال يرافق قضية اختفاء الصحفي السعودي “جمال خاشقجي”، وما يجري الحديث عنه أو تسريبه من مصادر غير رسمية في الأمن التركي، يثير الشكوك أكثر حول ملابسات القضية، ويضعها أكثر في عداد الجرائم السادية المنفذة عن سبق إصرار وترصّد.
إن التصريحات المنقولة عن الأمن التركي وزوجة “خاشقجي” تؤكد أن الأخير لم يخرج حتما من القنصلية السعودية الواقعة في حي ليفنت ببلدية بشكتاش في إسطنبول كما أن تسجيلات الكاميرات المحيطة بالقنصلية تشير إلى دخوله وعدم خروجه، كما أن الأمن التركي حاصر وفتش الطائرات السعودية فور العلم باختفاء “خاشقجي”، وذلك يشير إلى أن خاشقجي لم يُخرج من تركيا أيضا.
هناك تسريبات جديدة أخرى أشارت إلى أن الأمن التركي حصل على تسجيلات عملية قتل “خاشقجي” من قبل الوفد السعودي الذي جاء إلى تركيا ودخل القنصلية ساعة اختفاء الصحفي، والتسجيلات أيضا تظهر نقاشات بين الوفد حول كيفية إخفاء الجثة، إلا أن الأم لم يتمكن بعد من معرفة مكان إخفاء الجثة وهو ما يسعى إليه قبل إعلان نتائج التحقيقات بشكل رسمي.
ووفقا للتسريبات فإن جثة “جمال خاشقجي” إما أن تكون قد نقلت إلى منزل القنصل القريب من مبنى القنصلية، أو نقلت إلى مكان آخر عبر سيارة فان خرجت من القنصلية ضمن رتل الوفد واختفى أثرها لاحقا في الجانب الآسيوي من إسطنبول عن تعقب الكاميرات.
وفي حال صدقت تلك التسريبات، فيمكن اعتبار رسالة الملك سلمان إلى الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وطلب تشكيل لجنة تحقيق مشتركة، دليلا على أن السعودية تريد تهدئة الأجواء مع تركيا التي تعمل بصمت ولم تقم بالتصعيد الإعلامي كما فعلت إبان اضطراب العلاقة مع إدارة ترامب في واشنطن حول قضية القس الأمريكي المفرج عنه مؤخرا في أزمير التركية.
ويشير صمت تركيا إلى امتلاكها دليلا ما على ضلوع مسؤولين في السعودية أو ولي العهد السعودي في عملية اختفاء الصحافي الشهير بـ”الإصلاح” وليس “المعارضة”، إلا أنها تنتظر الوقت المناسب للإفشاء عن تلك المعلومات التي تنقالتها وسائل الإعلام العالمية.
إلا أن السؤال الأبرز الذي يحيط بالقضية، ماذا سيحل بـ”محمد بن سلمان” بعد ثبوت ضلوعه في جريمة قتل الصحفي “جمال خاشقجي” في قنصلية بلاده في إسطنبول؟، لعل هذا السؤال هو الشغل الشاغل لمن يتابع هذه القضية سواء من قبل الجمهور أو وسائل الإعلام التي انشغلت بنقل التسريبات عن الجريمة الشنيعة رغم عدم التأكيدات الرسمية لها من قبل تركيا ومواصلة السعودية لنفيها.
ولكن المنطق السياسي يقول دائما إن مصلحة الدول أهم من المصالح الشخصية وهو ما تفسره تصريحات ترامب بأنه لن يوقف بيع السلاح لواشنطن على خلفية حادثة الصحفي السعودي “جمال خاشقجي”، ويفسرها أكثر حوادث أشنع من ذلك وهي ما قام به بشار الأسد في سوريا أو ما قام به رئيس كوريا الشمالية من قتل وتصفية للمسؤولين في بلاده.
وقد يرى البعض أن هذه الحادثة مخالفة تماما لأنها حصلت في أرض غير سعودية وقد يكون لها عواقب وخيمة على المملكة.
ومن جانب آخر يمكن أن تحل القضية من جانب السعودية باتهام أشخاص يقدمون شهادات بأن لا علاقة للملك وولي العهد بتلك الحادثة.
كما أن الملك سلمان قد يلجأ إلى عزل “محمد” وتعيين ولي عهد جديد بدلا عنه، في حين أن السعودية وفق محللين يمكنها أن تلجأ إلى حلول أخرى تتفادى من خلالها خسارة صداقة الغرب وواشنطن، عبر التحول إلى المعسكر الروسي الصيني الإيراني تجاريا وعسكريا.